عالم يتغير
فوزية رشيد
كيف تخترق الأفكار المنحرفة المجتمعات؟!
{ جميعاً ندرك دور الإعلام وتأثيره، خاصة في المرحلة الراهنة التي أصبح فيها الإعلام والإعلان فضاءً مفتوحاً، لا قابلية لأي مجتمع أن يصدّ تأثيراتها، لأنها تداخلت مع كل ما نقوم به من أعمال وأنشطة والبحث عن المعلومات! هذا الفضاء الواسع الذي من خلاله أصبحت الدول المنتجة لتكنولوجيا التواصل والمعلوماتية، هي الأكثر قدرة على إدارته بما تشاء، من ضخ كل ما تريد، سواء معلومات أو أفكار أو سلوكيات أو قيم جعلت «الاستقطاب الفكري» في المجتمعات الأخرى، مجرد حالة من حالات التأثير والاختراق بما تشاء وكيفما تشاء، وبسهولة أكبر من كل العصور السابقة!
{ في هذا العالم المفتوح والمتصل ببعضه، لحظة بلحظة، أصبح إذًا «الإعلام المفتوح» أقوى من الدول! هدفه ليس فقط الاستقطاب أو الاختراق، وإنما تغيير المجتمعات بمنظوماتها المتداخلة والمتماسكة من حيث القيم والدين والهوية، لتصبح كلها مع قوة «الغزو الإعلامي»، في حالة سيولة فكرية أو مفاهيمية! أو في حالة «طينية»، يسهل بعد ذلك إعادة تشكيلها وملء الفراغات فيها!
هذا الإعلام العالمي الذي لم ينتخبه أحد، ولا يستطيع أحد محاسبته! تحوّل إلى «وحش حرّ»، يمارس تأثيراته بكل حرية ومن دون عقاب على كل المجتمعات في العالم، لتتحول كل وسائل التواصل الإلكترونية ومواقعها وتطبيقاتها إلى «ساحة مفتوحة» تماماً ولا توجد مرجعية من أي نوع تحكمها!
{ لنأخذ مثالاً: الأفكار المنحرفة والشاذة، لكي تشقّ طريقها «العالمي»، فإنها تكون قد بدأت بخطوات أولى قبل أعوام طويلة، وبقيت تتراكم، لتمتلئ منظومة «الإعلام الافتراضي» بها! يتبعها تصوير وفيديو لفئات قليلة منحرفة، تنشر مناخاتها المنحرفة والشيطانية تلك على «الميديا» فيقلّد هذه الفئة مئات من كل مجتمع، ثم تتزايد مع السنوات وتتضخم وتصل إلى حدّ التشبّع، فتنفجر في المجتمعات دفعة واحدة كطوفان يكتسح عقول الشباب! يحدث ذلك في وسائل التواصل الإلكترونية، وفي المجال الفني من أغانٍ لمشاهير «منحرفين» ثم في الأفلام ثم في الحفلات ثم خلف الأبواب الموصدة والمفتوحة بشكل متصاعد لنظام التفاهة! ثم يتحوّل الأمر إلى «انقسام مجتمعي» بين متساهل ومحذّر، وبين رافض ومشجّع! وبعد هذا التضخّم الذي تم فيه توظيف «الإعلام المفتوح» (توظيفاً اختراقيًّا) تتقزّم كل القضايا المجتمعية، وتصبح ظاهرة الأفكار المنحرفة وحدها سيدّة الساحة! فالكل يتحاور فيها، والكل يطرح أسبابه لرفضها أو يبرر لقبولها، حتى تتحول الظاهرة إلى أمر واقع، تزداد وطأته مع التركيز الإعلامي عليها، وتزايد عدد المنجرفين خلفها! وتزداد أعداد الداخلين في «بوابة الانحراف» عبر التأثيرات المتواصلة، ولكأن لا شيء يشغل العالم والإنسان والفكر، إلا تلك الظاهرة، التي تقودها (أفكار المنحرفين في الغرب)! وقد وصلوا إلى (مبدأ وفلسفة المتعة الغرائزية) التي تعلو على كل شيء، مهما كانت منحرفة أو شاذة أو غير منطقية! أو تخلّ بتكوين المجتمعات السليمة، أو تتسبّب في قضايا أخلاقية شائنة، لم تكن معروفة سابقاً! وبهذا الطغيان الذي تم الإعداد له مسبقاً، بما سُمي «بالثورة الجنسية» في الغرب! ثم بثورة ما بعد الحداثة، التي تجعل الاستهلاك والتسليع واستباحة الجسد هو المؤشر على الرفاهية والتقدم! ويتم تسليع الإنسان نفسه، ولكل شيء ثمنه! ليصبح الاختراق هو الأمر الطاغي، وتتراجع المفاهيم الدينية والمنطقية والأخلاقية إلى الوراء!
{ والمثال الجاهز لما يحدث هو فيلم «باربي» الذي أثار ضجة كبيرة، حتى داخل الدول الغربية، ومع ذلك قبل العديد من الدول الإسلامية والعربية عرض هذا الفيلم، الذي يُعدّ أحد أهم تجليات «الاختراق الفني» وبشكل ناعم هذه المرة في قائمة الأفلام المماثلة! ولكن لأنه بتحويل «دمية» محبوبة لدى كل أطفال العالم، إلى «إنسان» يحمل في نموذجه رسائل كثيرة، بدءًا من التصوير ورسم الشخصيات والديكور، فإن الأفكار المنحرفة فيه كفيلم ناعم تغزو العقل الباطن للطفل، حتى أصبح له مشجعون يرون أن «الأمر عادي»!
بعد شهور أو سنوات، ورغم البث المتواصل للأفكار المنحرفة والشاذة على «النيتفلكس» وقد كتبنا عنها في مقال سابق، ستصبح مثل هذه الأفلام عادية وعرضها عادي، لأن الاختراق قد تكرّس كأمر واقع! أمام الأطفال أو الناشئة أو الشباب، فهم مع مجتمعاتهم يسبحون في بحر عميق من الأفكار المختلطة، وأمواج الانحراف قد بدأت تتشكل لـ(تسونامي) قادم!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك