كما يعلم الكثيرون وخصوصا المختصين في مجال الاقتصاد والمال والأعمال أن القطاع العمراني والعقاري يعد جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد الوطني في مختلف دول العالم. وأن الحكومات تتابع هذا النشاط بمؤشراته وتطوره ونموه، لما لهذا النشاط من تأثير ايجابي في تنشيط الكثير من القطاعات الاقتصادية الأخرى. وفي كثير من البلدان يتم التطرق لتفاصيل النشاط العقاري مثل عدد الوحدات تحت البناء وحجم التداول فيها وأنواع التمويل المتوفرة للفصل بين العقار التجاري والصناعي والسكني، بالإضافة إلى التنوع في الاستثمار فيها سواء كان من قبل الأفراد أو الشركات أو الصناديق العقارية من داخل البلاد أو خارجها. كل ذلك الاهتمام من قبل الدول بالنشاط العمراني والعقاري هدفه الأساسي هو أن يساهم هذا النشاط في الاقتصاد الكلي للدولة وتأكيدا على أن هذا النشاط يعد أحد أحجار الزاوية التي تسهم في زيادة ثروة البلدان ورخاء شعوبها.
إن مملكة البحرين ومنذ زمن طويل تولي الكثير من الاهتمام بالإسكان والذي يعتبر أحد أنشطة القطاع العمراني والعقاري. فإذا عدنا إلى التاريخ، فان هذا الاهتمام كان جليا في مشاريع مختلفة في المملكة مثل إنشاء مدينة عيسى في الستينات من القرن الماضي ومدينة حمد في الثمانينات من القرن الماضي، كمشاريع إسكانية متكاملة لتوفير السكن اللائق للمواطنين في كافة مناطق البحرين وتلبية للحاجة نتيجة للزيادة السكانية. أما في الفترة القريبة الماضية فقد تم تشييد مدينة سلمان ومدينة خليفة كمثالين آخرين على تبني الدولة كهدف استراتيجي للعديد من المشاريع الإسكانية. بالإضافة لذلك فإن الدولة قد شيدت العديد من المشاريع الإسكانية في مختلف مدن وقرى البحرين. قد تكون مملكة البحرين من البلدان القليلة التي تولي هذا الاهتمام وبشكل متواصل بالقطاع الإسكاني.
ولكن ما شهدته مملكة البحرين منذ بداية القرن الحالي الواحد والعشرين بالأخص خلال فترة الثلاثة وعشرين سنة الماضية من نشاط عمراني وعقاري وإسكاني غير مسبوق لم تشهد مثله من قبل وبوتيرة أسرع بكثير من الفترات السابقة، وما يميزها هو اكتمال كافة مكونات وعناصر النشاط العمراني والعقاري فيها. فعندما تشهد في مختلف مناطق البحرين من مدن وضواحي جديدة تشييد مباني سكنية وتجارية شاهقة، علاوة على تركيز برامج الدولة على توفير المساكن الملائمة للمواطنين، فإننا بالمحصلة سنصل لقناعة بأن ازدهار النشاط العمراني والعقاري في المملكة يعد حقيقة غير مسبوقة. ودليلا على ذلك فإن مشاريع مثل امواج وديار المحرق ودرة البحرين وضاحية السيف وخليج البحرين ومنطقة الجفير ومركز التجارة العالمي البحرين ومرفأ البحرين المالي ومجمع الأفنيوز ومجمع الليوان وديلمونيا ودستركت 1 و2 ومدينة سلمان ومدينة خليفة قد تم تنفيذها وساهمت في هذه النهضة العمرانية. إلا أنه كأي نشاط اقتصادي آخر فإن عددا محدودا جدا من المشاريع لم يحالفها الحظ ولم تكتمل.
ومن أهم المكونات والتي أدت لازدهار النشاط العمراني والعقاري في المملكة هي: -
1- الأمر الملكي لحضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه ببناء أربعين ألف وحدة سكنية في المدن والقرى في مختلف مناطق البحرين. حيث إن تنفيذ هذا الأمر له انعكاسات إيجابية على عدد من الأنشطة التجارية والاقتصادية ويعتبر محركا رئيسيا لأعمال المقاولين بكافة تصنيفاتهم. كما سيسهم في تنشيط الطلب على الأثاث المنزلي وكافة المعدات المنزلية مثل مكيفات الهواء والأجهزة الكهربائية ومستلزمات المنزل الأخرى فجميع هذه الأنشطة تمثل جزءا مهما من النشاط التجاري الاقتصادي البحريني.
2- اهتمام صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه ومتابعته المتواصلة للإسراع في بناء أكبر عدد من الوحدات السكنية لتلبية حاجة المواطنين المتزايدة للسكن، ورعايته لبرامج دمج القطاع الخاص في تمويل هذه الأعداد الكبيرة من الوحدات السكنية. كما ان صاحب السمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء يولي اهتماما خاصا بدور بنك الإسكان في تمويل العديد من المشاريع الاسكانية والعقارية ويتجلى لنا ذلك من خلال الأمر الذي أصدره مؤخرا بزيادة رأسمال هذا البنك إلى 500 مليون دينار بحريني.
3- إصدار وتحديث عدد من القوانين التي تنهض بالحركة العمرانية وتفتح المجال أمام إدخال التقنية الحديثة في جهاز المساحة والتسجيل العقاري والدور البارز المناط بهيئة التخطيط والتطوير العمراني برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بما في ذلك إصدار قانون يسمح بتملك الشقق السكنية. كما سمحت القوانين الجديدة لغير البحرينيين والخليجيين بالتملك والاستثمار العقاري في مملكة البحرين.
4- تشجيع القطاع الخاص بما في ذلك البنوك التقليدية والإسلامية من داخل البحرين وخارجها للقيام بدور أكبر في الأنشطة العمرانية والعقارية والترتيب لتمويل المشاريع العمرانية والعقارية، وأذكر هنا بشكل خاص قيام البنوك بالتوسع في سياسات الائتمان ليشمل التمويل مشاريع العقار والتي تمتد مدة السداد فيها حتى 30 عاما، والجدير بالذكر هنا هو أن التمويل متوفر للرجال والنساء على حد سواء. ومن الجلي لنا من خلال هذه التجربة أنه بإمكان القطاع الخاص والمصارف الإسهام من خلال زيادة التعاون للنهوض بدور أكبر في المستقبل.
5- كما أن مملكة البحرين حرصت على الاستفادة من تجارب دول مجلس التعاون الخليجي في المجال العمراني والعقاري وعملت على زيادة التعاون فيما بينها وبين هذه الدول الشقيقة لاستقطاب المزيد من استثمارات القطاع الخاص الخليجي للمشاريع العمرانية والعقارية المحلية. ويمكننا الاستفادة بالأخص من تجربة دولة الامارات العربية المتحدة التي شجعت على إنشاء شركات التطوير العقاري وحرصت على تحفيزها، فإنه بإمكان مملكة البحرين كذلك إعطاء الفرصة للقطاع الخاص المحلي والخليجي لإنشاء شركات التطوير العقاري والاعتماد عليها لتطوير هذا القطاع في المملكة.
6- إن استدامة أي نشاط اقتصادي يتطلب وجود العرض والطلب وهذه نظرية اقتصادية معروفة وهذا ينطبق على النشاط العقاري. فقد يكون العرض أكثر في بعض الأحيان وقد يكون الطلب أكثر في أحيان أخرى، إلا أن هذا يخدم التوازن في التكلفة والأسعار فلا ترتفع أو تنخفض بشكلٍ مبالغ فيه، الأمر الذي قد لا يخدم النشاط العقاري، ولكن التفاوت بين العرض والطلب يعد أمرا اقتصاديا طبيعيا ومع الوقت سيعود التوازن الاعتيادي إلى القطاع العقاري حاله كحال أي نشاط اقتصادي آخر.
ومن تجارب الاخرين التي قد تكون جديرة بالبحث والدراسة ضمن هذا التعاون هو زيادة حجم وأعمال ورأسمال بنك الاسكان بمشاركة أكبر مع القطاع الخاص، بالإضافة لدراسة تمويل مشاريع ومباني الدولة المستقبلية مثل مكاتب الوزارات ومباني المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية أو أية مبان قد تحتاجها الدولة عن طريق شركات التطوير والاستثمار الخاصة. حيث إن هذا الاسلوب من التمويل يساعد على تحويل الجزء الأكبر من ميزانية المشاريع إلى ما هو أهم وذو مردود أكبر. فنجد أن بعض الدول تلجأ إلى هذا النوع من التمويل أو استجار هذه المباني لمدد طويلة تنتهي بتملك الدولة لهذه المباني في نهايتها. علاوة على ما سبق فإن المستثمر يتطلع للحصول على تسهيلات فيما يتعلق بالأراضي سواء المعروضة للبيع أو الإيجار طويل الأمد، فوجود مخزون أراض مخصصة لهذا الغرض يجذب المستثمر لتنفيذ استثماره في الدولة.
ومن هنا سنجد أن النشاط العمراني والعقاري غير المسبوق خلال ربع قرن تقريبا قد أثبت أنه من الممكن للدولة أن تعتمد وتستفيد من القطاع الخاص والعمل معه يدا بيد في تنفيذ برامجها الاقتصادية. علاوة على قيام القطاع الخاص بلعب دور أكبر في القطاعات الاقتصادية المختلفة. جدير بالذكر أن القطاع الخاص قد يشمل شركات ومستثمرين من داخل البلد وخارجها للقيام بتنفيذ وتمويل وتملك هذه المشاريع في مملكة البحرين.
وأود في نهاية هذا المقال أن أؤكد على أن هذا النشاط العمراني والعقاري غير المسبوق في مملكة البحرين ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين يستحق الإشادة لما له من مساهمة كبيرة ومباشرة في النشاط الاقتصادي البحريني.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك