القراء الأعزاء
من المعلوم أن الدستور هو الوثيقة الوطنية التي تضمّ مجموعة من النصوص التي تنظّم السلطات الأساسية للدولة وتحدد اختصاصاتها وتبيّن مقومات المجتمع الأساسية وتوضّح حقوق الأفراد وواجباتهم، وتكون النصوص الدستورية هي الأساس لكل القواعد القانونية التي تليها في المرتبة، لذلك سُمّي الدستور بمسمى (أبو القوانين) باعتباره القانون الأسمى والأعلى في الدولة.
ومن المعلوم أن منظومة حقوق الإنسان تتضمن جميع الحقوق والحريات الأساسية التي يتوجب على الدولة كفالتها للأفراد بحكم طبيعتهم الإنسانية وباعتبارها حقوقهم الإنسانية، وعليه فإن كفالة واحترام وتعزيز حقوق الإنسان لا تُكفل للمواطن فقط ولكنها تكفل لكل من يكون خاضعاً لولاية الدولة القضائية من مواطنين ومقيمين وحتى أولئك الذين قد وجدوا على إقليم الدولة بشكل غير قانوني لا يتم حرمانهم من حقوقهم الأساسية، على أن تطبق على الجميع ما يتوجب وفقاً لأوضاعهم من أحكام القوانين الوطنية، إلا أن هذه المنظومة أيضاً تتضمن مجموعة حقوق يتوجب على الدولة كفالتها للمواطنين فقط باعتبارها حقوق مواطنة، ولا يُعد ذلك إخلالاً بمبدأ المساواة الذي يعد أساسًا مهما من أسس حقوق الإنسان، لأن كل إنسان على هذه الأرض يتمتع بها في الدولة التي يحمل جنسيتها باعتباره مواطنًا.
والسبب في هذه المقدمة التعريفية، هو الموضوع الذي يشغل الوسائل الإعلامية المختلفة حول إعلان الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين تأسيس أول نقابة للعمالة المنزلية في البحرين، وهو إعلان ما زال محاطاً بالنقص في المعلومات المتعلقة به، ولكن موضوعه يعد من المواضيع المثيرة للجدل والتي يتوجب الوقوف عندها، نظراً إلى حساسية موضوع العمالة المنزلية ولما ينطوي عليه من تفاصيل كفيلة بأن تثير حفيظة الكثير من المواطنين بسبب ما يعانون من مرارة تتعلق بموضوع العمالة المنزلية بدءًا من رسوم استقدامها المُبالغ فيها والتي تقصم ظهر صاحب الطلب، مروراً بمدى فاعلية العاملة المنزلية وجدّيتها في العمل -مضافاً إلى ذلك بعض ما يثار من مواضيع تتعلق باشتغال فئات متخصصة على هروب العاملة- انتهاء بعملية الهروب نفسها والتي كبّدت الكثير من المواطنين خسارة مبلغ الرسوم الذي لم يكن جمعه سهلاً على ربّ المنزل، بحيث أصبح المواطن حين يٌقدم على تقديم طلب عاملة منزل، كمن يُقدم على القيام بمغامرة لا يعلم ما إذا كان سيربح أو سيخسر فيها.
ولا يعني ذلك أن هناك حالات على النقيض مما ذُكر فتكون عاملة المنزل هي المتضرر، ولكن لا أحد يستطيع أن يُجزم بذلك، وعليه وحتى نكون منصفين يتوجب على الجهة المختصة إجراء دراسة حقيقية ترصد أوضاع العمالة المنزلية وتوضح حجم الأضرار التي تلحق برب العمل والعاملة جراء استقدام العاملة وإعمال عقد توظيفها.
وفي رأيي أن تأسيس نقابة عمالية للعمالة المنزلية يعد تصرفاً مخالفاً للدستور وللقانون على النحو الآتي:
أولاً: نظّمت المادة (27) من دستور مملكة البحرين حرية العمل النقابي والحق في تكوين الجمعيات والنقابات بنصها على أنه: (حرية تكوين الجمعيات والنقابات، على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية، مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، بشرط عدم المساس بأسس الدين والنظام العام. ولا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أي جمعية أو نقابة أو الاستمرار فيه)، ومن المعلوم أن دستور مملكة البحرين من حيث الأصل يخاطب المواطنين فيما يتعلق بالحقوق والواجبات، ولا سيما الحقوق المدنية والسياسية.
ثانياً: من المعلوم أن إنشاء جمعية أو نقابة يكون مرهوناً بالحاجة إلى إنشائها وبالمصلحة المراد حمايتها من تكوينها، وبأن النقابة العمالية تُنشأ من قبل العاملين لدى منشأة معينة أو في قطاع معين أو نشاط محدد بهدف الدفاع عن حقوق ومصالح العمال وتوفير عقود عمل أفضل وظروف عمل ملائمة تتعلق بالأجور وبيئة العمل وضمانات العامل واستقراره الوظيفي، وهذه تنطبق على العمال الذين يعملون في منشآت عمالية قد تتفاوت فيها هذه الضمانات وتختلف فيها عقود العمل، أما العمالة المنزلية فهي عمالة ذات طبيعة خاصة لأنها لصيقة بالأسرة وتعيش نفس الظروف التي تعايشها الأسرة وتحصل على حقوقها وفقا لما نص عليه عقد العمل الموحد الذي يتم إبرامه مع مكتب الاستقدام، وهي تتمتع بنفس ضمانات التقاضي التي كفلها لها القانون وأهمها الإعفاء من رسوم رفع الدعوى والمصاريف القضائية، إذا ما الأسباب التي تستدعي إنشاء نقابة للعمالة المنزلية؟
ثالثاً: إن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين لم يعد يمتلك الصلاحية لاقتراح إنشاء نقابات عمالية جديدة التي نصت عليها الفقرة (ز) من المادة الثامنة من المرسوم بقانون رقم (33) لسنة 2002 بإصدار قانون النقابات العمالية، والتي ألغتها المادة (9) من القانون رقم (4)) لسنة 2006 بتعديل بعض أحكام قانون النقابات العمالية 2002، ويكون الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بتبني إعلان تأسيس أول نقابة للعمالة المنزلية متجاوزاً الصلاحيات الممنوحة له قانوناً.
وفي رأيي أن موضوع العمالة المنزلية بحاجة إلى تشريعات تراعي الموازنة بين حقوق وواجبات طرفيه، لأن الضرر فيه متباين فقد يلحق بالعمالة وقد يلحق بأرباب العمل، بل كثيراً ما يكون الطرف الأخير هو الأكثر تضرراً، فكم من رب عمل يضطر إلى دفع مستحقات العاملة عن فترة عقد عملها مجدداً لأنه لم يوثّق عملية الدفع الشهرية ويحتفظ لنفسه بمستندات تُبرئ ذمته! وكم من رب عمل استجلب العاملة بتحميل نفسه بما لا تطيقه من الأعباء والديون، ثم يثبت أنها لم تأت للعمل معاملة منزل! وكم من عاملة انتظرت مرور فترة الضمان لتهرب في اليوم التالي لانتهائها! وتركت رب العمل في حيص وبيص حول استرداد أمواله التي أصبح لا حق له فيها بسبب انتهاء فترة الضمان!! وكم من عاملة عادت لتثقل كاهل رب العمل مطالبة بتذكرة سفرها بعد أن أمضت سنوات من العمل بشكل غير مشروع وتكسبت طوال هذه الفترة في حين أنها تركت لرب العمل حسرة وعادت لتضاعفها، كل هذا وأكثر.
إذاً من المفترض أن تتضمن التشريعات العمالية حماية لطرفي عقد العمل، ولا تنحاز إلى طرف لأي سبب حتى تضمن مبدأ المساواة بينهما، وحتى تتحقق منها أحد أهم خصائص القاعدة القانونية العامة وهو التجرّد والموضوعية.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك