وفقا لآخر التحديثات، فقد تراجع معدل التضخم في الولايات المتحدة على أساس سنوي إلى 3% في يونيو الماضي ليأتي أقل من متوسط التوقعات الذي كان عند 3.1%. وبذلك يكون التضخم قد سجل أدنى قراءة منذ مارس 2021. كما تراجع التضخم الأساسي الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة إلى 4.8% في يونيو على أساس سنوي بعد أن سجل 5.3% في مايو، ليأتي أيضا أقل من التوقعات.
لقد دفعت هذه التصريحات بعض المحللين إلى القول إن البنوك المركزية، وخاصة الاتحاد الفيدرالي، سوف تعود إلى خفض سعر الفائدة قريبا مع تراجع مخاوف الأسواق من التضخم.
ولا شك أن رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة لكبح التضخم لا يزال يلقي بظلاله على الأنشطة الاقتصادية، إذ إنه يرفع كلفة الاقتراض وتضرر الأنشطة بالتالي. ونتيجة لذلك تظل الخسائر في الإنتاج مقارنة بتوقعات ما قبل جائحة كورونا كبيرة، وخاصة في الدول الأفقر بالعالم.
كما أنه يسهم في تراجع نمو التجارة العالمية، حيث انخفض معدل النمو من 5.2% في 2022 إلى 2% في 2023. ويعكس هذا الانخفاض مسار الطلب العالمي، وكذلك التحولات في الطلب نحو الخدمات المحلية، وتأثيرات ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي -وهو ما يؤدي إلى إبطاء حركة التجارة– وتنامي الحواجز التجارية.
وتظل الأولوية لأغلب الاقتصادات هي تحقيق خفض مستدام في التضخم مع ضمان الاستقرار المالي. ولأجل هذا الهدف ينبغي على البنوك المركزية مواصلة التركيز على استعادة استقرار الأسعار وتعزيز آليات الرقابة المالية ومراقبة المخاطر.
وسوف تتوقف مدة النوبة التضخمية الحالية على عاملين: أولا، التفاعل بين استمرار ضيق الأوضاع في أسواق الأعمال واختناقات سلاسل الإمداد واستجابة البنوك المركزية، وثانيا، مدة الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على أسعار الطاقة والغذاء والنمو العالمي. وبحسب التجارب التاريخية السابقة، لن تستمر هذه الطفرة التضخمية الخارجة عن السيطرة أكثر من عامين.
إن القرار الروسي بإنهاء العمل باتفاقية الحبوب في ظل استمرار حرب أوكرانيا سيؤدي إلى أزمة غذاء عالمية حادة بسبب اضطرابات الإمدادات المعقدة وزيادة أسعار المدخلات الزراعية. كما أن دول الشرق الأوسط ستتأثر بشكل مباشر بهذا القرار بسبب اعتمادها الكبير على الواردات الغذائية، وتحديدا الحبوب على رأسها القمح، من روسيا وأوكرانيا. علاوة على ذلك، تأتي أزمة الغذاء هذه في وقت لا تزال فيه العديد من الدول تعاني من الآثار المركبة لـ«كوفيد-19» وما نتج عنها من صعوبات سياسية واقتصادية.
على الصعيد العالمي، يتعرض الأمن الغذائي لتهديد يتجاوز مجرد الأزمة المباشرة. وقد يؤدي تزايد أعباء الدين العام، وانخفاض قيمة العملة، وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة أسعار الفائدة، وتزايد مخاطر الركود العالمي إلى تفاقم إمكانية الحصول على الغذاء وتوافره، ولا سيما للبلدان المستوردة.
وفي الوقت نفسه، فإن قطاع الأغذية الزراعية معرض للخطر، كما يعد من العوامل المساهمة في تغير المناخ حيث يسهم بثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم. ولا يتقدم نمو الإنتاجية الزراعية أو يسبق آثار تغير المناخ، ما يسهم في زيادة الصدمات المرتبطة بالغذاء. فعلى سبيل المثال، أدى الجفاف غير المسبوق متعدد المواسم إلى تفاقم مشكلة انعدام الأمن الغذائي في القرن الإفريقي، الأمر الذي دفع الصومال إلى حافة المجاعة.
لهذه الأسباب جميعها نحن لا نتوقع عودة قريبة لخفض سعر الفائدة هذا العام، موجهين دعوتنا للأقطار الخليجية والعربية بأن تبقى على حذرها في التعامل مع الأسواق العالمية، وتأمين سلاسل إمداد الغداء والتحوط من تداعيات ارتفاع أسعار الفائدة على اقتصاداتها.
رئيس جمعية مصارف البحرين
رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك