العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

مقالات

مدونة مي زيادة
عودة الوعي... واستلابه

السبت ٠٢ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لإنصاف‭ ‬الحقيقة‭ ‬والتاريخ‭ ‬يجب‭ ‬تسجيل‭ ‬أهم‭ ‬حدثين‭ ‬ثقافيين‭ ‬لعام‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬بمؤشرات‭ ‬عودة‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭ ‬الخليجي؛‭ ‬عودة‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬استلاب‭ ‬الوعي‭ ‬الثقافي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬ألَمّت‭ ‬بمجتمعاتنا،‭ ‬بأدوات‭ ‬وسياسات‭ ‬ناعمة،‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭.‬

الحدث‭ ‬الأول‭ ‬جاءت‭ ‬تباشيره‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬صيف‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬خبر‭ ‬بسيط‭ ‬ولكنه‭ ‬مهم‭ ‬ومميز،‭ ‬حول‭ ‬دعوة‭ ‬وجهتها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬السيدات‭ ‬الكويتيات‭ ‬الفاضلات‭ ‬من‭ ‬قبيلة‭ ‬مطير‭ ‬لترك‭ ‬العادات‭ ‬المجتمعية‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬المكلفة‭ ‬والثقيلة‭ ‬على‭ ‬النفس،‭ ‬والدخيلة‭ ‬على‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تشكل‭ ‬عبئًا‭ ‬ماديًّا‭ ‬ومعنويًّا‭ ‬وسلوكيًّا‭ ‬على‭ ‬الأُسر‭ ‬والأفراد‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الظرف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬السيئ‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬العالم،‭ ‬ومنطقتنا؛‭ ‬وقد‭ ‬أوجز‭ ‬الخبر‭ ‬تعريف‭ ‬تلك‭ ‬العادات‭ ‬في‭ ‬الاحتفالات‭ ‬المُكلفة‭ ‬لمناسبات‭ ‬الخطوبة‭ ‬والزواج‭ ‬والولادة‭ ‬وهدايا‭ ‬السفر‭ ‬وغيرها،‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬نمط‭ ‬المباهاة‭ ‬بالمظاهر‭ ‬الخاوية،‭ ‬وفقدان‭ ‬الحميمية‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬منذ‭ ‬بدايات‭ ‬طفرة‭ ‬الثراء‭ ‬النفطي،‭ ‬هذه‭ ‬الطفرة‭ ‬التي‭ ‬نتوقع‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬تراجعها‭ ‬اليوم‭ ‬بفعل‭ ‬طفرة‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬وارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬السلع،‭ ‬واجتياح‭ ‬التضخم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬كافة‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬فترة‭ ‬كورونا،‭ ‬ثم‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭. ‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تمر‭ ‬أزمات‭ ‬الركود‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تأثير‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬مجتمعات‭ ‬الرفاه‭ ‬المالي،‭ ‬بدءًا‭ ‬بالتغيير‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬الاستهلاكي،‭ ‬ونمط‭ ‬المعيشة؛‭ ‬ولربما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستبشر‭ ‬خيرًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬عودة‭ ‬العقلانية‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬إلى‭ ‬وعي‭ ‬الأجيال‭ ‬التي‭ ‬تعيشها،‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تعيش‭ ‬رفاه‭ ‬الوفرة‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬آباؤهم‭.‬

أما‭ ‬الحدث‭ ‬الثاني‭ ‬فقد‭ ‬فاجأنا‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬صيف‭ ‬2023،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬نشرته‭ ‬الصحف‭ ‬في‭ ‬خبر‭ ‬بسيط‭ ‬ولكنه‭ ‬مهم‭ ‬ومميز‭ ‬أيضًا،‭ ‬هو‭ ‬إعلان‭ ‬أولياء‭ ‬أمور‭ ‬طلبة‭ ‬مدرسة‭ ‬ابتدائية‭ ‬خاصة‭ ‬‮«‬رفضهم‭ ‬قرار‭ ‬المدرسة‭ ‬بتغيير‭ ‬لغة‭ ‬الدراسة‭ ‬لمادة‭ ‬الإسلاميات‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‮»‬،‭ ‬مستنكرين‭ ‬عبر‭ ‬رسالة‭ ‬نشرت‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬‮«‬إن‭ ‬المدرسة‭ ‬قامت‭ ‬بإرسال‭ ‬رسائل‭ ‬إلكترونية‭ ‬لأولياء‭ ‬الأمور‭ ‬مفادها‭ ‬أنه‭ ‬سيتم‭ ‬تغيير‭ ‬لغة‭ ‬الدراسة‭ ‬لمادة‭ ‬الإسلاميات‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬المطالبة‭ ‬باستخدام‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ (‬الأم‭) ‬في‭ ‬تعليم‭ ‬عقيدتهم‭ ‬والدين‭ ‬الحنيف،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬أن‭ ‬المدرسة‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬مسلم،‭ ‬لغته‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬العربية‭.‬

خبران‭ ‬يبشران‭ ‬بعودة‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭... ‬الوعي‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تمييز‭ ‬مخاطر‭ ‬الإفراط‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والأسرية؛‭ ‬والوعي‭ ‬بالعلاقة‭ ‬بين‭ ‬اللغة‭ ‬وهوية‭ ‬الإنسان‭ ‬وعقيدته‭ ‬وثقافته‭ ‬وقِيَمه،‭ ‬كأهم‭ ‬عناصر‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الوطن،‭ ‬وإن‭ ‬اجتثاثهما‭ ‬يدفع‭ ‬بالأجيال‭ ‬إلى‭ ‬انتماءات‭ ‬وثقافات‭ ‬خطرة‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬الوطن‭ ‬وأمنه‭ ‬وتطوره‭.‬

فيا‭ ‬ترى‭ ‬هل‭ ‬ستلقى‭ ‬دعوة‭ ‬السيدات‭ ‬الكويتيات‭ ‬قبولا‭ ‬واهتماماً‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬والإعلاميين،‭ ‬والمنابر‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والدينية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬العربية‭ ‬والخليجية؟‭ ‬أم‭ ‬ستمر‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬دون‭ ‬صدى‭ ‬أو‭ ‬مبالاة‭ ‬لتستمر‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬في‭ ‬النزيف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والقيَمِي‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬منذ‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬تقريباً‭.‬

نحن‭ ‬نسأل‭ ‬لأننا‭ ‬نعلم‭ ‬جيداً‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬توجها‭ ‬فكريا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬ليبراليا‭ ‬يرفض‭ ‬ترشيد‭ ‬الاستهلاك‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬لأنه‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مصادر‭ ‬زيادة‭ ‬ثروات‭ ‬أصحاب‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال؛‭ ‬وهذا‭ ‬التوجه‭ ‬يقف‭ ‬وراء‭ ‬عدم‭ ‬المبالاة‭ ‬بهذا‭ ‬الخبر‭ ‬وأمثاله‭. ‬

ويا‭ ‬ترى‭ ‬هل‭ ‬حصل‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المدرسة‭ ‬على‭ ‬مطلبهم‭ ‬في‭ ‬تدريس‭ ‬مادة‭ ‬الإسلاميات‭ ‬لأبنائهم‭ ‬بلغتهم‭ ‬الأم،‭ ‬العربية؟‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تذكره‭ ‬الصحف‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬الخبر‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتناوله‭ ‬بالبحث‭ ‬والمتابعة‭ ‬والدعم‭.‬

ونسأل‭ ‬هذا‭ ‬أيضاً‭ ‬لأننا‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فئات‭ ‬فاعلة‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬لا‭ ‬تضع‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بالهوية‭ ‬والانتماء‭ ‬الوطني،‭ ‬وهذا‭ ‬أيضاً‭ ‬توجه‭ ‬يقف‭ ‬وراء‭ ‬عدم‭ ‬المبالاة‭ ‬بهذا‭ ‬الخبر‭ ‬وأمثاله‭.‬

لهذا‭ ‬وذاك،‭ ‬لم‭ ‬يحظ‭ ‬الخبران‭ ‬بأي‭ ‬تفاعل‭ ‬إعلامي‭ ‬خليجي،‭ ‬رغم‭ ‬أهميتهما‭ ‬الوطنية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬المهددة‭ ‬بهويتها،‭ ‬داخلياً‭ ‬وخارجياً‭.‬

وأخيراً،‭ ‬وبعد‭ ‬ما‭ ‬فرشناه‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬الخبرين،‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نوجه‭ ‬عتبنا‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬لامبالاة‭ ‬الإعلام‭ ‬بهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأخبار،‭ ‬وما‭ ‬لهذا‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬مؤشرات‭ ‬على‭ ‬إعلام‭ ‬قاصر‭ ‬ثقافياً‭ ‬وفكرياً‭... ‬ومؤشرات‭ ‬باتجاه‭ ‬استلاب‭ ‬الوعي،‭ ‬وليس‭ ‬عودة‭ ‬الوعي‭.‬

سنتوقف‭ ‬هنا،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬عتبنا‭ ‬هذا‭ ‬ناقوس‭ ‬خطر‭ ‬يرن‭ ‬في‭ ‬الأسماع‭ ‬والأذهان‭... ‬والمستقبل‭ ‬أمامنا‭.‬

وسيبقى‭ ‬للحديث‭ ‬بقية‭..‬

 

مي‭ ‬زيادة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا