القراء الأعزاء،
لوسائل التواصل الاجتماعي ما لها وعليها ما عليها، وإيجابياتها توازي سلبياتها، ولعل أهم فضائلها هو أنها أسهمت في نشر ما قد لا تستطيع نشره وسائل الاعلام التقليدية، فقد أصبحت متنفساً للمواطن يُطلق من خلالها صوته، مسموعاً أو مكتوباً أو مصوراً، وينتشر هذا الصوت كالنار في الهشيم وفقاً للطبيعة الشبكية للإنترنت وأدواته المختلفة، فالأصوات تتعالى في كل مناسبة تفرض التزاماً مادياً جديداً يضاف على الميزانية ويقع على عاتق ربّ الأسرة أو المواطن بشكل عام، مع قدوم شهر رمضان، مع حلول العيدين، مع بدء كل فصل دراسي جديد خلال العام الدراسي.
وقد بدأت الأصوات ترتفع فعلاً مع بدء العام الدراسي الجديد 2023-2024، فنجد وسائل التواصل الاجتماعي تضج بشكوى المواطنين من تكاليف التحاق أبنائهم بالمدارس وأعني الحكومية فقط، باعتبار أن اتجاه أولياء الأمور إلى المدارس الخاصة هو شأنهم الخاص المرتبط بقدرتهم المالية وخطتهم لإدارة حق أبنائهم في التعليم بمعرفتهم باعتبار أن حرّية الآباء في تعليم أبنائهم وفقاً لقناعاتهم الشخصية والأخلاقية والدينية والاقتصادية هو من الضمانات المرتبطة بالحق في التعليم وفقاً للعهد الدولي الثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد ومض في ذاكرة الشعب البحريني العام الماضي عندما أمر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد ولي العهد الأمين ريس الوزراء الموقر حفظه الله، بصرف مبلغ خمسة وعشرين ديناراً لكل طالب، والتي أسهمت في التخفيف من العبء الواقع على كاهل أولياء الأمور ولا سيما متعددي الأبناء، وقد طالبت بعض الأصوات على استحياء بتكرارها ولكن بصوت خافت لا أعتقد أنه وصل، فيما أسهمت وزارة التربية في منح كوبونات لأولياء الأمور مع بدء انتظام الطلبة في المدارس، بعد أن تكبّدت الأسر ما تكبدته لتوفير مستلزمات الدراسة لأبنائها، بمعنى أن تلك الكوبونات لم تُصرف في الوقت المناسب لتُحقق جدواها وفاعليتها في التخفيف عن أرباب الأسر.
والحقيقة المتعلقة بكلفة مستلزمات المدارس والتي سأنقلها إليكم بعد سماعي حديث احدى السيدات التي لها ثلاثة أبناء تتراوح أعمارهم بين السادسة والعاشرة، وهي الزي المدرسي، والملابس الداخلية، والأحذية العادية والرياضية، والجوارب، وملابس الرياضة، والحقائب المدرسية (وللأطفال في هذه السن غالباً ما يتم استبدالها في كل فصل جديد) والقرطاسية، وحقيبة الأكل، وبحسب حديثها فقط بلغت كلفة كل هذه المستلزمات 500 دينار، علماً أنها قد اشترتها من أماكن عادية.
هذا إذا ما أخذنا في الاعتبار نص الفقرة (أ) من نص المادة (7) من دستور مملكة البحرين المعدل 2002 على أنه: (ترعى الدولة العلوم والآداب والفنون، وتشجع البحث العلمي، كما تكفل الخدمات التعليمية والثقافية للمواطنين، ويكون التعليم إلزاميا ومجانيا في المراحل الأولى التي يعينها القانون وعلى النحو الذي يبين فيه..). التي تتوافق تماما مع نص المادة (13) من العهد الدولي الثاني، الذي استناداً إليه فإن إلزامية ومجانية التعليم مرتبطة إلى حد كبير بمبدأ المساواة، وبأن مجانية التعليم تقتضي أن تتكفل الدولة بإتاحة التعليم الابتدائي دون مقابل مادي مباشر أو غير مباشر ودون كلفة تُثقل كاهل رب الأسرة.
والخلاصة أن مستلزمات التعليم الأساسي قد أصبحت تُشكّل عبئاً حقيقياً على عاتق رب الأسرة ما يتنافى مع مبدأ المجانية، فيما تروي أحاديث الأولين أن بعض الدول العربية منها البحرين كانت تتكفل بجميع نفقات مستلزمات طلبة المدارس من زيّ مدرسي وقرطاسية بما فيها الوجبات الغذائية. وفي رأيي الذي أعتقد أنه يتوافق إلى حد كبير مع النصوص السابقة يجب على الدولة أن تتكفل بنفقات التعليم الابتدائي على أقل تقدير شاملاً كل احتياجات الطفل ومستلزماته، ويتم رصد موازنة خاصة لها في الموازنة العامة للدولة حتى لا تُشكل هذه النفقات عبئاً على موازنة الأسرة إعمالاً للنص الدستوري.
وختاماً، لعل هذا المقال يكون ناقوساً لمتّخذي القرار بضرورة الاستماع إلى كل صوت يُعبر عن هموم المواطن والتفاعل معه بشكل إيجابي، على اعتبار أن المواطن عنصر مهم من عناصر تكوين الدولة (الإقليم، والشعب والسلطة) وأساس بناء فيها.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك