العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

يهددون البشرية وكأن العالم ملكهم!

{‭ ‬‮«‬هنري‭ ‬كيسنجر‮»‬‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬الذي‭ ‬احتفل‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬بعيد‭ ‬ميلاده‭ ‬الـ100،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬يهودية‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬هاجر‭ ‬مع‭ ‬عائلته‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عام‭ ‬1938،‭ ‬وكان‭ ‬عمره‭ ‬15‭ ‬عاماً،‭ ‬صار‭ ‬بعدها‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬حيث‭ ‬اشتهر‭ ‬عالمياً‭ ‬بأنه‭ (‬مهندس‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭) ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬عاصر‭ ‬عقوداً‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والمتغيرات،‭ ‬وكانت‭ ‬بصمته‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬العالم،‭ ‬وإرثاً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬كلماته‭ ‬تجد‭ ‬الآذان‭ ‬الصاغية‭ ‬لدى‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭! ‬فيما‭ ‬الناشطة‭ ‬والمحامية‭ ‬الأمريكية‭ ‬‮«‬إيرينا‭ ‬تسوكرمان‮»‬‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬لها‭ ‬مع‭ ‬قناة‭ ‬‮«‬الحرة‮»‬‭ ‬رأت‭ ‬أن‭ (‬سياسات‭ ‬كيسنجر‭ ‬كانت‭ ‬مدمرة‭ ‬وتسببت‭ ‬في‭ ‬أزمات‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭)! ‬وواجه‭ ‬انتقادات‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬‮«‬اليسار‭ ‬التقدمي‮»‬‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسه‭ ‬‮«‬بيرني‭ ‬ساندرز‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬عن‭ ‬كيسنجر‭ ‬إنه‭ (‬من‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬وزراء‭ ‬الخارجية‭ ‬تدميراً‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭)!‬

{‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬يعتبره‭ ‬كثيرون‭ ‬‮«‬عرّاب‮»‬‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬ومؤسس‭ ‬مدرسة‭ ‬‮«‬الواقعية‭ ‬المتطرفة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بالمثاليات‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية،‭ ‬وإنما‭ ‬بتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬الماسونية،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬حروب‭ ‬إبادة‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬كمبوديا،‭ ‬وحرب‭ ‬فيتنام‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬منها‭ ‬أمريكا‭ ‬مهزومة‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬جرائمها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تأجيج‭ ‬الصراعات‭ ‬والأزمات‭ ‬وصناعتها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العالم‭ ‬لضمان‭ ‬السطوة‭ ‬والهيمنة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬التي‭ ‬يديرها‭ (‬‮«‬المعسكر‭ ‬الصناعي‭ ‬العسكري‮»‬‭) ‬ويجني‭ ‬ثمار‭ ‬تلك‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬عيد‭ ‬ميلاده‭ ‬الـ100،‭ ‬يرى‭ ‬ثعلب‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬معيار‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين،‭ ‬بأنه‭ (‬صراع‭ ‬بين‭ ‬وجهتي‭ ‬نظر‭ ‬مختلفتين‭ ‬للعالم،‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭ ‬ثقافات‭ ‬مختلفة‭ ‬تتنافس‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭)! ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يوضح‭ ‬ما‭ ‬سببته‭ ‬ثقافة‭ ‬وعقلية‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬أضرار‭ ‬وأزمات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ككل‭! ‬وما‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬الصراع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬والعم‭ ‬سام‭ ‬يعتبر‭ ‬الصين‭ ‬عدواً،‭ ‬لأنها‭ ‬تنافس‭ ‬أمريكا‭ ‬اقتصاديا‭! ‬وكأن‭ ‬الهيمنة‭ ‬هو‭ ‬حكر‭ ‬لأمريكا،‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬ينافسها‭ ‬أحد‭ ‬حتى‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬فيتحول‭ ‬إلى‭ ‬عدو‭! ‬يستدعي‭ ‬تفجير‭ ‬صراع‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ (‬يهدد‭ ‬الحضارة‭) ‬الراهنة،‭ ‬بحسب‭ ‬توصيف‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬نفسه‭!‬،‭ ‬والمقصود‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬يهدد‭ ‬البشرية‭ ‬ككل‭ ‬رغم‭ ‬اعترافه‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬آسيا‭ ‬بأن‭ (‬الصين‭ ‬تسعى‭ ‬للأمن‭ ‬وليس‭ ‬للهيمنة‭ ‬العالمية،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬تسعى‭ ‬لتكون‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭)‬،‭ ‬بحسب‭ ‬رأيه‭! ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬النتيجة‭ ‬هي‭ ‬تدمير‭ ‬العالم،‭ ‬إذاً‭ ‬لماذا‭ ‬تؤجج‭ ‬أمريكا‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين،‭ ‬ليؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اندلاع‭ ‬صراع‭ ‬عسكري‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الصين،‭ ‬بما‭ ‬يملكه‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬خطيرة‭ ‬وأسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل؟‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬أمريكا‭ ‬تدعم‭ ‬‮«‬اليابان‮»‬‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ (‬ما‭ ‬بين‭ ‬3‭ ‬و5‭ ‬سنوات‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬الحليف‭ ‬لأمريكا؟‭!‬

{‭ ‬من‭ ‬أسهم‭ ‬أصلاً‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الخارجية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬فلسفة‭ (‬أنا‭ ‬وحدي‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬بعدي‭)! ‬أليس‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬نفسه؟‭! ‬فلماذا‭ ‬وبعد‭ ‬بلوغه‭ ‬المائة‭ ‬عام،‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬وكأنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ (‬ملكية‭ ‬أمريكية‭) ‬يحقّ‭ ‬لها‭ ‬التصرف‭ ‬فيه‭ ‬كما‭ ‬تشاء‭! ‬وتأجيج‭ ‬الصراعات‭ ‬الدولية‭ ‬الخطيرة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬تدمير‭ ‬الحضارة‭ ‬الراهنة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬تدمير‭ ‬العالم‭ ‬والوجود‭ ‬البشري؟‭!‬

{‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬عاشها‭ ‬إنسان،‭ ‬جديرة‭ ‬بأن‭ ‬تجعله‭ ‬ينطق‭ ‬بالحقيقة‭ ‬قبل‭ ‬مغادرته‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬ويعترف‭ ‬بأخطائه‭ ‬‮«‬الرؤيوية‮»‬‭.. ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬إبادات‭ ‬وأشعلت‭ ‬حروباً،‭ ‬وأسست‭ ‬لنزاعات‭ ‬وصراعات،‭ ‬حتى‭ ‬تضمن‭ ‬الشركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الكبرى‭ ‬‮«‬العسكرية‭ ‬والصناعية‮»‬‭ ‬هيمنتها‭ ‬على‭ ‬العالم؟‭!‬

ونتساءل‭: ‬لمن‭ ‬أفنى‭ ‬الثعلب‭ ‬الأمريكي‭ ‬عمره؟‭! ‬هل‭ ‬لمصلحة‭ ‬أمريكا‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬أم‭ ‬لمصلحة‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬العميقة‮»‬،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أثمرته‭ ‬من‭ ‬سياسات‭ ‬خاطئة‭ ‬في‭ ‬العالم؟‭! ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬إلا‭ ‬مجرد‭ (‬ملعب‭ ‬كبير‭) ‬لمن‭ ‬يدير‭ ‬وينفذ‭ ‬السياسات‭ ‬لمصلحته‭ ‬وليس‭ ‬حتى‭ ‬لمصلحة‭ ‬أمريكا‭ ‬أو‭ ‬شعبها‭! ‬ألم‭ ‬يتخلص‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬العمر‭ ‬من‭ ‬‮«‬منظور‭ ‬عنصري‮»‬‭ ‬تجاه‭ ‬البشرية‭ ‬والدول؟‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا