عالم يتغير
فوزية رشيد
لماذا كل هذا التطرّف ضدّ القرآن؟!
{ منذ عقود وبزيادة في المعدلات منذ أحداث سبتمبر 2001، لبست أمريكا عباءة الشحن السياسي والأيديولوجي والإعلامي والبحثي ضد الإسلام والمسلمين! ليتحول ذلك إلى أسلوب معتاد، وظاهرة غريبة عامة في ظل «الشيطنة» المعتادة للعرب والمسلمين (فنيّا) من خلال أفلام هوليوودية تصورهم بنمطية معينة، أصبحت لاحقاً وكأنها صناعة حكم مسبق وجاهز! تم فيه استغلال تأثيرات هوليوود عالمياً، لإظهار العرب والمسلمين بحسب (المتخيّل الغربي) المشحون بالعنصرية والكراهية! وليتم بعد «أحداث سبتمبر»، المجاهرة بوصم الإسلام بالإرهاب والتطرف والمسلمين بالإرهابيين، وحيث معايير «العلمانية الشاملة» بمراحل تخليها عن القيم الإنسانية، رغم ادعاءات حقوق الإنسان! وبحسب مراكز البحث الأمريكية والغربية التي وجدت في الإسلام (النقيض الحضاري والقيمي) والمضاد لما يتم التحضير له من نقل العالم إلى ضفة (النفعية المادية المطلقة) ومفاهيم الانفلات والانحلال والتحرر المطلق! ونشر (اللاأخلاقيات الجديدة) في عالم يتماهى فيه الحق والباطل، والخير والشرّ، حتى لا تعود هناك حدود فاصلة! و«المرجعية الإسلامية» بقيمها ومبادئها تقف عائقاً ضد تلك النقلة الحضارية كما يصفونها! والتي لا بد أن يتم فرضها على البشرية، حتى يخضع العالم كله تحت سطوة رؤية «النخبة العالمية» وجنونها ومفاهيمها ما بعد الحداثية!
{ القرآن هو أقدس مقدسات العرب وكل المسلمين، وهو الرمز للمنظور الإلهي الكوني والإنساني والمعرفي، والمنهج للفطرة والتمييز بين الخير والشرّ والحق والباطل، ولذلك فهو بالفعل (المضاد الحضاري لفلسفة النفعية المطلقة، والرؤية المادية الشاملة) التي يُراد حصر الوعي الإنساني فيها على المستوى العالمي! ومع التجييش الإعلامي الغربي وازدراء الإسلام والعنصرية القومية والفكرية، ضد «المنهجية الإسلامية» الذي يزداد انتشاراً في الغرب مع كل ما سبق! فإن توجيه الازدراء نحو (القرآن الكريم)، (يحقق في نظرهم خلاصة الحملة ضد الإسلام والمسلمين)، في ظل التأثير المتواصل على وعي الجماعات المتطرفة والأفراد المتطرفين وغالبية شعوب العالم غير الإسلامية، والذين إما أن يكون فعل حرق القرآن نابعاً من «غسل الدماغ» المتواصل لوعيهم! أو يكونوا ذوي ارتباط بأفكار وجماعات يمينية متطرفة، تدفعهم إلى معاداة القرآن وحرقه والاعتداء عليه! وخاصة أن الدول الغربية تحمي فعل هذا الازدراء بادعاء «حماية حرية التعبير!» وهي الحرية التي يتم خلط الأوراق فيها، وممارستها (بانتقائية) واضحة وفقط ضد القرآن والإسلام! في الوقت الذي يؤمن فيه حتى الساسة والقادة الغربيون بأن (معاداة الإسلام) هي لصون حضارتهم الغربية وقيمهم، التي لا يريدون أن يحتفظوا بها لأنفسهم، وإنما يريدون تعميمها على كل الشعوب، رغم ما يشوبها من فوضى أخلاقية وانحدار إلى (اللاقيم واللاإنسان واللافطرة) واختلافها عن الثقافات والمعتقدات الأخرى!
{ هكذا ندرك معاً أن الفعل المتكرر لحرق القرآن في الغرب بدءاً من أمريكا إلى فرنسا إلى هولندا إلى السويد إلى الدانمارك مؤخراً، ستزداد وتيرته لأنه قائم على (خلفية منهجية وعنصرية) في الفلسفة الغربية والمنظومة المعرفية والفكري ضد الإسلام وأقدس مقدساته القرآن الكريم!
وليس عبثاً محاولات (صناعة دين جديد)! أو الضغط لحذف آيات في القرآن! أو اهتمام «البنتاجون» والإعلام الغربي، بدعم وتبني فتاوى من (مفتين تابعين للمنظومة الفكرية الغربية) لخلخلة (الخريطة المعرفية الإسلامية)! وليس غريباً، تشويه الإسلام بالإشراف على صناعة المليشيات المتطرفة باسم الإسلام مثل «داعش» وغيرها! وتشجيع (تسييس الدين) والتطرف بما يضّر صورة الإسلام تحديداً، فكل تلك الأساليب التي انفضحت خلال السنوات الماضية، ومنها «توظيف» مفكرين ومثقفين عرب لمناصرة فكر (العلمانية الشمولية) والتهجّم على الإسلام! كل تلك الأساليب هي التي أسهمت في (صناعة الأرضية الملائمة) لتطرف الجماعات والأفراد، من دون حتى قراءة القرآن، وإنما الانجرار وراء أخذ الموقف المتطرف والإجرامي ضد المقدس الإسلامي، ومن دون مراعاة لحقوق المسلمين، أو للتنوع الديني والمعتقدي، أو للاختلاف المعرفي والثقافي والحضاري، بل ممارسة التعصب والتطرّف ضد كل ذلك بأبشع صوره!
{ وما لم يتّم اتخاذ (موقف إسلامي وعربي صارم) ضد تلك الممارسات المتكررة، فلن تتوقف الممارسات العنصرية والعدائية ضد القرآن تحديداً! وما لم يتم التوظيف الإعلامي على المستوى العربي والإسلامي لتبيان جذور وخلفيات تهافت الغرب وسبب عدائه للإسلام، واستخدام الجانب الاقتصادي الذي لا يعرف الغرب شيئا أهم منه، لمعاقبة كل من يتعدّى على مقدسات المسلمين، فلن يتراجع الغرب عن فرض «منهجه الديكتاتوري» في عدم احترام الإسلام، وهو يواصل عداءه نحوه بشكل منهجي ومنظم! وإن اتخذ شكل دعم أفراد (يحرقون القرآن) بحجة حرية التعبير! هل العرب قادرون اليوم على إيجاد (نقد فلسفي عربي للفلسفة الغربية، التي تدخل مراحل الحضيض الفعلي روحياً وأخلاقياً، رغم تطورها المادي)؟!
إذا اجتماع الموقف الحاسم مع الإعلام المواجه، مع الوصول بالوعي إلى صناعة «نقد فلسفي عربي» بمرجعية فكرية جديدة حينها يمكن مواجهة هذا الخواء الغربي!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك