عالم يتغير
فوزية رشيد
هل البشر على طبيعتهم؟!
{ وأنا أقرأ كل يوم عن إحدى حوادث العنف غرباً وشرقاً، والغريب أنه لا يمرّ يوم من دون حوادث مروعّة! ينتشر بعضها، والبعض الآخر يظل في خفاء الدهاليز المعتمة! ينتابني شعور بأن هناك (خللاً حقيقياً أصاب الطبيعة البشرية) وتحديداً في العقود الأخيرة! حيث لم يعد العنف ممارسة خاصة بالمجرمين، وإنما الحوادث تشير إلى «اختلالات عنفية» حتى داخل الأسر، سواء من أمهات تجاه أطفالهن! أو من آباء يقتلون أكثر من واحد من أفراد أسرهم! أو من أبناء يمارسون العقوق بكل أشكاله! أو حوادث متواترة بنمط أكثر عنفية تحدث في أمريكا والغرب، وطلبة مدارس هناك يحوزون الأسلحة، فيقتلون من يصادفهم في المدرسة أو في الشارع أو في مطعم أو في متجر حتى باتت ظاهرة في أمريكا كمثال! وما بين تصاعد آليات العنف لدى البشر في الغرب والشرق، يحاول البعض أن يبرر ما يحدث، بأن الجرائم دائماً كانت موجودة، ولكن الجديد هو (النقل الإعلامي)، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي لها! وقد يكون جزء من هذا التبرير صحيحاً، ولكنه ليس صحيحا بالمطلق، لأن تواتر الجرائم والعنف والانتحار، وبحسب إحصائيات في دول الغرب نفسها قد تصاعدت إلى حدّ كبير، لم تعرفه المجتمعات الغربية، ونضيف اليوم المجتمعات في كل دول العالم كما يحدث الآن!
{ من الواضح أن (ثقافة العنف) بكل مكوناتها وتأثيراتها، التي انزاحت من الغرب إلى الشرق بشكل ممنهج، سواء عبر المنتج الفني في استوديوهات «هوليوود» السبّاقة لنشر تلك الثقافة، أو استوديوهات دول أخرى في الغرب والشرق! باتت تميل معا إلى أفلام العنف المسماة «أكشن» وأفلام الرعب، التي تجول في أروقة المحتويات الكثيرة من رعب الجرائم وغموضها، إلى رعب الأحوال النفسية المريضة، إلى رعب ما يتم تخيله في فضاء التاريخ والأساطير، لنصل إلى المحتويات المنتشرة الأخرى من الألعاب المكرسّة للأطفال، التي تدفع إلى انتحار عدد منهم بين فترة وأخرى! لتصبح «ثقافة العنف» عبر (المنتجات الفنية والدعائية والألعاب) وغيرها، هي الأكثر تأثيراً وسطوة خاصة على عقول الشباب والأطفال، حين تترافق مع انتشار «المخدرات» التي يتم ترويجها بأساليب شيطانية، لتصل حتى إلى طلاب وطالبات المدارس! إلى جانب ما تولّده الحياة المعاصرة من حالات غريبة من توحّد واكتئاب وغربة!
{ الانسياق وراء القيم الماديّة، وإعلاء قيمة المادة فوق كل شيء والرؤية المادية الأحادية والجوفاء للإنسان ولنشوء الحياة، حين تجتمع بموتيفات التأثيرات اليومية الأخرى كالأفلام العنيفة والألعاب وبرامج تعليم العنف والإرهاب في مواقع التواصل الاجتماعي المخصصة لذلك، فإنها حتماً تولد الاختلال والعنف! إلى جانب ما تعانيه الأسر اليوم من تفكك وأحوال صدامية بين الرجل والمرأة، وتكريس ثقافة «الصراع» بينهما فيما التكامل هو الأصل وليس المساواة المطلقة! إلى جانب فرض «القيم والأخلاقيات الشاذة» على مجتمعات العالم! مع مزيج من (التفاوت الطبقي) على المستوى العالمي سواء بين الشعوب أو بين الدول، حيث الشمال الغني والجنوب الفقير، بحيث أصبح الفقر والجهل والمرض والأوبئة المصنعة متوازيات في المجتمعات حتى الفقيرة، مع استخدامات آخر التطورات التكنولوجية! كل ذلك وغيره يولّد (اختلالاً حقيقياً في الطبيعة البشرية الراهنة، التي تنجرف كل يوم مع التفاهة كنظام عالمي، ومع المظاهر، والمصالح المادية الأنانية التي تولّد بدورها حزمة من المظاهر اللاأخلاقية لينتج عن كل ذلك «الخليط» الذي يعايشه البشر اليوم، تأثيرات وانعكاسات سيكولوجية، لا تجعل البشر على طبيعتهم الحقيقية! وخاصة مع الحرب الضروس ضد الدين والقيم والأخلاقيات الدينية، وتكريس «القيم الشيطانية» في كل مناحي الحياة! لكأنها «دورة عكسية» لبيانات التطوّر العلمي والتكنولوجي، الذي يترافق مع الانتكاسة في الطبيعة البشرية! وللأسف، هذا هو حصيلة ما كرّسته «الحضارة الغربية الراهنة»، وأدخلت تأثيراتها على كل شعوب العالم!
{ في مجتمعاتنا العربية والإسلامية إن كنا نسمع يوماً عن حادثة أو فعل إجرامي مجتمعي أو أسري، فإن ذلك يكون بمثابة الصدمة العامة! اليوم نجد أحداث العنف أكثر انتشاراً سواء القتل الجسدي أو القتل المعنوي، أو زنا المحارم، أو الشذوذ، أو الارتداد العقائدي مع تزايد انتشار «الإلحاد» مع التكريس الغربي له في العالم، وكما يفعل مع فرض (فوضاه الأخلاقية) والشذوذ، والتلاعب بالطبيعة الجسدية بخلط الأجناس وتكاثر أنواعها الشاذة! مرة أخرى مع كل هذا (الخليط العجائبي) من التأثيرات المتداخلة على البشر وعلى الشباب خاصة، هل ستبقى الطبيعة البشرية كما كانت، تصارع بين الخير والشرّ في أطرها المعروفة، وهي محصنة بالقيم الدينية والأخلاقيات المجتمعية، وقادرة على التوازن بشكل أو بآخر؟! اليوم تفقد البشرية توازنها المعهود في كل شيء! وتفقد فطرتها وطبيعتها! وتفقد براءتها، بسبب تسلط قيم حضارة غربية على التاريخ البشري، بما وصلت إليه من انحدار قيمي وأخلاقي وتكريس لثقافة العنف! حفظ الله مجتمعاتنا من الشرور!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك