العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

أحمد الشملان الذي أعرف!

{‭ ‬قد‭ ‬تمر‭ ‬الأيام‭ ‬وقد‭ ‬تفترق‭ ‬الطرق‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر،‭ ‬قد‭ ‬تتباعد‭ ‬الدروب‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬أشخاصا‭ ‬رغم‭ ‬التباعد‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنساهم‭ ‬الذاكرة‭ ‬بل‭ ‬هم‭ ‬يحتلون‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬مضى‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬فيه،‭ ‬وأكثره‭ ‬زهوا‭ ‬لأن‭ ‬القاسم‭ ‬المشترك‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الرفقة‭ ‬كان‭ ‬الوطن‭ ‬وليبقى‭ ‬الوطن‭ ‬مسارا‭ ‬متألقا‭ ‬للكلمة‭ ‬والشعر‭ ‬والفكر‭ ‬وللموقف‭ ‬ولتدفق‭ ‬المشاعر‭ ‬الإنسانية‭ ‬النبيلة‭ ‬وللهم‭ ‬الذي‭ ‬يربض‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬خوفا‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬تطلعا‭ ‬للأجمل‭ ‬فيه‭!‬

أحمد‭ ‬الشملان‭ ‬بسيرته‭ ‬الإبداعية‭ ‬والوطنية‭ ‬النضالية‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬الذين‭ ‬سكنوا‭ ‬الذاكرة‭ ‬والقلب‭ ‬رغم‭ ‬التباعد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬محطات‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬قصائده‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنشر‭ ‬كثيرة‭ ‬مثلما‭ ‬محطات‭ ‬الحوارات‭ ‬الساخنة‭ ‬حول‭ ‬حدث‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬موقف‭ ‬ما‭ ‬كثيرة،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يظلل‭ ‬الرفقة‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الروح‭ ‬النبيلة‭ ‬الصافية‭ ‬والطفولية‭ ‬أحيانا‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬لتشع‭ ‬معها‭ ‬بشكل‭ ‬دائم‭ ‬ابتسامة‭ ‬تعلن‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬من‭ ‬جمالية‭ ‬وصفاء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تجمع‭ ‬يجمع‭ ‬الأصدقاء‭.‬

{‭ ‬كثيرة‭ ‬هي‭ ‬اللقاءات‭ ‬والمناسبات‭ ‬التي‭ ‬جمعتنا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬رفقة‭ ‬وزمن‭ ‬نراهما‭ ‬اليوم‭ ‬بكل‭ ‬صدق‭ ‬لا‭ ‬مجاز‭ ‬فيه،‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬أجمل‭ ‬سنوات‭ ‬الالتحام‭ ‬الإنساني‭ ‬والوطني‭ ‬بين‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬والعائلات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تفرح‭ ‬الفرح‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬مناسبة‭ ‬ما،‭ ‬أو‭ ‬تحزن‭ ‬الحزن‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬مناسبة‭ ‬أخرى،‭ ‬أو‭ ‬تغضب‭ ‬معا،‭ ‬أو‭ ‬تتحلق‭ ‬معا‭ ‬حول‭ ‬ذات‭ ‬الأغنية‭ ‬وذات‭ ‬العزف،‭ ‬ولكأنها‭ ‬كتلة‭ ‬متينة‭ ‬متراصة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المحن‭! ‬متشاركة‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬تراقص‭ ‬القلب‭ ‬مع‭ ‬بهجة‭ ‬المناسبات‭ ‬المفرحة‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬عادة‭ ‬يبقى‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬فارتحالات‭ ‬الوطن‭ ‬وفيه‭ ‬كثيرة‭ ‬ومتنوعة‭ ‬بعضها‭ ‬يعزف‭ ‬لحنا‭ ‬شجيا‭ ‬وآخر‭ ‬يعزف‭ ‬سيمفونية‭ ‬حزن‭ ‬شفيف،‭ ‬وغيرها‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬دروب‭ ‬التلاقي‭ ‬والافتراق‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬بقيت‭ ‬الذاكرة‭ ‬محملة‭ ‬بجمال‭ ‬رحلة‭ ‬ماضية‭ ‬لم‭ ‬يقو‭ ‬القلب‭ ‬رؤية‭ ‬ما‭ ‬عداها‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬اعتبره‭ ‬البعض‭ ‬جحودا‭ ‬لرفقة‭ ‬وصداقة‭ ‬طويلة‭! ‬وربما‭ ‬لمزيج‭ ‬من‭ ‬القلب‭ ‬وخزائن‭ ‬الذاكرة‭ ‬كان‭ ‬مستحيلا‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬الشخص‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬غيبوبة‭ ‬محاطا‭ ‬بالأجهزة‭ ‬ورائحة‭ ‬الغرف‭ ‬المغلقة‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المستشفيات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬الشخص‭ ‬ذاته‭ ‬الفاقد‭ ‬لكل‭ ‬إرادة‭ ‬مليئا‭ ‬بالحياة‭ ‬والإبداع‭ ‬والحركة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أقسى‭ ‬ظروفه‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ارتسامات‭ ‬النبل‭ ‬والفرح‭ ‬مزروعة‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬ولا‭ ‬تفارقه‭!‬

{‭ ‬أحمد‭ ‬الشملان‭ ‬الذي‭ ‬رحل‭ ‬مؤخرا‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬ترك‭ ‬بصمة‭ ‬عميقة‭ ‬وإنسانية‭ ‬عالية‭ ‬مع‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والمثقفين‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬عرفه‭ ‬من‭ ‬قرب‭ ‬مثلما‭ ‬ترك‭ ‬البصمة‭ ‬العميقة‭ ‬ذاتها‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬الوطن‭ ‬وأحلامه‭ ‬وطموحاته‭ ‬وحلق‭ ‬بجناحي‭ ‬قلبه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬كان‭ ‬يأتيه،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬يشارك‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬سجلا‭ ‬ضخما‭ ‬من‭ ‬الائتلاف‭ ‬والاختلاف‭ ‬عرج‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬البحرين‭ ‬والخليج،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعلو‭ ‬أي‭ ‬اختلاف‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬على‭ ‬مجرى‭ ‬القلب‭ ‬الصافي‭ ‬لديه‭ ‬لأن‭ ‬دفء‭ ‬الائتلاف‭ ‬يعلو‭ ‬دائما‭ ‬عنده‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬اختلاف‭ ‬مصحوبا‭ ‬باحتواء‭ ‬إنساني‭ ‬لا‭ ‬يغادره‭ ‬أبدا‭!‬

{‭ ‬ترك‭ ‬خلفه‭ ‬إطلالات‭ ‬إنسانية‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لها‭ ‬وإرثا‭ ‬نضاليا‭ ‬ووطنيا‭ ‬وحقوقيا‭ ‬تم‭ ‬جمعه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جهد‭ ‬كبير‭ ‬بذلته‭ ‬فوزية‭ ‬مطر‭ ‬زوجته‭ ‬وجمعته‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬ألف‭ ‬صفحة‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬سجلت‭ ‬فيه‭ ‬سيرة‭ ‬أحمد‭ ‬الشملان‭ ‬الطويلة،‭ ‬سجلت‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬وفاء‭ ‬تجسد‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬إنجاز‭ ‬جميل‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬ولكأنها‭ ‬كانت‭ ‬الزوجة‭ ‬والصديقة‭ ‬والأم‭ ‬والرفيقة‭ ‬لتسطع‭ ‬إشراقة‭ ‬ذلك‭ ‬الوفاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يزورهم‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬بيته‭ ‬في‭ ‬عراد،‭ ‬ويلمس‭ ‬ذلك‭ ‬الدفء‭ ‬الأزلي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬جفاء‭ ‬المشاعر‭ ‬في‭ ‬أحلك‭ ‬الظروف‭!‬

{‭ ‬رحل‭ ‬أحمد‭ ‬الشملان‭ ‬وبقيت‭ ‬روحه‭ ‬مزروعة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة‭ ‬تحبه‭ ‬كما‭ ‬أحبها،‭ ‬وأهلها‭ ‬الذين‭ ‬عرفوه‭ ‬أحبوه‭ ‬كما‭ ‬أحبهم‭ ‬دون‭ ‬فواصل‭ ‬أو‭ ‬فوارق،‭ ‬لأن‭ ‬صاحب‭ ‬القلب‭ ‬الكبير‭ ‬يستل‭ ‬نعمة‭ ‬المحبة‭ ‬من‭ ‬عروقه‭ ‬ويستقبلها‭ ‬في‭ ‬العروق‭ ‬ذاتها،‭ ‬مصحوبة‭ ‬بارتحالات‭ ‬أخرى‭ ‬هي‭ ‬ارتحالات‭ ‬الوعي‭ ‬خارج‭ ‬أي‭ ‬إطار‭ ‬يعيقه‭ ‬أو‭ ‬يسمم‭ ‬المشاعر‭ ‬به‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬آخرون‭ ‬حين‭ ‬تتصادم‭ ‬الدروب‭ ‬بالرؤى‭ ‬المختلفة‭ ‬سواء‭ ‬حول‭ ‬الوطن‭ ‬أو‭ ‬حول‭ ‬معنى‭ ‬الصداقة‭ ‬أو‭ ‬الرفقة‭ ‬أو‭ ‬الآراء‭ ‬المتضاربة‭.‬

سيبقى‭ ‬أحمد‭ ‬الشملان‭ ‬مشعا،‭ ‬مضيئا‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬التي‭ ‬عرفته‭ ‬ورسمته‭ ‬ليبقى‭ ‬فاردا‭ ‬يديه‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬ليودع‭ ‬الجميع‭ ‬وداع‭ ‬الجسد،‭ ‬فيما‭ ‬تراب‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬وهو‭ ‬يحتويه‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬الأخيرة‭ ‬يبرزه‭ ‬لنا‭ ‬روحا‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬الرحلة‭ ‬معها‭.‬

كل‭ ‬العزاء‭ ‬لرفيقة‭ ‬دربه‭ ‬فوزية‭ ‬مطر‭ ‬ولابنه‭ ‬خالد‭ ‬وابنته‭ ‬سبيكة‭ ‬ولكل‭ ‬ذويه‭ ‬ومحبيه‭ ‬ورفاق‭ ‬دربه،‭ ‬رحمك‭ ‬الله‭ ‬أبا‭ ‬خالد‭.‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا