القراء الأعزاء،
تلعب الصدف دوراً هاماً في حياتنا على جميع الأصعدة، ولعل دورها في الأسبوع الماضي قد انصبّ على موضوع مهنة المحاماة، تلك المهنة الإنسانية الرفيعة المستوى، وهي كذلك بالتأكيد، رُغماً عمن يُشكك في ذمم المحامين ولا يقيم لدورهم وزناً، حتى كاد ابداء الرأي القانوني ينحو نحو المثل الشعبي (اربط صبعك. وكل واحد بينعت لك دوا)، ولكن من الجدير بالذكر بأن إدراك أهمية الاستعانة بالمحامي يعتمد على مستوى الوعي، فكلما ارتفع مستوى الوعي لدى الأشخاص ازداد مستوى إدراكهم لأهمية الرأي القانوني في كل خطوة يخطونها وفي كل قرار يتخذونه ولاسيما الجوهرية منها على صعيد الأسرة والحالة الاقتصادية وابرام العقود وإدارة النزاعات وغيرها.
ويصدف أن يكون الاحتفال بمناسبة يوم المحامي البحريني في الخامس عشر من يونيو لكل عام، فمبارك لجميع المحامين هذا الاحتفاء مع أمنيات التوفيق والسداد لما فيه الخير والصلاح وحفظ حقوق موكليهم والدفاع عنها بكل صدق وأمانة، والارتباط الوثيق بين مهنة المحاماة وبين كليات الحقوق ومخرجاتها يجرّني إلى ما حدث قبل يومين من هذه المناسبة.
فقد كان لوفد من أعضاء مجلس إدارة جمعية الحقوقيين فرصة وشرف الالتقاء بسعادة وزير الشئون القانونية السيد يوسف عبدالحسين خلف في منتصف الأسبوع لبحث أوجه التعاون المشترك تعزيزاً لمبدأ الشراكة المجتمعية بين المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، ولعل أهم موضوعين يجدر تسليط الضوء عليهما هما موضوع تنظيم تخصص القانون في جامعات البحرين، وموضوع الشهادات الاحترافية وأهميتها لفاعلية سوق العمل البحريني.
فالموضوع الأول المتعلق بأعداد طلبة الحقوق (القانون) ممن ما زالوا على مقاعد الدراسة وأعداد الخريجين الذين لم تعد لهم فرص مواتية لاستيعابهم في سوق العمل في مجال تخصصهم، وهو من المواضيع المهمة جداً باعتباره مرتبط بشكل مباشر بالحق في العمل وبالمستوى المعيشي للمواطن.
ومن المعلوم بأن أعداد طلبة كليات الحقوق وخريجيها قد فاق بكثير حاجة سوق العمل بدليل أعداد خريجي الحقوق العاطلين عن العمل إضافة إلى كون البعض منهم قد التحق بالعمل كمدرس لمواد تعليمية في مدارس وزارة التربية والتعليم، بعيداً كل البُعد عن الممارسة المجدية والملائمة لتخصصهم الأصلي والذي دفع الطالب سنوات من عمره بجانب أموال والديه للحصول على مؤهله العلمي.
ونحن هنا أمام مشكلة حقيقية (لأن هناك خريجو تخصصات أخرى يعانون مما يعانيه خريجو كليات الحقوق)، فبما أن سوق العمل لا يستوعب خريجي تخصص ما، فإنه من الواجب على مُتّخذي القرار أن يُعيدوا النظر في استمرار هذا التخصص في الجامعات الوطنية وأن يوقفوا البعثات والمنح وطلبات الدراسة على نفقة الطلبة الخاصة في الخارج، إلى أن يعاود سوق العمل الحاجة لها بعد زمن، بل ويتوجب عليه توجيه مخصصات هذه التخصصات إلى تخصصات أخرى تفي بحاجة سوق العمل، هذا ويُحتسب لجامعة البحرين توجهها إلى تقليل قبول المستجدين من طلبة الكلية وهي خطوة علاجية جزئياً لهذه المشكلة.
ولا يقف هذا الموضوع عند هذا الحد، فيما يتعلق بدراسة الحقوق، بل يمتد إلى الحصول على إجازة المحاماة ومرحلة التدريب بما تتضمنه من تفاصيل، هي في حد ذاتها بحاجة إلى إعادة مراجعة وتدقيق بحيث لا يتم اغراق المهنة بالكم دون مراعاة للكيف.
والموضوع الثاني هو الشهادات الاحترافية وأهميتها لسوق العمل ولا سيما في ظل المتغيرات العصرية والاعتماد على التكنلوجيا الحديثة ومنها الذكاء الاصطناعي، ومن الصدف أيضا أن يكون موضوع الشهادات الاحترافية موضوعاً حواريا قام بتصويره الزميل مشعل الذوادي قبل ثلاثة أشهر، حيث قام بإجراء استفتاء حول أهمية الشهادة الاحترافية وقيمتها، ولا شك بأن الاحتراف مهم جداً في المهنة وبأن وجود شهادة عليه يُعد مفتاحاً لأبواب سوق العمل المتعلقة بها، ومع الأخذ بالاعتبار أهمية الخبرة في هذا الشأن، إلا أن هذا الموضوع يواجه تحدياً كبيراً، يتعلق بضرورة وجود جهة أكاديمية مؤهلة لإصدار مثل هذه الشهادات على أن لا يحصل عليها الفرد إلا بعد أن يجتاز وقتا كافيا من التعليم النظري والعملي بحيث يكتسب العلم والمعرفة والتدريب معاً بلا تهاون، ويكون خلاصة ذلك نيل الشهادة الاحترافية، كما يتعلق أيضا بمصداقية هذه الجهة الاكاديمية وأن لا يكون الكسب المادي هو جُلّ اهتمامها، فقد سئم واقعنا من الحوانيت ومن الجهات غير الموثوقة التي تصدر الشهادات الاكاديمية والاحترافية وتمنح الألقاب العلمية المتخصصة والفخرية مقابل حفنة دولارات لأشخاص لا جهد يُذكر لهم على صعيد العلم أو المعرفة أو الإنسانية، ونأمل أن يكون هناك حراك دولي يوقف مثل هذه الممارسات التي تسيئ للعلم وللشهادات الاكاديمية والاحترافية، بجانب الحراك الوطني يقضي على مثل هذه الظواهر السلبية.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك