عالم يتغير
فوزية رشيد
عيد الإيمان والتوحيد!
{ وبلاد الحرمين تستقبل أكثر من مليوني حاج من 160 دولة، في تجمع هو (الأكبر على المستوى العالمي)، وهذا العام يعود التجمع كما كان قبل تفشي كورونا، الذي حدّ من أعداد الحجاج ثلاثة أعوام! وهو أيضاً التجمع الديني الإسلامي الأكبر، الذي يعرفه التاريخ ويتكرر كل عام، فإن القلوب ترتقي مع تلبية الحجيج الذي يعكس «الإيمان والتوحيد» بالله وحده، لا شريك له، ليشهد جبل عرفة ضجيج الدعاء من قلوب تناجي ربّها، وليكون «يوم عرفة» يوماً يشارك فيه كل المؤمنين بالصوم والدعاء، وهم في بيوتهم، ولكأنهم بقلوبهم يشهدون مع الواقفين في عرفة روعة التوجه إلى الله، في زمن تجسّم فيه وجه الشيطان وتعاليمه كما لم يحدث قط! ويشكّل هذا اليوم «عرفة» حرقاً لكل ما يمثله الشيطان وأدواته وأولياؤه في العالم! فيغفر الله لكل من توجّه إليه بقلب سليم، ولكأنه تحدّي الإيمان في القلوب العامرة به والتوحيد دون شريك، لكل ما نراه اليوم من موبقات الفاسدين والمفسدين والضلالات الفكرية، والسلوكيات الشاذة في كل مضمار روحي وفكري وجسدي!
{ هؤلاء تجمعوا بكل أعراقهم وألوانهم واختلاف ألسنتهم من أغلب دول العالم، طوافاً وتروية ودعاء في عرفة، متمسكين بشعائر الله، طالبين المغفرة والسكينة والطمأنينة، ومعهم كل مسلمي العالم الذين يبلغ تعدادهم اليوم (ملياري مسلم)، يشاركون الحجيج مضامين الحجّ وهم في أماكنهم، مدركين لما للحج من قيمة كبرى كفريضة سامية وعبادة جامعة لقلوب المسلمين، في رحلة وترحال روحي يترفع فيه أصحابه عن كل المغريات والشهوات، متجردين من الألقاب والمناصب، فكلهم سواء أمام الله! قال «الماوردي» في كتابه (أدب الدنيا والدين) عن الحكمة من الحج: (فكان في إيجابه تذكير ليوم الحشر، بمفارقة المال والأهل، وخضوع العزيز والدليل، في الوقوف بين يديه، وإقلاع أهل المعاصي عما اجترحوه، وندم المذنبين على ما أسلفوا، فقلّ من حجّ إلا وأحدث توبة من ذنب، وإقلاعاً عن معصية) ومن نبع القلوب المتوجهة إلى خالقها تتدفق فيوض المعاني، وارتحال الإنسان إلى الله الواحد الأحد، وهو يلبّي تلبية التكبير والتسبيح والحمد، ليجسّد الوقوف في يوم عرفة أيضاً يوم الحشر والتذكير بالدار الآخرة! وليعود الحاج بعدها إلى دياره وقد طهر قلبه من الشرور والآثام ولكأنه ولد من جديد!
{ نداء الإيمان لا يدرك أبعاده في مواجهة شرور الحياة إلا كل مؤمن، فالحياة المليئة بالشرور والصعاب والصراعات هي (البُعد المادي)، الذي يخلفه (بُعد غيبي) أخبر به الله عباده المؤمنين! ومن إدراك هذين البعدين يتكامل وعي الإنسان! وتزداد الصلة بينه وبين خالقه، ليغفر الله لعباده الذنوب في مناسبة الحج و«يوم عرفة»، وهو الغفران الذي يستحق معه المؤمنون الاحتفاء والاحتفال بالعيد، ومنه يأتي المضمون الحقيقي للعيد، باعتباره (عيد الإيمان والتوحيد) الذي يعلنه المسلمون في وجه الذنوب والخطايا، وطُرق الشيطان في إغواء البشر، والتي يتم رجمها ورجمه في أحد مناسبك الحج!
{ لا مناسبة أكثر بهجة من أعياد المسلمين (عيد الفطر وعيد الأضحى)، حيث بهما يختتم المسلم صيامه ببهجة الفطر، ويختتم حجّه وترحاله إلى بيت الله، وأمله في الحصول على المغفرة في عيد الأضحى، ولأننا في زمن يحتاج فيه الإنسان ككل وليس المسلم وحده إلى طوق النجاة، من كل ما أسسه الشيطانيون من شرور وإغواءات للخطايا، فإن التشبث بالإيمان وحده هو الملجأ والنجاة، وقد كثرت ألوان وأشكال الفسق والفجور، إلى حدّ جَعْلها غزوا للقلوب في العالم كله!
تعاليم الله وحدها، وكما أرادها لخلقه، فيها المنجاة من كل ذلك، وحين يتجمع ملايين البشر في أطهر بقعة في الأرض، فإنهم يعيدون التوازن بإيمانهم وطلبهم المغفرة إلى العالم الذي يريد «الشيطانيون» تكريسه لشيطانهم المعبود!
هو العيد، وبه نحتفي ونحتفل ونعلن الفرح بأننا كمسلمين، مازلنا نسير على طريق الفطرة في زمن يتم تشويهها والعبث بها بكل الطرق!
عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير وأكثر قرباً إلى الله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك