العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

مقالات

مدونة مي زيادة
أعراف وآداب الكلام البرلمانية

السبت ١٧ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

للكلامِ‭ ‬أهميةٌ‭ ‬في‭ ‬التواصلِ‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬ولأسلوبِ‭ ‬الكلام‭ ‬أهميةٌ‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬الإقناعِ‭ ‬وتبادلِ‭ ‬الأفكار‭ ‬والآراء‭... ‬لذلك‭ ‬هذّب‭ ‬الدينُ‭ ‬سلوكَنا‭ ‬العام،‭ ‬وعلّمَنَا‭ ‬أهميةَ‭ ‬آدابِ‭ ‬الكلام،‭ ‬كعنصرين‭ ‬رئيسيين‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬أخلاق‭ ‬وشخصية‭ ‬كلِّ‭ ‬فردٍ‭ ‬منا،‭ ‬والتي‭ ‬نتعرف‭ ‬من‭ ‬خلالهما‭ ‬على‭ ‬بعضِنا‭ ‬البعض،‭ ‬فقال‭ ‬تعالى‭ (‬واقصد‭ ‬فِي‭ ‬مشيك‭ ‬واغضض‭ ‬مِن‭ ‬صوتك‭ ‬إِنَّ‭ ‬أَنكَرَ‭ ‬الأصوات‭ ‬لصوت‭ ‬الحمير‭) (‬‮«‬سورة‭ ‬لقمان‮»‬‭ ‬19‭)‬؛‭ ‬جاعلا‭ ‬الخيلاءَ‭ ‬في‭ ‬المشي،‭ ‬ورفعَ‭ ‬نبرة‭ ‬الصوت،‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬السوء؛‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الغرور‭ ‬المكروهةِ‭ ‬في‭ ‬سلوكِ‭ ‬الإنسان،‭ ‬والثاني‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬البهيميَّة‭ ‬المكروهةِ‭ ‬في‭ ‬التواصلِ‭ ‬الإنساني‭.‬

ما‭ ‬يهمنا‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬نبرةَ‭ ‬الصوتِ‭ ‬العالية،‭ ‬التي‭ ‬شبهها‭ ‬قرآنُنا‭ ‬الكريم‭ ‬بصوت‭ ‬الحمير،‭ ‬لا‭ ‬تعدُّ‭ ‬سلوكًا‭ ‬حميدًا‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬وكي‭ ‬يكونَ‭ ‬الإنسانُ‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬التفاهمِ‭ ‬والإقناع‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬علاقاته‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يُجيدَ‭ ‬آدابَ‭ ‬الاستماعِ‭ ‬والحديث،‭ ‬وهما‭ ‬صفتان‭ ‬يدلَّان‭ ‬على‭ ‬مَلَكَةِ‭ ‬الهدوءِ‭ ‬الذهني‭ ‬والنفسي،‭ ‬ومَلَكَة‭ ‬السيطرةِ‭ ‬على‭ ‬الانفعالات‭ ‬المتسرّعة‭.‬

أضعُ‭ ‬هذه‭ ‬المقدمةَ‭ ‬البسيطةَ‭ ‬أمام‭ ‬نوابِنا‭ ‬الكرام‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬بغرفتيه،‭ ‬لربما‭ ‬أتمكنُ‭ ‬من‭ ‬إيصالِ‭ ‬رسالتي‭ ‬نيابةً‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الشعب‭ ‬المستاء‭ ‬من‭ ‬تمثيليات‭ ‬الغضبِ‭ ‬والصراخ‭ ‬التي‭ ‬تتكررُ‭ ‬في‭ ‬جلساتِهم‭ ‬الأسبوعية‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرات‭ ‬والإعلاميين‭... ‬والذي‭ ‬نقترحُ‭ ‬على‭ ‬إدارةِ‭ ‬البرلمان‭ ‬تأهيلَ‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬دوراتٍ‭ ‬تدريبيَّةٍ‭ ‬متخصصة،‭ ‬لتعريفهم‭ ‬على‭ ‬المفاهيمِ‭ ‬الثقافيَّةِ‭ ‬والسلوكيَّةِ‭ ‬اللازمة‭ ‬لأعضاء‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعيَّة،‭ ‬وأن‭ ‬تكونَ‭ ‬دوراتٍ‭ ‬متتالية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الفصول‭ ‬والدورات‭ ‬التشريعيَّة،‭ ‬لأن‭ ‬التكرارَ‭ ‬يُعَلّم‭ ‬‮«‬الشطار‮»‬‭. ‬

إن‭ ‬الحوارَ‭ ‬أو‭ ‬النقاشَ‭ ‬هو‭ ‬‮«‬فنُ‭ ‬إدارة‭ ‬الاختلاف‭ ‬وتوجيهه‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬جيدة‮»‬،‭ ‬لذلك‭ ‬نرجو‭ ‬أن‭ ‬نفيدَ‭ ‬أصحابَ‭ ‬السعادة‭ ‬أعضاءَ‭ ‬سلطتنا‭ ‬التشريعيَّة،‭ ‬والذين‭ ‬يمثلون‭ ‬الشعبَ‭ ‬وكلَّ‭ ‬الدولة،‭ ‬بأهمِّ‭ ‬مواصفاتِ‭ ‬الحديث‭ ‬التي‭ ‬يجبُ‭ ‬الالتزامُ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬البرلمان‭ ‬وخارجه،‭ ‬وفي‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬رحلاتهم‭ ‬البرلمانية،‭ ‬وهي‭: ‬1‭) ‬التفكيرُ‭ ‬قبل‭ ‬الحديث،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬التشاور،‭ ‬لتقدير‭ ‬قيمة‭ ‬ومعنى‭ ‬ما‭ ‬يطرحونه‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬علنًا،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يصبحَ‭ ‬أحدُهم،‭ ‬أو‭ ‬إحداهن،‭ ‬هزوا،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬نسميه‭ ‬بالعامية‭ ‬‮«‬مضحكة‮»‬‭. ‬2‭) ‬إن‭ ‬أهمَّ‭ ‬أدواتِ‭ ‬الحوار‭ ‬هو‭ ‬حسنُ‭ ‬الاستماعِ‭ ‬والإنصات‭ ‬إلى‭ ‬الآخر،‭ ‬والتحكمُ‭ ‬في‭ ‬الانفعال،‭ ‬فنرجو‭ ‬عدمَ‭ ‬التظاهر‭ ‬بالغضب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬لزومَ‭ ‬له‭ ‬أبدًا‭. ‬3‭) ‬استخدامُ‭ ‬نبرةِ‭ ‬الصوت‭ ‬المناسبة،‭ ‬نكرر‭ ‬النبرةَ‭ ‬المناسبة‭ ‬و«ليست‭ ‬العالية‮»‬‭. ‬4‭) ‬الاختلافُ‭ ‬دائمًا‭ ‬هو‭ ‬الدافعُ‭ ‬إلى‭ ‬النقاش‭ ‬بهدفِ‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق،‭ ‬أو‭ ‬تقارب‭ ‬الآراء‭ ‬ووجهات‭ ‬النظر،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬فنرجو‭ ‬تقديرَ‭ ‬الأسباب‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل،‭ ‬وعدم‭ ‬استخدام‭ ‬ألفاظ‭ ‬‮«‬أو‭ ‬أمثال‭ ‬شعبية‮»‬‭ ‬مسيئة‭. ‬5‭) ‬احترام‭ ‬اللغةَ‭ ‬العربية،‭ ‬واختيار‭ ‬الكلمات‭ (‬المترادفات‭) ‬المناسبة‭ ‬واللائقة‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬البرلماني،‭ ‬لبناء‭ ‬أعراف‭ ‬لغوية‭ ‬محترمة‭ ‬لمجلسكم،‭ ‬وللاحترام‭ ‬مقامه،‭ ‬ورأفةً‭ ‬بمسامع‭ ‬المستمعين‭ ‬الذين‭ ‬يتابعون‭ ‬أداء‭ ‬مجلسكم‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭. ‬6‭) ‬احترام‭ ‬الآخر‭ ‬وتجنُب‭ ‬الإهانة‭ ‬والسخرية،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬أسلوبَ‭ ‬الكلام‭ ‬مؤشِّرٌ‭ ‬على‭ ‬بيئةِ‭ ‬المتحدث‭ ‬وتربيته،‭ ‬وشخصيته،‭ ‬فما‭ ‬تقولُه‭ ‬ينعكسُ‭ ‬عليك،‭ ‬وليس‭ ‬العكس،‭ ‬لأن‭ ‬لسانَ‭ ‬الإنسان‭ ‬يشبهه‭. ‬

يا‭ ‬أصحابَ‭ ‬السعادة،‭ ‬أنتم‭ ‬ممثلو‭ ‬الشعب،‭ ‬ومسؤولون‭ ‬أمامه‭ ‬في‭ ‬أدائكم‭ ‬وأقوالِكم‭ ‬ومظاهركم،‭ ‬وأنتم‭ ‬مكشوفون‭ ‬أمام‭ ‬وسائلِ‭ ‬الإعلام،‭ ‬فسلوكُكم‭ ‬لا‭ ‬يمثلكم‭ ‬بل‭ ‬يمثِّلُ‭ ‬الشعبَ‭ ‬البحريني،‭ ‬فلا‭ ‬تسيئوا‭ ‬لهذا‭ ‬الشعبِ‭ ‬الجميل،‭ ‬المؤدب،‭ ‬المتسامح،‭ ‬المسالم،‭ ‬الهادئ‭... ‬وحافظوا‭ ‬على‭ ‬صفاتنا‭ ‬التي‭ ‬تربينا‭ ‬عليها،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جيلا‭ ‬جديدا‭ ‬تربى‭ ‬على‭ ‬تقاليد‭ ‬أفلام‭ ‬الهوليوود‭ ‬التي‭ ‬تعكسُ‭ ‬سلوكياتٍ‭ ‬وأخلاقيات‭ ‬شعبٍ‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬يشبهنا،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نحن‭ ‬شعبٌ‭ ‬عربيٌّ‭ ‬يتحدثُ‭ ‬العربيةَ‭ ‬ونفخرُ‭ ‬بلغتِنا‭ ‬الجميلة،‭ ‬وبنفوسِنا‭ ‬الهادئة،‭ ‬ونرفضُ‭ ‬الشوائبَ‭ ‬السلوكيَّة‭ ‬التي‭ ‬نشاهدها‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬برلماننا‭.‬

للبرلماناتُ‭ ‬غالبًا‭ ‬أعرافٌ‭ ‬متراكمةٌ‭ ‬ومُلزمة‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬أداء‭ ‬الحوارات‭ ‬العامة‭ ‬والأحاديث‭ ‬الخاصة،‭ ‬يعكسُها‭ ‬أداءُ‭ ‬أعضائها،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬داخل‭ ‬صرح‭ ‬البرلمان،‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المحافل‭ ‬العامة،‭ ‬ومن‭ ‬الأجدى‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعيَّة‭ ‬تعريف‭ ‬أعضائها‭ ‬وتدريبهم‭ ‬على‭ ‬بعضٍ‭ ‬من‭ ‬أعراف‭ ‬وآداب‭ ‬الكلام‭ ‬تيَمُنًا‭ ‬ببعض‭ ‬البرلمانات‭... ‬وقد‭ ‬يصعبُ‭ ‬التغييرُ،‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬مَن‭ ‬شبَّ‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬شابَ‭ ‬عليه‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يأسَ‭ ‬مع‭ ‬الحياة‮»‬‭.‬

وهنا‭ ‬أضعُ‭ ‬سؤالي‭ ‬الأزلي،‭ ‬لماذا؟‭.. ‬نعم‭ ‬لماذا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬سنة‭ ‬لم‭ ‬نسمع‭ ‬أو‭ ‬نتعرف‭ ‬على‭ ‬أعراف‭ ‬وآداب‭ ‬الكلام‭ ‬البرلمانيَّة‭ ‬المحترمة‭ ‬في‭ ‬إدارةِ‭ ‬وسير‭ ‬جلسات‭ ‬المناقشة‭ ‬في‭ ‬برلماننا،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬تقاليد‭ ‬الحديث‭ ‬والحوار‭ ‬واللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تشكو‭ ‬حظها‭ ‬في‭ ‬برلمانِنا‭ ‬الموقر؛‭ ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬عملُ‭ ‬تقييمٍ‭ ‬داخلي‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬البرلمان‭ ‬لوضع‭ ‬قواعد‭ ‬لمنع‭ ‬تكرار‭ ‬ظهور‭ ‬نماذج‭ ‬الحوار‭ ‬السيئة‭ ‬والمسيئة،‭ ‬التي‭ ‬نشاهدُها‭ ‬في‭ ‬كلِّ‭ ‬الفصولِ‭ ‬والدورات‭ ‬التشريعية‭ ‬أمام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭.. ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬البعضَ‭ ‬يهتمُّ‭ ‬بمشاهدةِ‭ ‬جلسات‭ ‬البرلمان‭ ‬للترفيه‭ ‬والضحك‭.‬

لماذا؟‭ ‬لا‭ ‬تبالي‭ ‬إدارةُ‭ ‬البرلمان‭ ‬بصناعةِ‭ ‬أعراف‭ ‬للحديث‭ ‬البرلمانيِّ،‭ ‬وتهتمُّ‭ ‬بتدريب‭ ‬النواب‭ ‬عليها،‭ ‬وجعلها‭ ‬إلزاميةً‭ ‬في‭ ‬سلوكِ‭ ‬وممارسات‭ ‬البرلمانيين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬اجتماعاتهم‭ ‬وجلساتهم؟،‭ ‬هل‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬مشكلة‭ ‬إدارة‭ ‬البرلمان‭ ‬معرفية،‭ ‬أم‭ ‬هناك‭ ‬أسباب‭ ‬أخرى؟

بإمكاننا‭ ‬وضع‭ ‬أجوبة‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات،‭ ‬ولكن‭ ‬نفضل‭ ‬لو‭ ‬نستمع‭ ‬إلى‭ ‬المعنيين‭ ‬بها‭.‬

وإلى‭ ‬حين‭ ‬معرفة‭ ‬الرد‭ ‬المقنع‭ ‬على‭ ‬تساؤلاتنا،‭ ‬سيبقى‭ ‬للحديث‭ ‬بقية‭..‬

‭                    ‬مي‭ ‬زيادة‭   ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا