الشفافية تعد آلية إلزامية على مستوى الدولة وسلطاتها وأجهزتها الرسمية، كما هي إلزامية على مستوى قطاع الأعمال والمال، ومستوى المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية وغير الربحية... وللشفافية قيمة أخلاقية وإدارية مهمة، إذ كما هي آلية لحماية الدولة والمجتمع من الفساد المالي والإداري، فإنها ايضاً تعمل على خلق الثقة والاحترام المتبادل بين الدولة والمجتمع، وتقلل الفجوة بين الحكومة وفئات الشعب... وغيرها... وكذلك للشفافية دور في كشف مستويات الأداء، وممكن أن تكون من أدوات التقييم الإداري والمعرفي للمؤسسة وقائدها، سواء كان القائد وزيراً، رئيس شركة، رئيس ناد، أو جمعية.
في جميع الأحوال فإن الشفافية آلية إدارية ملزمة، تلتزم بها المجتمعات الحديثة والمتقدمة، وتستخدمها الحكومات الواثقة في أدائها وقوتها لصالحها، ولا يمكن الاعتماد على تقارير المدققين أو الرقابة والمحاسبة المالية والإدارية إن لم ترافقها سلسلة عملية في الأداء الشفاف، والتواصل المباشر.
فكيف يتلمس الشعب هذه الشفافية؟ وكيف يمكن للدولة بكافة قطاعاتها أن تكون شفافة قولاً وفعلاً، ولا تكون الشفافية مجرد شعار، دون مستوى الفعل؟؟
مثلاً: هناك أرقام وتقارير تُتداول حول أداء العمل الحكومي، وبكافة قطاعاته، الاقتصاد والعمل والتجارة والإسكان والتنمية والتعليم والصحة وغيرها.. وهي تقارير بمجملها إيجابية، رغم ارتفاع معدلات التضخم الاقتصادي وتراجع معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع اسعار السلع والخدمات، عالمياً. وهنا تبقى الأرقام والتقارير الايجابية عبارة عن اوراق رسمية ما لم تُناقش بشفافية في وسائل الإعلام المحلية لتصبح أكثر اقناعاً لعامة الناس، ولمنع تأويلها إلى ما يسيء لأداء الدولة بشكل عام... بل على العكس، لتعمل هذه الشفافية على بناء جسور الثقة المطلوبة والاحترام المتبادل بين الحكومة والشعب.
إن أهم أدوات الشفافية هو التواصل والاتصال، أي الإعلام، وعندما نتحدث عن شفافية الدولة، فإننا نتحدث عن الاتصال والتواصل المباشر عبر الحكومة والوزراء مباشرة، أو عبر متحدثين رسميين للحكومة ولكل مؤسسة أو وزارة أمام الصحافة المفتوحة والأطراف المعنية بالموضوع، ليكون الحديث متبادلاً، بمعنى أن يستمع الطرفان لبعضهما، ولا يكون حديثاً من طرف واحد، وكأنه حوار الطرشان... إضافة إلى توفير أرقام هواتف ساخنة مفتوحة للتواصل المتبادل بين ممثلي الوزارات ووسائل الاعلام المختلفة.
إن الإعلام يعد أهم آليات التواصل بين الدولة والشعب، بشرط أن يكون إعلاماً أخلاقياً مهنياً مثقفاً حراً واعياً وحامياً لمصالح الوطن، قديراً ومدعوماً ومحمياً بالقانون... ولا يمنع هذا وجود آليات أخرى للشفافية تملك بعض الأهمية.
وعبر الإعلام تفتح الحكومات أبوابها على الشعوب، لإيصال رسالتها، وتستمع إلى الرد عليها، في محاكاة متبادلة تفيد الطرفين، وتخفف من حدة التذمر والتنمر الذي يجتاح المجتمع، كما تخفف من حدة الاختراقات التي تستهدف بلادنا من الخارج.
وهنا نحن بحاجة للتأكيد على ضرورة استماع الطرفين لبعضهما في كافة القضايا المطروحة والتي تمس حياة الناس والمجتمع المحلي، بهدف تخفيف حدة النقمة التي تسود بسبب تدهور بعض من الأحوال المعيشية، وإلا فإن استمرار التذمر الذي يجتاح المجالس ووسائل التواصل، واستمرار المحرضين على التحريض على التذمر، سيكون سببا في رفع وتيرة الغضب، إن لم تجد لها متنفساً.
فهل تستحق بحريننا الجميلة، بأمنها وأمانها وخيراتها وعطائها الراقي، هذا التذمر السائد بين الناس، والسوداوية المشوهة للحقائق... فعلاً لا تستحق البحرين هذا التشويه، فقط أعطونا القليل من الشفافية نعطيكم الكثير من الجمال.
وهنا أعود إلى سؤالي الأزلي، لماذا؟.. نعم لماذا لا تنزل الحكومة ووزراؤها إلى مستوى الناس ليتحدثوا معهم على وسائل الإعلام، حتى لو اضطروا للظهور يومياً؟، هل لا يعرفون الحديث في الإعلام، أم لا يملكون هذا القرار؟
بإمكاننا وضع أجوبة لتساؤلاتنا، ولكن نفضل أن نستمع إلى المعنيين بها...
وإلى حين معرفة الرد المقنع على تساؤلاتنا، سيبقى للحديث بقية..
مي زيادة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك