يمكن الإشارة إلى مملكة البحرين على أنها من بين الدول القليلة في العالم التي حافظ على معدلات تضخم مقبولة عند قرابة 3% نتيجة لعدد من العوامل في مقدمتها ربط سعر صرف الدينار البحريني بالدولار الأمريكي القوي وحماه من فقدان أجزاء كبيرة من قيمته كما حدث مع كثير من عملات الدول ذات الأسواق الناشئة، إضافة إلى أسعار الفائدة المرتفعة وعدم ضخ الكثير من السيولة في السوق.
في هذه الأثناء يمكن كتابة العديد من الكتب حول توازن الاحتياجات التضخمية للبنك الفيدرالي في عالم ما بعد كوفيد، والذي أصبح أكثر تعقيدًا بسبب الحرب المستمرة وأزمة الطاقة المرتبطة بها، إلا أن الذعر جعل الأمور تسوء أكثر ـ كما يظهر ذلك بوضوح في حالات الهروب الأخيرة من البنوك في جميع أنحاء العالم.
ويؤدي هذا إلى السؤال الطبيعي ماذا يحدث بعد ذلك بالنسبة للتضخم العالمي؟ وكيف يؤثر هذا الأمر على سوق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
قال خبراء الصناعة مؤخرا لصندوق النقد الدولي إن التنوع الإقليمي يجعل تنفيذ السياسة النقدية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يشكل تحديا كبيرا، فمنذ عام 2020 كانت منطقة الشرق الأوسط تواجه تضخمًا نتيجة لارتفاع أسعار الغذاء وتراجع العملات، ولكن من المتوقع أن يتباطأ هذا التضخم في الأجل القصير تمشياً مع توقعات صندوق النقد الدولي. من المتوقع أن يستقر التضخم العالمي عند 6.6% في عام 2023 بعد أن بلغ 8.8% في العام الماضي وأن ينخفض بشكل أكبر إلى 4.3% في العام المقبل.
وقد تعزز أداء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بفضل اثنين من أكبر اقتصاداتها، وهما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وقد أظهر كلاهما مرونة وسط التحديات العالمية بسبب المكاسب النفطية غير المتوقعة والإصلاحات الاقتصادية المستمرة. وتتوقع الحكومة السعودية أن ينمو الاقتصاد بنسبة 3.1% في عام 2023، بينما يتوقع البنك المركزي الإماراتي أن ينمو الاقتصاد بنسبة 4.3% في عام 2024.
سيكون للتضخم الإقليمي أيضا تأثير على استمرار النمو المعتدل للدولار الأمريكي، ومن وجهة نظرنا لا يزال الدولار أحد العوامل الهامة التي تؤثر على تدفقات رأس المال إلى أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبالتالي فإن التراجع المتواضع للدولار الأمريكي ينبغي أن يكون داعما لمزيد من تدفقات رأس المال إلى المنطقة.
وفي المستقبل القريب يبدو أن التضخم العالمي أيضا من المرجح ان يتراجع، ويدعم ذلك تخفيف عراقيل الإمداد وانخفاض أسعار السلع الأساسية. ومع ذلك يمكن القول إن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة إلى المستثمرين العالميين هو التوقعات طويلة الأجل للتضخم وما إذا كنا سنعود إلى «الوضع الطبيعي القديم» لـ«انخفاض التضخم»؟ أم أن مكافحة التضخم ستكون الشاغل الرئيسي للبنك الاحتياطي الفيدرالي؟ نعتقد أن العودة إلى بيئة «انخفاض التضخم» القديمة هي النتيجة الأقل احتمالا. هناك ثلاثة عوامل رئيسية تقود هذا الرأي.
كان أحد الدوافع الرئيسية لـ«انخفاض التضخم» هو تسارع العولمة بعد بدء العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين في سبعينيات القرن العشرين، وانهيار جدار برلين في عام 1989 وانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001. أطلقت هذه الأحداث الثلاثة العنان لموجة هائلة من الضغوط الانكماشية حيث ركزت الشركات على إعادة توجيه الاستثمار بهدف زيادة كفاءة التكلفة. وخير دليل على هذا الاتجاه هو ارتفاع كثافة التجارة في النشاط الاقتصادي العالمي (انظر الرسم البياني أدناه).
مع ذلك، هناك علامات تشير إلى أن «أرباح السلام» هذه تبدأ في التلاشي مع انخفاض كثافة التجارة في الناتج المحلي الإجمالي. وفي الوقت نفسه هناك أدلة غير رسمية متزايدة تشير إلى أن التجارة الحالية تأخذ في الاعتبار المخاطر الجيوسياسية. وهذا يؤدي إلى تكثيف العلاقات، وعلى الرغم من أن هذا من المفترض أنه نتيجة اقتصادية أفضل من الاستدامة المحلية، إلا أن الفوائد من المرجح أن تكون أقل بكثير من عالم أكثر عولمة.
العامل الثاني الذي من المرجح أن يدفع التضخم إلى الأعلى هو التحول إلى الحياد الكربوني، في حين أن التكلفة المتزايدة لمصادر الطاقة الأكثر اخضرارا سوف تتضاءل بمرور الوقت فمن غير المرجح أن تختفي. وفي الوقت نفسه، فإن حجم الاستثمار في البنية التحتية المطلوب لتحقيق أهداف صفر انبعاثات كربونية يبدو ضخما، ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى فرض ضغوط تصاعدية على أسعار جميع أنواع المواد الخام والمدخلات.
المحرك النهائي المحتمل لارتفاع التضخم هو نسبة التركيبة السكانية للمتقدمين في العمر في العالم، حيث يؤدي التحضر وانتشار الإنترنت وزيادة الوصول إلى التعليم إلى انخفاض معدلات الخصوبة في جميع أنحاء العالم. وهذا من شأنه أن يقلل من حجم القوى العاملة العالمية ومن المرجح أن يعطي العمال قوة تفاوضية متزايدة، على عكس الاتجاه التنازلي على مدى السنوات الثلاثين الماضية، وإذا حدث هذا السيناريو، فمن المرجح أن يؤدي ارتفاع الأجور إلى ضغوط تصاعدية على التضخم. لذلك في حين أن التوقعات لعام 2023 وربما في أوائل عام 2024 هي تراجع التضخم بما يتناسب مع أهداف البنك المركزي إلا أننا نعتقد أن العقد المقبل وما بعده من المرجح أن يتسم بمخاطر صعودية على التضخم. كانت الغالبية العظمى من حياتي المهنية في بيئة حيث كانت البنوك المركزية تركز على تجنب دوامة الديون والانكماش، ولكن من الآن فصاعدا من المرجح أن يعود إلى بيئة يكون فيها أكثر يقظة للمخاطر الصعودية للتضخم وأقل استعدادا لإنقاذ السوق في كل مرة تكون فيها هناك بيئة تتصاعد بها المخاطر.
الرئيس التنفيذي للاستثمار في وحدة إدارة الثروات في بنك ستاندرد تشارترد
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك