كم منكم يتذكر هذه الجملة: (اللي درسناه شي والشغل على أرض الواقع شي ثاني مختلف تماماً)؟؟، لن أبالغ وأقول كلّنا كررنا هذه الجملة ولكن أغلبنا فَعل، فالمناهج الدراسية غالباً ما تكون بعيدة عن التطبيق العملي لأنها نظرية في مجملها، كما أن أكثرها وضع ليرفدنا بالمعرفة العامة التي تؤسسنا بشكل عام دون التطرق للتفاصيل التي تقتضيها الممارسة الحقيقية للمهنة أو الوظيفة، لذا فإن خبراتنا ومعارفنا الحقيقية ومهاراتنا نكتسبها من ممارسة المهنة أو العمل المرتبط بالوظيفة.
ولأن الحصول على الوظيفة يعتبر هو الطموح الأول لدى الشباب عند بلوغهم السن القانوني للعمل، حيث للوظيفة أبعاد شخصية ومجتمعية ووطنية ايضاً، فهي تحقق للإنسان بشكل شخصي الأمن المعيشي والاستقلال الاقتصادي والاستقرار النفسي والاجتماعي، فيما تُحقق للمجتمع النهضة والنماء والتقدم والازدهار، كما أنها تعتبر أحد صور المواطنة الصالحة، فالعمل واجب تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام وفقا لدستور مملكة البحرين المعدل 2002.
ولن أغفل هنا ضرورة التطرق إلى أهمية أن يُبنى التوظيف على أسس من الكفاءة وتكافؤ الفرص والموضوعية الموجهة للوصول إلى جودة العمل والاتقان والتميز سواء في الوظائف العامة المرتبطة منها أو غير المرتبطة بالمرافق العامة غير الربحية والتي بدورها ذات صلة مباشرة بالخدمات وثيقة الصلة بحقوق الانسان واحتياجاته الأساسية، أو في الوظائف الخاصة، تلك التي تقدمها المؤسسات الخاصة سعياً إلى تحقيق الربح.
فالموضوعية وحُسن الاختيار بناء على الكفاءة بعيداً عن الاهواء والنزعات الشخصية هو الوسيلة الناجحة للوصول الحقيقي إلى الإنجاز والتميز في جودة السلعة التي تقدمها هذه الجهات جميعاّ، حيث يُعيّن الشخص المناسب في المكان المناسب وتكون النتيجة اتقاناً ونجاحاً مُحققاً.
ولعل سبب طرحي لهذا الموضوع ليس هو مشكلة البطالة التي نأمل أن تجد حلاً قريباً، ولكن وقوفي عن أحد القرارات الهامة المتعلقة بشغل الوظائف العامة، هو القرار الهام الذي اعتمده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إبّان فترة رئاسته في عام 2020 والمتعلق بالتعيين في الوظائف العامة، حيث استبدل فيه التوظيف في الوظائف الفيدرالية بناء على المهارات بالتوظيف بناء على الشهادات الجامعية، والذي أعطى للمهارات أهمية تفوق أهمية الشهادات الجامعية، مع تشجيع القطاع الخاص على تبنّي هذه الاستراتيجية بشكل تدريجي، بحيث تكون المهارة الناتجة عن التعلم الذاتي والتعليم المهني والخبرة العملية هي الأساس في قبول الموظف لشغل الوظيفة وتكون المهارة هي الخيار الأمثل للتعيين، ولا يعني ذلك أبداً التقليل من أهمية وجود الشهادة الجامعية.
والقرار يعتبر عصريا ومهما، جاء ليوازن بين تحقيق الجودة والاستفادة من خلاصة التعليم الحقيقية، وأتفق معه في ذلك، بسبب ما تعانيه المرحلة من استخفاف بأهمية التعليم والقيمة الحقيقية للشهادات، في ظل تنامي أعداد الحوانيت التي يسهل الحصول منها على الشهادات الجامعية والعليا أيضاً، ومرورنا في مرحلة ضعُفت فيها المناهج الدراسية فأصبحت لا تُغطي المهارات الأساسية المرجوة من التعليم والحصول على الشهادة الأكاديمية بعد أن أكل الدهر وشرب على الأساليب التعليمية والتقييمية للطلبة، وأصبح اكتساب الخبرة والمهارة رهناً بحصول الشخص وظيفة تتراكم من خلال عمله فيها خبراته ويكتسب مهاراته إن كان موظفاً مجتهداً، أما من هم غير ذلك فيكونون مجرد عالة على الوظيفة تستنزف المال العام دون طائل، وهنا تكمن أهميته في الوظائف العامة التي ترتبط بشكل مباشر بالموازنة العامة للدولة وبالخدمات التي تقدم للمواطنين وترتبط بحقوقهم وحرياتهم الأساسية، كما تقدم للمقيمين على قدم سواء.
وإن المرحلة المعاصرة وطبيعة بعض الوظائف الحديثة التي استجدت مرتبطة بشكل أساسي بالمهارات والمعرفة وليست بالشهادات كمخرجات تقليدية للتعليم وهو أسلوب انتهجته الكثير من الشركات والمؤسسات العالمية الكبرى وهي تقتضي تجاوز الأساليب التقليدية في التعيين في الوظائف.
وعليه فالمقترح المتعلق بشاغلي الوظائف العامة أن يتم قياس مهارات طالب التوظيف جنباً إلى جنب مع شهادته الجامعية من خلال اختبارات يخوضها وتبرز مهاراته، أما فيما يتعلق بالموظفين الفعليين الذين يشغلون الوظائف العامة فيتوجب اخضاعهم بشكل دوري إلى امتحانات يتم تقييم تطور المهارات التي اكتسبوها واستشفاف جهودهم في تطويرها، ومعرفة أين كانت وأين أصبحت!
فالمهارات مهمة للعمل ولكن السؤال الذي سيبقى عالقا هو: ماذا يعمل الشخص الذي لم يُوفّق في الحصول على وظيفة؟؟ إذ لا خبرة ولا مهارة ولا مستوى معيشي ملائم يكفل له الحصول على التدريب المهني الذي يُكسبه المهارات اللازمة للعمل، فماذا يعمل؟؟
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك