نعم، عشنا سنوات طوالا لم نبصر لما بين أيدينا من خيرات، ولم نلمس فروقات في جودة الحياة التي نعيشها مقارنة بالعديد من دول العالم شرقاً وغرباً، ولم نعلم إن الرفاه والحياة الانسانية الكريمة التي نعيشها هي الأفضل على مستوى دول العالم- نعم دول العالم- وخصوصاً الدول التي لا تعرف شعوبها كيف يعيش الإنسان حراً بما يجني من مال، أو ما يرث من عقار، أو ما يربح من أرباح، أو حتى بما يشتري بعرق جبينه أو ما يحصل عليه من هدايا، ولا يعرف مفهوم التعليم المجاني والطب والدواء بدون مقابل، ولا يعي كيف يكون لكل مواطن حق دستوري في سكن لائق، وغيره وغيره... نعم في هذه النعم نعيش فرداً فرداً في دولنا الخليجية مقارنة بالدول التي أرهقت كاهل شعوبها بكل أنواع الضرائب وبالقيود المجحفة بدعوى الديمقراطية والليبرالية والمساءلة والتنوع والتعددية ونظام السوق الحر التي لم تكن يوماً تملك مضموناً حقيقياً ولم تحقق في نهاية المطاف ما يحفظ كرامة وإنسانية الإنسان، بقدر ما باتت أدوات جعلت من الفقير يزداد فقراً ليدوروا في ماكينة الأثرياء الذين يزدادون ثراءً.
نعم كنا عمياً فأبصرنا ما انتجته تلك الديمقراطيات الزائفة من ثورات الجياع، واضرابات وعصيان الاقليات والأثنيات ضد العنصرية المتأصلة في مجتمعاتها، وكيف تصعد الأحزاب العنصرية المتطرفة إلى قمة السلطة لتزداد ازدراء الأعراق والأديان والفقراء... وأبصرنا مرات ومرات كيف تواجه الديموقرطيات المطالب المشروعة لشعوبها بالرفض والعنف والدموية والسحل في الشوارع... أبصرنا وتعلّمنا وآمَنّا بأننا نعيش بقيم ما فوق تلك الديمقراطيات الليبرالية المشوهة لطبيعة البشرية والمهينة لكرامة الإنسان.
بهذه الافكار الشامتة تابعنا ثورة البؤساء في فرنسا، ثورة شعب لا يعيش في النور في مدينة النور، ثورة مواطنين من ذوي أصول أخرى تعيش حياة مزرية في بلاد المجتمع المخملي؛ ثورة غضب الفقراء والعاطلين والأجيال التي كُتِبَ عليها أن تعيش في الأحياء والأزقة الوسخة والملاذات غير الآمنة في أوطانها... تلك الثورة التي انتهت بالقمع والسحل والعنف، وبالصمت الإعلامي أمام مطالب الثائرين المساكين، والسكوت على انتهاكات حرية التعبير، وتجاهل مشاهد سحل النساء في الشوارع، واختفاء منظمات حقوق الإنسان عن المشهد، أمام مصائر ومآلات اولئك الشباب الذين تظاهروا غضباً وإنصافاً لحقوقهم المسلوبة وراحوا وراء الشمس...
على مدار سنوات طويلة أعمتنا اضواء مدينة النور، وأبهرتنا روايات ثورة «البؤساء» فيها ضد النبلاء، وأغوتنا حكايات «طه حسين» حول جمال مقاهي حيها اللاتيني، وعروض صالونات الأزياء «الراقية»، ورومانسية الأضواء المتلألئة بين ضفتي نهرها الشهير، حتى كنا نحسد مَن يعيش في تلك الديار، واعتقدنا بأنها جنات عَدْنْ.
وبفضل التكنولوجيا انكشفت «الديمقراطيات العريقة»؛ وانكشف مدى تدني أخلاقياتها، وحقيقة ثقافتها العنصرية البشعة، وقيمها المتأصلة بالعنف والاضطهاد وازدراء الأديان والمعتقدات، وطفح على السطح مشهداً مزرياً من الانحلال الأخلاقي الذي أباح تشريع المثلية والاستغلال الجنسي للأطفال، وفرضها على الأمم الأخرى...
ألا يحق لنا أن نقول هذا الكلام القاسي عن ما يدور في تلك المدن التي باتت خطيرة على البشرية!!! المدن المريضة بالقسوة والعنف والاستغلال والإباحية.
ألا يحق لنا أن نتباهى بأننا شعوب أصحاب قيم إنسانية ملتزمة بتعاليم الله والرُسل والأديان في العدالة والإنصاف والرحمة والمحبة والتسامح وتخاف من عقاب رب العالمين!!!
ألا يحق لنا أن نفخر بأننا شعوب مؤمنة بالله والإنسان والتكاثر الإنساني السَوِيْ، إيماناً راسخاً يرفض الظلم والانحراف والشذوذ!!!
ألا يحق لنا اليوم أن نعود للمقارنة بين أسلوب الإعلام الغربي في أدائه أمام ما يحدث في تلك البلاد وغيرها من المجتمعات العنصرية، وبين تلك الآليات الإعلامية والحقوقية المبتذلة التي تم تسليطها على بلادنا في فترة الغوغاء والحركات الإرهابية، وكأنهم ممثلين الشيطان!!!
أليس من حقنا كشعب ودولة أن نسلّط الضوء على هذه الحقيقة لنعرف كيف تعيش تلك الشعوب الكادحة المضطهدة في تلك الدول المتعالية المزيفة، وكيف يعيش شعبنا عزيزاً كريماً!!!
أتوقف هنا لأضع سؤالي الأزلي، لماذا لم يحرك اعلامنا الخليجي أدواته للتركيز على فضح هذه الحقائق والمقارنات الكبرى، الغائبة عن المشهد الاعلامي بسبق الإصرار والتعمد؟؟
وإلى حين معرفة الرد المقنع على تساؤلاتنا، سيبقى للحديث بقية..
مي زيادة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك