لا شك بأن مملكة البحرين من الدول الأولى في مستوى الحرص على تعزيز حقوق العمالة المنزلية احتراماً لحق العمالة في العمل وضمان عدم خضوعهم للسخرة وحفظاً لكرامتهم الإنسانية.
وقد طُرح أمام مجلس النواب مؤخراً مقترح نيابي حول قانون بشأن العاملين في المنازل ومن في حكمهم ينص ضمن أحكامه على أنه يتحمل العامل في حال هروبه من المنزل دون أن يكون صاحب العمل متسببا في ذلك كافة المصاريف التي تكبدها صاحب المنزل بالإضافة إلى تكلفة عودته إلى بلده ويتحمل دفع قيمة تذكرة السفر في حال رغبته شخصياً في مغادرة البلاد لأي سبب من الأسباب، ومنع استقدام خدم المنازل إلا عبر مكتب مرخص... إلى آخره.
ومن المعلوم أن موضوع العاملين في المنازل من المواضع الشائكة لطرفيها إذ لا ثوابت فيها، حيث ينطبق على رب العمل في أحوال كثيرة المثل الشعبي: (يا من شرى له من حلاله علّة) لذا فهو بحاجة إلى حماية من جانب، أما العاملون فكان الله في عونهم أيضاً، إذ اضطرتهم الحاجة إلى الاغتراب ومفارقة أحبتهم طلباً للرزق، وهم في حال أحوج فيه إلى الرأفة والرحمة من سن القوانين القاسية، وفي هذا الموضوع بالتحديد يصعب تحديد الظالم من المظلوم، لذا يبقى دائما موضوع الموازنة بين حقوق هذين الطرفين من المواضيع الصعبة جداً، وربما كانت هي السبب في تأخر صدور قانون العاملين في المنازل ولو أنني لا أرى ضرورة لصدور مثل هذا القانون ويُكتفى بشروط واضحة في عقد عمل نموذجي موحد.
إلا أنه من المؤكد أن التطبيق العملي المتعلق بالعاملين في المنازل يُرجّح كفّة العامل على كفة رب العمل، ويجعل من الأخير الطرف الأضعف الذي يتوجب عليه أن يتكبد أكثر خسارات هذه العلاقة، فعندما تهرب العاملة أو كما يحلو للبعض تسميته (تترك العمل) يكون على ربّ العمل تحمّل كلفة ما أنفقه في سبيل استقدامها مع جميع الرسوم الأخرى المرتبطة بتراخيص بقائها في الدولة وكلفة جديدة لاستقدام أخرى جديدة، وتختفي الأولى كأنها إبرة في كومة قش، ثم تغيب لسنوات وتظهر فجأة لتطالب بتذكرة سفر إلى بلادها، يتحملها رب العمل المكلوم الذي هربت منه قبل سنوات وقد يكون نسى اسمها ونسى وجودها أصلا.
أو عندما تستلم العاملة رواتبها الشهرية (على داير مليم، كما يقول المثل المصري) دون أن يتم اثبات ذلك بأرصدة استلام على أسس من حُسن نوايا الشخص العادي والثقة المتبادلة بينها وبين رب العمل صاحب المنزل باعتبارها فردا من أفراد العائلة، ثم تطالبه بعد انتهاء مدة عملها بأجور شهور سنوات الخدمة كلها متكئة على عدم وجود اثبات الاستلام، ويصطدم رب العمل أيضاً بأنه مُلزم بسداد الأجور مُجدداً بحكم قضائي.
أما القصص والتفاصيل الكثيرة الأخرى المرتبطة بعاملات المنازل فسأتركها لخيال القارئ، وأعود إلى المقترح النيابي موضوع المقال.
فقد تطرق المقترح إلى تفاصيل ولكنها لم تأت بجديد باعتبار أنها موضع التطبيق حالياً، مثل الاتفاق بين المكاتب المتخصصة في بلد العامل وبلد رب العمل فهذا هو أساس من أساسيات عمل مكاتب استقدام العمالة الاجنبية، كما توجد هناك بالفعل ضوابط لاستقدام أكثر من عاملة منزلية واحدة، ذلك أن الأصل بأن لكل أسرة عاملة واحدة لغرض معين ومع توافر ضوابط معينة يمكن أن يزيد هذا العدد.
وأتفق بشدة مع تحميل العمالة المنزلية كلفة استقدامها وترحيلها في حال هروبها إذا لم يكن ذلك بسبب رب العمل نفسه، إذ لا ذنب له في تحمّل نتائج أهواء وتصرفات العاملة المنزلية الشخصية.
إلا أنني لا أتفق مع المقترح في اشتراط أن يكون استقدام العمالة المنزلية من خلال المكاتب الرسمية، لأنه يتضمن تضييقاً على حرية المواطن في اختيار اللجوء إلى المكاتب المتخصصة أو الاستقدام بمعرفته وسيحرم فئة من المواطنين تستطيع استقدام عمالتها بواسطة علاقاتها الشخصية ومعارفها برسوم بسيطة قد لا تعدو رسوم الاستقدام وتذكرة السفر، ويلزمهم باللجوء إلى مكاتب الاستقدام ودفع رسوم أعلى، وكان على القانون من باب أولى أن يتضمن نصا ينظم هذه الرسوم بشكل يتوافق مع متوسط دخل المواطن بحيث لا يُثقل كاهل المواطنين.
ويقفز إلى ذاكرتي شعار المؤتمر الذي نظمه الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، تحت رعاية وزير العمل قبل سنوات بعنوان (رحلة عمل آمنة من بلاد المنشأ إلى بلاد المقصد)، ومن المؤكد أن حرص مملكة البحرين على تعزيز واحترام وحماية حقوق العمالة المنزلية يضع هذا العنوان موضوع التطبيق، ولكن من الضرورة أيضاً أن يُضمن لصاحب المنزل حماية لحقوقه وخصوصيته وحقوق أفراد أسرته على قدم سواء، فالمركز القانوني الضعيف قد يكون للعاملة حيناً وقد يكون لصاحب المنزل أحياناً كثيرة.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك