محاضر رئيس – مراقب ومدقق شرعي معتمد مجاز من معهد التأمين الملكي البريطاني في التأمين التكافلي
لعب تطوّر الحوكمة الشرعيّة في البحرين دورًا حاسمًا في ضمان نزاهة المؤسّسات المالية الإسلامية والتزامها. وشهدت البحرين على مرّ السنين تقدمًا شاملاً عبر أربع مراحل متميزة، أسهم كلّ منها في تأسيس إطار متين للحوكمة الشرعيّة. ويستعرض هذا المقال تطوّر الحوكمة الشرعيّة في البحرين، حيث يسلّط الضوء على الإنجازات الرئيسة، والتدابير التنظيميّة التي كانت أساسًا في تشكيل الصناعة.
المرحلة الأولى: بناء أسس الحوكمة الشرعية
ركزت البحرين في المرحلة الأولى على وضع أسس الحوكمة الشرعيّة من خلال تطبيق قوانين محدّدة تتطلّب إنشاء هيئات رقابة شرعيّة على مستوى المؤسّسات الماليّة الإسلاميّة. وأُسنِدَت إلى هذه الهيئات مسؤوليّة إنشاء ضوابط وتوازنات أساسيّة لضمان الالتزام بأحكام الشريعة ومبادئها. وقد اضطلع قانون مصرف البحرين المركزي، الصادر في 6 سبتمبر 2006، مع المرسوم رقم (64) لعام 2006، بدور مهمّ في توفير النصوص القانونيّة اللازمة لإنشاء هيئات الرقابة الشرعيّة في المصارف الإسلاميّة.
المرحلة الثانية: توسيع دور الاستشارات الشرعيّة
بدأت المرحلة الثانية بالسماح للمصارف التقليديّة التي تمتلك نوافذ إسلاميّة باستقطاب مستشارين شرعيّين؛ بهدف ضمان الالتزام بأحكام الشريعة ومبادئها داخل القطاع المصرفيّ التقليديّ الذي يمتلك نوافذ إسلاميّة. وقد وضعت الإرشادات لهذا التوسّع في المجلّد الأوّل من دليل القوانين والأنظمة لمصرف البحرين المركزيّ، وخاصّة الفقرة رقم AU-4.1.1، حيث أشارت اللوائح التنظيميّة إلى ضرورة أن تطبّق تلك المصارف المعايير ذات الصلة الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسّسات الماليّة الإسلاميّة.
المرحلة الثالثة: تعزيز توحيد الفتاوى الفقهيّة في الماليّة الإسلاميّة
إدراكًا منها بأهمية توحيد الفتاوى الفقهيّة في الماليّة الإسلاميّة، أنشأت مملكة البحرين هيئة مختصّة هي هيئة الرقابة الشرعيّة في مصرف البحرين المركزيّ، وذلك للتعامل مع القضايا المتعلّقة بالالتزام بأحكام الشريعة ومبادئها في جميع جوانب الصناعة الماليّة الإسلاميّة، وتيسير الحصول على المشورة الشرعيّة للمؤسّسات المالية الإسلاميّة. وقد تمّ بيان هذا في المجلّد الثاني من دليل القوانين والأنظمة الصادر عن مصرف البحرين المركزيّ في عام 2016، ما أسهم في تعزيز إطار الحوكمة الشرعيّة في البحرين.
المرحلة الرابعة: الاعتراف بهيئة الرقابة الشرعيّة بوصفها سلطة عليا، وتقنين الحوكمة الشرعيّة
شهدت المرحلة الرابعة إنجازًا مهمًّا في تطوّر الحوكمة الشرعيّة في البحرين، حيث تمّ الاعتراف رسميًّا بقرارات هيئة الرقابة الشرعيّة والمعايير الشرعيّة بوصفها قرارات ملزمة للمؤسّسات الماليّة الإسلاميّة والمحاكم والمحكّمين، ما عزّز مكانتها بوصفها السلطة العليا المتخصّصة في الشؤون الشرعيّة. وجاء هذا الاعتراف من خلال صدور المرسوم الملكيّ رقم 14-2020، فضلًا عن تأكيد ضرورة تعزيز أدوار هيئات الرقابة الشرعيّة ووظائفها، والإدارة، وأعضاء مجالس الإدارة في المؤسّسات الماليّة الإسلاميّة لتقوية الحوكمة الشرعيّة. وقد تم تشجيع المؤسّسات الماليّة الإسلاميّة على إنشاء وظائف مختصّة بالحوكمة الشرعيّة داخل منظماتها؛ لضمان الالتزام الشامل بأحكام الشريعة ومبادئها وعدم تضارب المصالح.
الخاتمة
تعكس رحلة البحرين عبر المراحل الأربع للحوكمة الشرعيّة التزام البلاد بإنشاء إطار تنظيميّ متين يضمن الالتزام بأحكام الشريعة ومبادئها في صناعة التمويل الإسلاميّ. ومن خلال بناء أسس قويّة، وتوسيع الأدوار الاستشاريّة، وتعزيز التناسق والاعتراف بالسلطة العليا للحوكمة الشرعيّة، نجحت البحرين في خلق بيئة تقوم على الثقة والشفافية والمعايير في العمليّات الماليّة الإسلاميّة. وقد أدّت هذه الإنجازات إلى تعزيز مكانة البحرين بوصفها مركزًا رائدًا للخدمات الماليّة المتوافقة مع أحكام الشريعة ومبادئها، وجذب المستثمرين، وتقوية النزاهة بشكلٍ عامّ في الصناعة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك