عالم يتغير
فوزية رشيد
مسارات التزييف العميق للحياة!
{ تخيّل نفسك تعيش في مكان ما، اعتدت أن يكون كل شيء فيه في النهاية منطقياً رغم ملازمة المشاكل والصراعات البشرية المعتادة للناس، ولكنك فجأة في يوم ما تصحو، وقد انقلب كل شيء حولك! لم تعد الأمكنة كما اعتدتها! ولم يعد البشر كما كانوا! ولم تعد الطبيعة تسير في مجراها الطبيعي، فقد انقلبت الفصول، ولم تعد تعرف إن كان الفصل صيفاً أم شتاءً! والأغذية لم تعد كما كانت ليقال لك إنها مصنوعات من اللحوم والدواجن بخليط أنزيمات وكيماويات عبر البُعد الثلاثي! الأطفال يتم اختطافهم في طرقات المدن لأغراض غريبة! منها تجارة الأعضاء، ومنها تقديمهم قرابين في طقوس شيطانية! ومنها أخذ مواد من مكان في رقابهم وهم في حالة فزع شديد! لاستخراج مادة يستهلكها ساسة كبار ونجوم كبار وشيطانيون!
{ فجأة ينقلب المنطق مع انقلاب طبائع الأشياء! لم يعد الذكر ذكراً، ولا الأنثى أنثى! والطفل يغيرّ نوعه باختياره من دون سلطة من الأبوين عليه! فيما الرجال يتزاوجون بالقانون، والنساء تتزاوجن مثلهم! والمتحولون يملأون الشاشات والأماكن، والدعاية تضخ دعمها المتواصل لهم، ورئيس دولة كبرى يقف على المنصة متباهيا: «نحن أمة الشواذ»! لا منطق في أي شيء! إنما مسارات (لتزييف عميق للحياة والبشر) تجري بسرعة بعد أن كانت تخطو خطوة خطوة!
{ الفنون تنقلب، والثقافة لا يوضع لها اعتبار دولي إلا إذا جارت انقلاب المفاهيم والمصطلحات والأحوال! والذين صنعوا الذكاء الاصطناعي يحذرون أن هذا الذكاء أخطر من القنبلة النووية وأنه سيقضي على البشر! والناس لا يبالون! بالمقابل ملايين من البشر يعيشون تحت خط الفقر! وتهديدات المجاعة تعمّ كل مكان، والحروب بين الكبار تصل ذروتها النهائية بحرب كبرى تقضي بدورها على البشرية! الزيف والمادية و«العلم الزائف» الذي يتم توظيفه إما لحبك الخدع العلمية وإما لإنتاج الأسلحة البيولوجية، أو لتبرير سلوكيات التزييف في الطبيعة والإنسان!
{ يحدث ذلك وغيره وأنت تعتقد أن العالم حولك تحوّل إلى كابوس، فيما الكرنفالات والاحتفالات وصالات الفكر والثقافة والفنون مستمرة في أنشطتها! والدول تتباهى بإنجازاتها! ليقول لك المشهد الخارجي إن كل شيء على يرام! وإن ما تراه أنت تبالغ في تضخيمه، وإن لا شيء سيحدث، فالناس تأكل وتنام وتخرج إلى أعمالها ووظائفها! ولكنك لماذا ترى أنهم يسيرون ويعايشون الحياة وكأنهم نيام! منجرفون خلف «العوالم الافتراضية» في هواتفهم، التي تحولت إلى أدوات تجسس على أدق خصوصياتهم، وهم غير معنيين! بل يسهمون في انتهاك تلك الخصوصيات بأنفسهم، ويستعرضون بيوتهم وغرفهم وموائدهم لكل الناس، ويتباهون بأسفارهم ورحلاتهم ورقصهم بشكل معلن وطبيعي!
{ ماذا سيحدث بعد كل ذلك؟! هذا أمر لا يهم أحدا! فليحدث ما يحدث، جنون الانجراف والغرائزية والمتع الرخيصة، بل والمقززة تخترق عقول وأجساد البشر، إلى حدّ أن يشعر البعض أنه كلب فيزحف في الشوارع مع بشر كلاب مثله! وآخرون يشعرون أنهم قطط فيعيشون حياة القطط! وآخرون يرون أنفسهم خنازير، فيضعون زرائب وسخة وقذرة، يمارسون فيها متعة الخنازير بالقاذورات وهلمّ جرّا! ولا بأس... كل شيء على ما يرام!
{ يعلنون الأوبئة والفيروسات القاتلة قبل أعوام من حدوثها، ويضعون اللقاحات لتكون جاهزة، ثم فجأة ينتشر الوباء وهناك ما بعده من أوبئة، والكل يسير على نظام محدد للوقاية الموهومة، فيما «الإمراض» يتم علناً، ولا أحد من الدول يحتج، ولا الناس يحتجون، فإن ارتفع صوت حاصره الجميع ونبذوه وقالوا «نظرية المؤامرة»!
{ وفي النهاية كل شيء على ما يُرام! لتُباد البشرية فذلك أمر عادي! ولتنقلب طبيعة الأشياء والمنطق فذلك أمر طبيعي! لتنتهي الفطرة والأسرة والمجتمع فالبديل جاهز: روبوتات وذكاء اصطناعي يحلّ محلّ كل شيء، وسيتحكم في كل شيء! وهو أمر يندرج تحت تطورات العلم والتكنولوجيا، ومتخلف من ينبّه إلى خطورة ما سيصل إليه الأمر! ومتطرّف من يرفض انقلاب المنطق والنوع البشري وطبيعة الحياة! ها أنت تعاين كل ذلك وغيره، وأكثر ما تتمناه أن تعود الحياة خمسين أو ستين عاما إلى الوراء! ليتها تعود، قبل الوصول إلى نقطة النهايات!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك