عالم يتغير
فوزية رشيد
قائد فاجنر.. تمرّد ثم عاد عن تمردّه؟!
{ منذ صبيحة السبت، ونحن نكتب الآن في مساء اليوم ذاته، قامت الدنيا، بين رقص الإعلام الغربي والأوكراني، وقلق مؤيدي روسيا، على الخبر الذي انتشر بسرعة البرق، عن تمرّد قائد فاجنر «يفغيني بريغوزين» على موسكو! والذي تحرّك نحوها بعد أن سيطر على المواقع العسكرية الروسية في «روتسوف»! وعلى مبعدة 200كم من العاصمة الروسية قال «قائد فاجنر» إنه قبل مقترحا من بيلاروسيا لوقف تقدّم قواته نحو موسكو! فما الذي دعاه إلى التمرد؟ وما الذي جعله يتراجع؟! ولماذا وقفت القوات العسكرية الروسية موقف اللافعل، رغم أنه كان في طريقه إلى العاصمة موسكو ورغم أنه كان هناك خبر عن «رئيس الأركان الروسي» بإعطاء الأمر الفوري برفع المروحيات وفتح النار على قوات فاجنر؟!
{ في الواقع ورغم كثرة التحليلات عن هذا التمرّد الغريب في توقيته وآلياته، خاصة مع العدد الضئيل الذي تحرك به «قائد فاجنر» قياساً لإمكانيات الجيش الروسي! إلا أن الغموض ظل ساريا منذ فترة حول تصريحات «قائد فاجنر» الذي تعهد صبيحة يوم التمرّد بأنه «سيذهب حتى النهاية» وأن «يدمر كل ما يعترض طريقه» وأن «بوتين سيسقط»! وأنه يريد القضاء على الفساد والفاسدين في الجيش الروسي، على خلفية الخلاف بينه وبين وزير الدفاع الروسي «سيرغي شويغو»! فإذا به وبتواصل من رئيس بيلاروسيا ويتراجع عن كل ذلك ويعود إلى ثكنات المواجهة في أوكرانيا «حقنا للدماء» كما قال!
{ ومما يثير الغرابة أنه ورغم اعتماد «بوتين» على «قائد فاجنر» في المواجهة في أوكرانيا والعملية الخاصة، إلا أن ردود فعل بوتين على تصريحات «قائد فاجنر» ضد «سيرغي شويغو» وزير الدفاع لم تكن تبدو في صيغة الاهتمام، رغم حساسية الوضع في أوكرانيا ودعم الغرب المطلق للرئيس الأوكراني، بعد أن تحوّل إلى بيدق في يد «الناتو» للتحرش بروسيا منذ سنوات!
{ «بوتين» الذي كرر عدة مرات العقيدة الروسية ضد «الناتو» أو غيرها في استخدام الأسلحة النووية، بأنه التصعيد ضد التصعيد، في حالة تعرض الأمن القومي الروسي للخطر، هل يعقل أنه وقف مكتوف الأيدي، ضدّ تحرك «فاجنر» وهو الذي وصف تحرك قائدها، بأنه (خيانة) و«طعنة في الظهر»، بما يعني أن تمردّه وتحركه نحو موسكو هو بدوره تهديد للأمن القومي الروسي! وإعلان ما يثير مخاوف حرب أهلية، في وقت تواجه فيه روسيا دول «الناتو» أو الغرب، المستشرس لإحداث انقسام داخلي في روسيا، وحرب أهلية؟! والأغرب أن يتم ترك الحلّ في يد رئيس «بيلاروسيا» الذي جعله يتراجع ويغادر في الاتجاه المعاكس نحو المعسكرات الميدانية في أوكرانيا، وكأن شيئا لم يحدث! وليقول إن «القصة انتهت»!
{ منذ فترة وشعور غامض ينتابني حول «فاجنر» وقائدها، حتى وإن كان بوتين يستعين به لأداء مهمات حربية عسكرية في دول أخرى سابقا والآن في أوكرانيا! فإلى جانب أن عادة هناك مخاطر على الدولة ذات الجيش النظامي من (تمكين) «مرتزقة مدفوعي الأجر» خارج نظام الجيش، إلا أن «قائد فاجنر» لم يترك تصريحاً إلا وصرّح به حول خلافاته مع وزير الدفاع الروسي «شويغو» واتهامه بتهم مختلفة، بدأت في سوريا، عندما مات عدد من قواته حوالي 200 مقاتل بسبب عدم حصوله على غطاء جوي من القوات الروسية! ليتكرّر ذات الأمر في معركة «باخموت» شاكيا من قلة الدعم العسكري والذخيرة من قبل وزارة الدفاع لمقاتلي «فاجنر» والتي أدت إلى موت مقاتليه أيضاً! ورغم العلاقة الوطيدة مع «بوتين» إلا أنه تجرأ خارج أي منطق، ليتمرّد عليه وكاد أن يتسبب في أزمة كبيرة داخل روسيا، وهو المعروف بـ«طباخ بوتين»! فقد كان قبل أن يشكّل «فاجنر» بائعاً للنقانق وفاتحا لمطاعم و«شيفا» حوله «بوتين» إلى تاجر ورجل أعمال ثم زعيم جيش من المرتزقة «فاجنر»!
{ هل زعيم «فاجنر» كان يريد فعلا محاربة النخب الفاسدة في الجيش والدفاع كما صرّح؟! وهل محاربة الفساد تأتي في أصعب مرحلة لروسيا وهي في حرب مع الناتو في أوكرانيا، ليهدد الأراضي الروسية نفسها، بما يُعد أكبر مكسب للناتو في الحرب الأوكرانية؟!
لا تزال القصة غامضة في نظري، ولا أعتقد أن أحداً من المحللين قادر على مسك خيوطها كاملة! هل هي خطة مثلاً لتوجيه الأنظار إلى ساحة جديدة لغرض عسكري مبهم؟! هل استند أو راهن «القائد المتمرد» على انقسام في الجيش وله تطلع سلطوي كبير؟! هل كان مدفوعاً من إحدى دول «الناتو»؟! لو كان أي من ذلك، فلماذا تراجع عن تمرده بسرعة وسهولة وباتصال من رئيس «بيلاروسيا»؟! وكيف عاد مجددا! إلى ميدان الحرب في أوكرانيا، دون قلق من «بوتين» بأن من خان مرة سيخون مرة أخرى؟!
ربما الفترة القادمة تقنعنا بمعرفة المزيد.. عن ما حدث، ولماذا حدث لفك خيوط الغموض؟!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك