القراء الأعزاء،
من الأحاديث النبوية التي تتكرر دائما هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ومسؤولة عن رعيتها، والولد راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته».
وقد ورَدَ في موسوعة الأحاديث النبوية شرح لهذا الحديث على أنه يعني «كلكم حافظ وأمين على رعيته ومحاسب عليها، فالحاكم مسؤول عن رعيته يوم القيامة، وكذلك الرجل مسؤول عن أهله يأمرهم بطاعة الله وينهاهم عن معصية الله ويقوم عليهم بما لهم من الحق، ومسؤول عن ذلك يوم القيامة، والمرأة راعية على بيت زوجها بما يحفظه وكذلك على الأولاد، وهي مسؤولة عن ذلك يوم القيامة، والعبد حافظ وأمين على مال سيده ومسؤول يوم القيامة عن ذلك، فالجميع مؤتمن وحافظ لما هو قائم عليه ومسؤول يوم القيامة عن ذلك».
والخطاب النبوي الشريف يصلح للمسلمين ولغير المسلمين، وأستند إليه في مقالي لأن دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيها، وعليه فإن كل شخص عامل أو مُكلف بعمل أصبح في موقع مسؤولية وبالأخص في المواقع المرتبطة بمصالح الآخرين فهو محاسب على رعاية وحماية المصالح التي يستهدفها موقعه الوظيفي، ناهيك عن أن كل إنسان موجود على هذه الأرض هو مسؤول من جوانب عدة، عن عمله، عن أسرته وعن علاقاته المختلفة وتصرفاته القانونية وغير القانونية، وعليه الوفاء بمسؤولياته المتعددة بمستوى وبكفاءة تحميه وقت المساءلة عنها يوم القيامة.
والأكيد أن هذا الحديث يتكرر كثيراً هذه الأيام في البحرين مع اشتغال السلطتين التشريعية والتنفيذية على إقرار برنامج الحكومة والموازنة العامة، حيث إن شغل المواطنين الشاغل منها هو موضوع تحسين مستوى معيشة المواطنين، وبالأخص موضوع زيادة رواتب الموظفين وغيره من المسائل التي تصبّ في الشأن ذاته.
ومن المعلوم أن اجتماعات اللجان والسلطتين على قدم وساق للوصول إلى إقرار ميزانية العامين الحالي والقادم إلا أنني يهمني في هذا الصدد التعريج على ممارسات أعضاء مجلس النواب الفردية، حيث يخرج البعض منهم بشكل فردي عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد الاجتماعات لشرح الأوضاع وما لم يستطع تحقيقه من وعود انتخابية، وهو سلوك مقبول نسبياً باعتباره يخاطب به ناخبي دائرته ليوافيهم بجهوده المبذولة -دون تحقيق نتائج تُذكر- ليضمن إعادة انتخابه في المستقبل، ولكن مثل هذا السلوك والتصريحات له دلالات تُنبئ بعدم التنسيق والتوافق بين الأعضاء أنفسهم، في موقع يقتضي التعاون فيما بينهم والاجماع على ما فيه مصلحة المواطن والعمل بروح الفريق الواحد الذي يسعى إلى تحقيق نفس الأهداف، إذ لا شك أنهم على دراية بأن الصوت الواحد لن يكون ذا أثر في القرارات التي يتخذها المجلس وأن النتائج يُحققها اجتماع الأصوات، ولعل تصحيح هذا السلوك قد يكون من خلال تفعيل دور المؤتمرات الصحفية التي تعقب الاجتماعات المهمة ومخاطبة الناخبين من خلالها.
وحيث إن تحسين المستوى المعيشي هو الموضوع الرئيسي الذي يتم تداوله بين الحكومة ومجلسي النواب والشورى، وهو حديث الشارع وهمّه الأكبر، فإنه من المهم الأخذ في الاعتبار أن هذا الموضوع لا يمكن تحقيقه وإغلاق ملفّه عن طريق المساعدات وعلاوات تحسين المستوى المعيشي التي لا تعدو أن تكون عطايا وهبات تبقى دائماً في مهب ريح المنح والمنع تبعاً للمتغيرات الاقتصادية، وقد يتم حجبها تحت أي ظرف، إنما يتحقق التحسين الفعلي بتحسين الأصل والقاعدة، وهو أجر الموظف والعامل أولاً، وتوفير الوظائف للعاطلين من أبنائنا ومن ثم الالتفات إلى مسألة تنظيم الضريبة وتقليص فئات المكلفين بها بحيث تُرفع عن كاهل ذوي الدخل المحدود، يعقبها مكافحة غلاء السلع الأساسية اللازمة للمواطن، ومن ثم إلغاء التدبير التراجعي الذي طال الضمان الاجتماعي الخاص بالمتقاعدين بوقف الزيادة السنوية المستحقة لهم من حيث الأصل بموجب القانون والتي أصبحت مكتسبة بحكم استقرارها بمضي السنوات، ويُعزز ذلك كونها تمثّل جزءا من مال الموظف، وقد تم اقتطاعه من أجره طوال مدة خدمته.
وعليه، وعوداً على ذي بدء وعلى الحديث النبوي الشريف، فإننا في دولة المؤسسات والقانون نأمل من كل راع أن يكون مسؤولاً عن رعيته من خلال استخدام قنواته المقررة له دستوريا، تلك الرعية التي تؤمن بقيادتها وتحب وطنها ولا تبتغي سوى مستوى معيشي يحفظ لها كرامتها الإنسانية ومكانتها التاريخية ويمنحها بعضاً من الفرج وكثيرا من الفرح.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك