لا تغيب عن ذهني أبدا مقولة نبيلة للمغفور له بإذن الله زايد الخير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم الشقيقة دولة الامارات العربية المتحدة حيث قال رحمه الله في معرض حديثه عن وجود الوافدين من مختلف الجنسيات على أرض الامارات بأن: (الأرض أرض الله والخير خير الله) وفي المقابل أكرم المواطنين وتكفّل برفع مستواهم المعيشي، فكانت النتيجة أن بارك الله الامارات، وعاش الجميع في رفاه، وقد اختصرت تلك المقولة جميع مبادئ حقوق الانسان التي تهدف إلى الحفاظ على الكرامة الانسانية باحترام حقوق الانسان وتعزيزها وحمايتها على أسس من مبدأ المساواة وعدم التمييز بسبب اللون أو الدين أو العرق أو اللغة أو الجنس أو الأصل القومي أو المستوى الاقتصادي.. الخ.
وما ذكّرني بهذه المقولة مؤخراً هو شكوى بعض أولياء الأمور المقيمين في البحرين والعاملين في القطاع الخاص من القرار الذي اتخذته وزارة التربية والتعليم والمتعلق بعدم قبول تسجيل أبناء هذه الفئة من المقيمين والذين بلغوا السن القانوني للالتحاق بالتعليم الأساسي المجاني (المرحلة الابتدائية) في مدارس المملكة الحكومية.
ومن المؤسف أن يأتي مثل هذا القرار متزامناً مع الاشادات والشهادات الدولية من جهات متعددة حول ما حققته رؤية جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين وآليات المملكة الوطنية المتعددة وتشريعاتها الوطنية في سبيل كفالة واحترام وتعزيز حقوق الانسان، وأقربها التقرير الصادر عن وزارة الخارجية البريطانية والكومنولث بإزالة مملكة البحرين من قائمة الدول المصنفة كدول ذات الأولوية لحقوق الانسان والذي كانت له أصداء ايجابية كبيرة.
وحيث انه من المفترض بأن وزارة التربية والتعليم وهي المسئولة عن اصدار اللوائح والقرارات اللازمة لتنفيذ القانون رقم (27) لسنة 2005 بشأن التعليم بجميع مراحله، وعن تطبيق قانون التعليم الذي حدد سنّ السادسة باعتبارها سن الإلزام لالتحاق الاطفال بالتعليم الابتدائي مجانا أي دون فرض رسوم مباشرة أو غير مباشرة، والتي منحها القانون أيضاً سلطة تقديم أولياء الأمور والأوصياء على الاطفال الذين بلغوا سن الإلزام، للمحاكمة الجنائية في حال امتناعهم عن تسجيل أبنائهم دون سبب جدي يحول دون ذلك، كما وأنها على دراية تامة بأهمية التعليم الأساسي كحق جوهري من حقوق الانسان يُسهم في رفده بالمعرفة والعلم ويرتبط بكرامة الانسان وبحقوقه وحرياته الاساسية كالحق في العمل وحرية الرأي والتعبير وغيرها.
ولا سيما بأن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966 قد أكد على (التزام الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم وباتفاقها على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وهى متفقة كذلك على وجوب استهداف التربية والتعليم تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر، وتوثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم ومختلف الفئات السلالية أو الإثنية أو الدينية، ودعم الأنشطة التي تقوم بها الأمم المتحدة من أجل صيانة السلم، كما أكد على التزام الدول الأطراف بأن ضمان الممارسة التامة لهذا الحق يتطلب جعل التعليم الابتدائي إلزاميا وإتاحته مجانا للجميع، وهو ما حرصت مملكة البحرين على الالتزام به منذ انضمامها الى العهد عام 2007، بل وقبله أيضا، فقد قامت بكفالة الحق في التعليم الأساسي للمواطنين والمقيمين على قدم المساواة، فلم تضع قيوداً على التحاق أبناء غير البحرينيين بالتعليم الابتدائي في المدارس الحكومية حتى بدء تسجيل الطلبة في عامنا الحالي، والذي تفاجأ فيه المقيمون بعدم قبول أبنائهم وتوجيههم إلى ضرورة إلحاقهم بالمدارس الخاصة التي تستوجب دفع رسوم قد يعجز بعضهم عن تحملها وستشكل بالضرورة عبئاً جديداً يثقل كاهل أصحاب الدخول الصغيرة من المقيمين وحتماً سيترتب عليه حرمان أطفالهم من الالتحاق بالتعليم الابتدائي بسبب عدم قدرتهم على تحمل كلفة تعليم أبنائهم وسيُسقط في أيدي أولياء الأمور ولاسيما أولئك الذين تعاني دولهم من الحروب وعدم استقرار أوضاعها السياسية أو الجيولوجية.
ومن المعلوم بأن الحق في التعليم من الحقوق الاساسية التي يجب أن يتمتع بها الانسان أينما كان، وهو لا يعتبر من حقوق المواطنة التي تلتزم الدولة بكفالتها للمواطنين فقط.
ولأننا لا نعلم خلفية أو أسباب صدور مثل هذا القرار، الذي يتنافى مع سياسة المملكة الحريصة على تعزيز وكفالة وحماية واحترام حقوق الانسان، فإنني اقترح، في حال كان هناك موجب- قد لا نعلمه- لإنفاذ هذا القرار ويقتضي العمل به، أن يقتصر تطبيقه بناء على دراسة حقيقية ودقيقة للاوضاع المالية للأسر المقيمة ولاسيما الناطقين منهم باللغة العربية، وعدم انفاذ هذا القرار على غير المقتدرين منهم، والعمل على قبول أبنائهم للالتحاق بالتعليم الابتدائي في المدارس الحكومية مجاناً حتى لا تُحرم فئة غير المقتدرين مادياً من المقيمين على أرض هذا الوطن من حقها في التعليم، فليس أسهل على الإدارة من اتخاذ القرارات الإدارية ولكن ضمان صحة وجدوى هذه القرارات يقتضي من متخذي القرار الموازنة بين المصلحة المراد حمايتها أو تحقيقها منه وبين الضرر الذي سيلحق بالمخاطبين به حتى يُحقق القرار مقاصده وأهدافه دون ضررّ ولا ضرار.
Hanadi_aljowder@ hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك