عالم يتغير
فوزية رشيد
ثورة 23 يوليو والقيم التي نحتاج إليها باستمرار
{ ونحن في مرحلة زمنية في العالم، تكتسحه (سيولة فكرية وقيمية) يختلط فيها الشر والخير، حتى أصبح الشر خيراً، والخير مستنكراً! وتذوب الفواصل الحدودية في عالم مفتوح اتصالاً وتواصلاً، لتذوب معه الثوابت الوطنية والإنسانية! وتصبح المجتمعات تعاني من خلخلة كبيرة في ثقافتها ومفاهيمها في إطار «نظام عالمي» تم تأسيسه على (مبادئ النفعية والاستغراق في الغرائز) من دون تنظيم أو تهذيب! ولكأن الحضارة الإنسانية يُراد منها أن ترتّد على نفسها، وتعود إلى منطلقاتها البهيمية! إلى جانب إسقاط مضامين الكرامة الإنسانية حين مبدأ النفعية والغرائزية يحكم كل شيء! في مثل هذه المرحلة يتحوّل الصراع الحضاري، ولكأنه صراع بين المادة والروح، رغم تكاملها في المنظور الإسلامي! وتتحول المجابهة إلى صراع بين الفطرة الإنسانية ومن يعمل على مسخها! وتتحول الأوطان إلى ساحة تختلط فيها المفاهيم و«حروب الجيل الرابع» التي أصبحت تستهدفها بآليات جديدة من الاستلاب الإنساني والعقلي والروحي للشعوب!
{ في مثل هذه المرحلة فإن الإنسانية تحتاج إلى من يعيدها إلى بوصلتها، في لحظة حاسمة تحوّل فيه الاستعمار الغربي القديم، إلى نمط إمبريالي يعمل على إبادة البشر واستعمار العقل والروح والجسد! فإننا نستذكر قيم «ثورة 23 يوليو»، تحت ضوء جديد وحيث الصراع الراهن بين منظومتين: (المنظومة الإلهية والمنظومة الشيطانية)! وحيث تعُلى المنظومة الإلهية من فعل المقاومة لكل اعتداء على الإنسان وعقله وروحه، ومقاومة الاعتداء على الأوطان والشعوب بحضارة متفسخة قاتلة، تريد السيطرة على كل شيء! لنستذكر معاً المشاعر الوطنية، وإعلاء قيمة الإنسان، والمشاعر القومية التي بثتها مبادئ ثورة يوليو في الدفاع المشترك عن الأسس الوجودية للعرب وتاريخهم ودينهم وحضارتهم!
{ 71 عاماً مرّت على ثورة 12 يوليو، وقيمها ومبادئها لا تزال مستمرة، والعرب في حاجة أكبر إليها اليوم، من حيث «التوحّد العربي»! والفكر العربي بحاجة إلى استعادة روح النضال في مقاومة «الاستعمار الغربي الجديد» وتحولاته الفوضوية، حيث لا غاية ولا هدف من الوجود الإنساني، أو من فوارق الثقافات والأديان والقيم الوطنية! وحيث الاحتكار وسيطرة رأس المال تحوّل اليوم إلى احتكار الإنسان وتسليعه وتحويله إلى مجرد شيء بين الأشياء! ولذلك فإن «التحولات» التي طرأت تحتاج إلى ذات مبادئ ثورة 23 يوليو، ولكن هذه المرة بعمق أكبر، وبآليات جديدة، فكرية ووطنية وقومية ومجتمعية! ولكأن (حركة التحرر العربي) التي اتخذتها الثورة كأحد أهم مبادئها، تحتاج بدورها إلى تعميق ورؤية جديدة وآليات جديدة! تتناسب مع أساليب الجيل الرابع والخامس من الحروب! وأكثرها آليات حرب ناعمة كالحرب الإعلامية والفكرية والنفسية! ولتأخذ فكرة إعلاء قيمة المواطن العربي إلى إعلاء قيمة «المواطن الإنسان» المحافظ على إنسانيته وفطرته أولاً هذه المرة! ليتمكّن من الحفاظ على وطنه وقوميته ودينه وثقافته وتاريخه ووجوده سواء في دفاعه عن نفسه، أو في أهداف تحرره!
{ «ثورة 23 يوليو» وهي كانت حين تقدم نموذج حركة التحرر، كانت تقدمه للنموذج القديم للاستعمار، أما اليوم فالعرب بحاجة إلى «حركة تحرر جديدة» تقاوم نموذج الاستعمار الجديد، الذي يريد الاستيلاء على الأوطان، من خلال الاستيلاء بما يخصنا على العقل العربي والروح العربية! وتسفيه الإسلام وقيمه، وهو دين الغالبية لدى الشعوب العربية، وقيمه مقدمة للبشرية كلها!
{ استعمار جديد بدون عقل ولا منطق ولا ضوابط إنسانية وأخلاقية، ينسف حتى قيمه السابقة نفسها حول «الحداثة» التي تحولت إلى «ما بعد الحداثة»! وبمفاهيم «ما بعد الحداثة» يتم نسف الإنسانية والتاريخ والأيديولوجيا، فلم يعد الصراع كما كان في زمن «ثورة 23 يوليو» بين الرأسمالية والاشتراكية! أو بين الاحتلال والوطنية! أو بين الاستعمار وحركة التحرر العربي! إنما هي اليوم حركة نضال بين الإنسانية والآلية! وبين الأوطان ونسفها من الداخل! وبين الغائية الدينية والفوضى الشيطانية! مما يخلق نمطاً جديدا من التحديات، لتصبح أفكار «ثورة يوليو» وكأنها أفكار لا بدّ من استعادتها على المستوى الوطني والقومي والوجودي! فالمبادئ والقيم التي قامت عليها ومن بينها العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان والروح العربية، لا تزال الشعوب العربية بحاجة إليها، وبقوة أكبر في هذا الزمن، وإن بشكل آخر وجديد! لمقاومة كل ما يصبّ في (استلاب الإرادة الحرّة)!
{ العرب ككل يمرون اليوم، بإحدى مفترقات الطرق ليس لهم وحدهم وإنما للبشرية ككل! ومن هنا تنبع أهمية استعادة «مبادئ ثورة يوليو» أيضاً حول «الدوائر الثلاث» الدائرة العربية والدائرة الإسلامية، والدائرة الأممية بالدول والشعوب التي تريد مقاومة هذا (الاجتياح الفكري الفوضوي للغرب) في كل مناحي الحياة الإنسانية! ليتم إنهاء (المركزية الباطشة) من خلال المساهمة العربية في «تعددية الأقطاب» على أساس الدوائر الثلاث بعد تطويرها إلى تعدد الأقطاب الجديد، ليستعيد العرب مفاهيم التحرر المعنوي والأخلاقي والاقتصادي، ومركزية الإنسان كما في دينهم الحنيف!
كل مرة تعطينا «ثورة 23 يوليو» دروساً جديدة، تتحوّر مع تحورات المواجهات العالمية الجديدة! لتكتسب تلك الثورة قيمة مضافة مع مرور السنوات، ولتكتسب مفاهيم الوطنية والقومية وحركة النضال العربي (أبعاداً جديدة)، خاصة مع تحورات الاستعمار القديم، إلى آلياته الجديدة التي تكتسح كل شيء اليوم حتى الروح الإنسانية والوجود الإنساني!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك