عالم يتغير
فوزية رشيد
السادية والمازوخية في العلاقات الدولية!
{ «السادية» و«المازوخية» – هي مفاهيم اصطلاحية يتم استخدامها في التحليل النفسي لوصف حالات بشرية مريضة إما بمرض «السادّية» المرادفة لوصف (تعذيب الآخرين) أو – المازوخية المرادفة لوصف (تعذيب النفس أو الذات)! وكلتا الحالتين تقعان في بؤرة «الاستلاب السيكولوجي» سواء للآخرين أو للذات، بحيث يحتاج كل منهما إلى علاج نفسي فيه حالة من التفاقم، رغم أن كثيرا من البشر مصابون بإحدى الحالتين، حتى دون أن يعرفوا ذلك!
{ ولكن الطريف أن تقتحم تلك المفاهيم المرتبطة بالأمراض السيكولوجية – «عالم السياسة» والعلاقات الدولية! على سبيل المثال تتمادى بعض القوى الدولية، وهي تمارس «ساديتها» على العالم، لترى أن ذلك هو سرّ جاذبيتها! وأن الدول الأخرى، هي «مازوخية» بطبيعتها! وتستمر في ضعفها وتعذيب نفسها أمام من هو أقوى منها! وبالتالي ترى في «سادية» تلك القوة العظمى النموذج الأكثر جاذبية! ليدخل الأمر برمّته في أقصى حدود التطرّف السياسي في العلاقات الدولية! فإن حدث وتمردّ من تم وصمه بالضعف على «سادية» تلك الدولة، فإن ذلك من أحد أهم أسباب ارتباك تلك القوة التي لم تتوقعّ ذلك!
{ تأليه الغرب لنفسه أو ساديته ضد العالم، جعله يرى نفسه منذ قرون أنه وحده «العالم الحرّ» وباقي الدول عبيد! وما بين العالم الحرّ الذي تدعيّه أمريكا لنفسها ومعها قوى أوروبية واستعباد الشعوب وكأنه حق لها! تتشابك اليوم خيوط التشكّل العالمي الجديد، بعيدًا عن أمراض الدول السادّية في العالم أو رُغمًا عنها!
{ كثيرًا ما ردّد «بوتين» ووزير خارجيته «لافروف» بعد أزمة أوكرانيا هذا المعنى (انتهى عالم القطب الواحد الذي يستعبد الآخرين أو يستبعدهم! نريد عالما حرّاً من دون ابتزاز! أمريكا نصبت نفسها كإله على وجه الأرض، من دون أن يترتب عليها أية واجبات)! كل مكان تدخلت فيه بالقوة لم يُنتج الا الدمار! لا ديموقراطية ولا حقوق ولا حريات، إلا حرية الفوضى والإرهاب! تريد من العالم كله أن يستمّد ثقافته وتطورّه وقيمه ومعتقده منها! تريد من دول العالم أن تبني مجتمعاتها وعلاقاتها وصلاتها الدولية من نموذجها المسيطر وتحت ظله!
تريد من الشعوب أن تبني عقولها ونمطها الإنساني والأخلاقي والروحي من فوضاها في كل ذلك! هل يعني هذا شيئًا آخر غير أن هذا النموذج، رغم كل أخطائه وجرائمه، (يؤله نفسه!) ويريد استعباد البشر له بدلا من عبوديتهم لله وحده! إنها «السادّية» في ذروتها، وإنه «المريض الأمريكي» أو «المريض الغربي» الذي يحتاج إلى اللجم!
{ الذي يحدث اليوم أن أغلب العالم يبحث عن الشفاء من تسلط، «المريض الأمريكي – الغربي»! يبحث عن السيادة والاستقلالية والخروج من ضفة الحروب «القهرية» إلى ضفة السلام! يبحث عن العلاقات الدولية السوّية القائمة على التصالح والمصالح المشتركة والتحالف الذي يحترم مبدأ «التكاملية» بين مصالح الدول، ويبحث عن التنمية، وعن عدم التدخلّ في الشؤون الداخلية وفي شكل الحكم والأوضاع الداخلية، وألا تتحوّل شعارات الحرية والحقوق إلى الابتزاز والتسلط! أغلب دول العالم تبحث اليوم عن شراكات ذات مصداقية، من دون شروط أو ابتزاز أو استعلاء أو أجندات لإسقاط الدول والنظم وتقسيمها! العالم بحاجة ماسّة بعد كل مآسي التسلط من بعض القوى الدولية على ثرواته ومصائره، إلى أن يبني (علاقات دولية صحيّة وسليمة) لا «سادية» فيها، ولا «مازوخية»! وهذا ما يتشكل اليوم أمام أعيننا مهما فعل المريض الغربي، وللعرب سيكون حتمًا نصيب في التحوّل العالمي الجديد!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك