عالم يتغير
فوزية رشيد
السياسة الدولية الراهنة والزئبقية!
{ العالم وهو يدخل مرحلة جديدة من التحولاّت والتغيرّات في ظل تزايد أعداد الدول المتمردّة على بقاء (النظام الدولي) تحت هيمنة الغرب كما هو! فإن ظاهرة التمرّد والثورات الشعبية ضد الاستعمار القديم، قد انتقلت إلى حكومات الدول، وقد جفّ حبر الشعوب من كتابة تفاصيل ثوراتها، مثلما انتقل الصوت من تظاهرات الشارع إلى احتجاجات (السوشيال ميديا) لتدخل الدول في مناهضة ذات الاستعمار القديم بثوبه الجديد وكأنها تقود بنفسها ثورات شعوبها السابقة ضد الغرب!
{ حكومات إفريقية وآخرها ما حدث في «النيجر» تنبئ بأن دولاً بدأت تأخذ خط الالتفاف حول بعضها، لإنهاء ظاهرة الاستغلال (الفرنسي والغربي الذي يستخدم كل أوراقه، لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه! ليس في إفريقيا وحدها، وإنما في مناطق أخرى من العالم منها المنطقة العربية، التي أظهرت في السنوات الأخيرة رؤية مختلفة لتحالفاتها مع الدول والقوى، بما يصبّ في مصالحها، وليس في مصالح الغرب كما كان في السابق!
{ التهديد الغربي من خلال تحريك (إيكواس) الذي يضمّ حكومات إفريقية موالية للغرب رغم غضب الشعوب الإفريقية كافة، وتطلعها إلى التحرّر من القبضة الفرنسية والغربية عمومًا، كان يتمّ تهيئتها للقيام بعمل عسكري في (النيجر)! ولكنها تواجه ضغوطًا خارجية أو إقليمية للتهدئة وتخفيف نبرة العنف والتهديد، وخاصة أن رئيس النيجر المخلوع «محمد بازوم» لا يزال قيد الرهن وورقة ضغط للمساومة، وحيث إن الانقلاب عليه، ووفق إحصائية أخيرة، فإن معظم «شعب النيجر» مع الانقلاب! فلماذا لا يحترم الغرب إرادة الشعب في «النيجر» ويصرّ على إعادة الرئيس المخلوع، ألأنه دمية للغرب ولتحقيق مصالحه ضدّ مصالح شعبه؟! الغرب هنا لا يواجه «النيجر» وحدها بل (غامبيا وبوركينا فاسو ومالي) الذين أعلنوا الانحياز مع «النيجر»، ضدّ «الايكواس»، و«نيجيريا»! بل إن روسيا موجودة بثقل في «النيجر» من خلال قوات «فاغنر» إلى جانب دول إقليمية أخرى وإفريقية، تعمل على خلع «العباءة الغربية»، وقد أعلنت «الجزائر» كدولة إفريقية مؤخرًا ذلك بوضوح، وهي تعلن نيتها الدخول في «بريكس» مع الصين! وهذا وغيره من مؤشرات التمرّد والاستقطاب ضد العنجهية الغربية في العالم يجعل أي مواجهة تبدو وكأنها ستتخذّ إطار «الحرب بالوكالة» بين الغرب والشرق، كما أكدّ خبير الشؤون الإفريقية اللواء المصري (محمد عبدالواحد)! ونوّه إلى أن أمريكا قد تتخلىّ عن حليفتها فرنسا في شأن التصعيد العسكري في الوقت الراهن، حفاظًا على مصالحها في «النيجر»، ولديها هناك 1000 جندي وقاعدتين جويتين وطائرات بدون طيار! فإن خسرت فذلك يعني ترك الفراغ -كما ترى- في النيجر، لتملأه روسيا أو الصين!
{ السياسة الدولية الراهنة تأخذ تحورات الزئبق وتشكيلاته، (بحيث لا يمكن المسك بأي ملامح ثابتة لسياسة الدول، والمحيط الدولي يعيد تشكيل نفسه وقواه المؤثرة)! يحدث ذلك في إفريقيا وفي آسيا وفي أوراسيا وفي أمريكا اللاتينية، فالجميع يبحث عن مصالحه، في بحر التشكّل الجديد، ولا أحد كما يبدو، أصبح يعبأ بالإملاءات والضغوط الغربية، التي بدورها تمارس في المرحلة الراهنة سياساتها «الزئبقية» بشكل كامل للحفاظ على استفرادها واستغلالها للدول، وهي ترى أن الأرض تميد من تحت أقدامها!
{ في هذه المرحلة فإن المنطقة العربية بدورها والخليج العربي والسعودية تحديدًا، تدخل معترك التحديات وتشكلّ الأقطاب الجديدة، وترى أنها، أي منطقة الخليج والمنطقة العربية، عامل مهم في تحولات العالم! وبحثه عن السلام والاستقرار والتنمية وترسيخ تلك العناوين، مع قوى تسعى بدورها لذلك، من خلال منظمات دولية جديدة، تسهم في ترسيخ (التكامل الدولي) وليس إخضاعه لهيمنة «نظام عالمي يديره الغرب كما فعل خلال عدة قرون ماضية!
ولهذا، فإن التمهيد للانتقال من ضفة الخضوع للنظام الدولي السابق إلى ضفة الاستقلالية، يدفع اليوم كل دول العالم «المتضررة» من الهيمنة الغربية، وليس المنطقة العربية وحدها، إلى مراجعة كل أوراقها وسياساتها وتحالفاتها، وفقًا لمصالحها وللمصلحة العالمية، التي بدورها تضررّت كثيرًا من (سياسات الغرب الأحادية والاستغلالية) وبها أخضعت العديد بل غالبية المنظمات الدولية والأممية لمصالحها الغربية! والضغط على الدول لتحقيق ذلك! على حساب شعوبها وثرواتها وسيادتها واستقلالها!
لا عجب في مثل هذه المرحلة أن الجميع واقع بشكل أو بآخر بدرجة أو أخرى! في اتباع ملمح «الزئبق» في سياساته، بل حتى في مواقفه، حتى يستقر السطح العالمي، فتصبح السياسات أكثر ثباتا ووضوحا واستقرارًا وبعيدًا عن مخاض التحولات الجديدة!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك