عالم يتغير
فوزية رشيد
قمة جدة.. القاطرة العربية في زمن التحولات!
{ حسب تراكم الخبرات فإنه ومنذ زمن لم تعد الشعوب العربية تعوّل كثيراً على قمم الجامعة العربية لأسباب كثيرة، إلا أن «قمة جدة» التي انعقدت الجمعة الماضية، بعد قمة الجزائر بنحو 6 أشهر، جاءت وقد تسلّمت السعودية رئاستها، في ظل تحولات كثيرة شهدتها بلاد الحرمين والمنطقة في السنة الأخيرة تحديداً، وقد انعقدت فيها قمتان كبيرتان، الأولى قمة مع الرئيس الأمريكي «بايدن» وفي ظلها اجتماع عربي، والثانية قمة مع الرئيس الصيني «شي جينبينغ»، وأيضا بحضور عديد من القادة والرؤساء العرب، ولكأن السعودية وضعت نصب عينيها مرحلة التحوّلات العالمية الكبرى، لقيادة المنطقة العربية لاحتلال المكان الذي يليق بها في تلك التحولات، وحسب رؤية ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، حول بناء «شرق أوسط جديد» تكون الأولوية فيه للأمن والتنمية والاقتصاد، وتصفير الصراعات والنزاعات في المنطقة ككل!
{ من هنا يتفاءل الكثيرون، بأن القاطرة العربية في مرحلة التحولات العالمية، لابد أن تصل بدورها إلى محطة الأمان، رغم ما تعرّضت له هذه القاطرة من عراقيل وتعثرات ومخططات نسف وإزالة!، ولكن «الرؤية السعودية الجديدة» التي عملت وتعمل على التمهيد لرؤية عربية جديدة!، وهي تدرك أن الأمن لها قائم على أمن محيطها العربي، وأن التنمية فيها تحتاج بدورها إلى مشاركة تنموية عربية، وأن الازدهار والنهوض العربي مترابطان إلى حدّ كبير، ولذلك لابدّ قبل البدء من نزع فتيل الصراعات والأزمات العربية بأيد عربية، بعيداً عن التدخلات الخارجية، والإرهاب المتمثل في المليشيات الخارجة عن السيطرة، أن يكون الاعتماد على إعادة روح التضامن العربي في إطار مختلف عما سبقه!، وحماية الأمن القومي العربي بفلسفة مختلفة عمّا سبقها! وهذا وغيره ما جاء في بيان «قمة جدّة» الأخير، وفي «إعلان جدة» الذي بدوره ذكرّنا «بإعلان جدّة» سابقاً حين ارتأى «التحالف الرباعي» فتح باب المصالحة والتقارب مع قطر، كبداية لتحولات تلك الرؤية!
{ لابدّ أن هناك كثيرا من العراقيل التي لن تنتهي بسهولة، ولكن هذه القمة التي جاءت في ظل (الاتفاق السعودي/ الإيراني) وإعادة العلاقات، وعودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية، ومشاركة «بشار الأسد» في القمة بعد غياب 12 عاماً، إلى جانب الصراع الدائر في السودان، والملفات العربية الأخرى كالقضية الفلسطينية وإعادة تأكيد مركزيتها كقضية عربية، وحلّها وفق الأسس السلمية والمبادرة العربية، إلى جانب الملف الليبي واليمني، فإن هناك ترابطاً بين كل تلك الملفات، والسعي السعودي إلى وضعها على (جدول التفعيل وإيجاد الحلول العربية لها) بعيداً عن التدخلات الخارجية لأن قضية الأمن والتنمية والازدهار في المنطقة العربية، قائمة على أساس حلّ كل تلك الملفات، إن أراد العرب لنفسهم نهوضاً، واحتلال المكانة اللائقة بهم في خضّم التحولات العالمية، التي لن تنتظر أحداً، إن لم يبادر إلى تقوية نفسه وحلّ مشاكله وصراعاته!
{ والمملكة العربية السعودية، تحتّل اليوم مكان المبادرة، فإنها تدرك أن (التوازن والحياد) في إطار الصراع الدولي القائم بين القوى الكبرى اليوم (أمريكا وأوروبا من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى) إلى جانب أهمية انتهاز الفرصة المتاحة للعرب بعد «الأزمة الأوكرانية» التي غيّرت الكثير من الموازين الدولية!، فإنه لابد للعرب من التقارب في الرؤية، وإن لم يكن الاتفاق والوحدة في الرؤية متاحين حالياً فيما يدور من صراعات وتحديات وتحولات! وعلى أساس إطفاء الحرائق العربية، أولاً، وبما يدخل في رؤية الواقعية السياسية، بعيداً عن الشعارات العاطفية والمشاحنات العربية! لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والبناء عليه، رغم الانتقادات التي تم توجيهها من بعض المعارضة السورية حول عودة سوريا و«بشار الأسد» إلى الجامعة والقمة العربية! ورغم استغراب البعض من حضور الرئيس الأوكراني «زيلينسكي» إلى القمة! ولكن رؤية ولي العهد السعودي بتصفير الصراعات العربية، تتطلب تغيير الرؤية السابقة في التعاطي مع الأزمات العربية والأزمات الدولية المؤثرة على العرب! ماذا نتج وماذا سينتج عن «قمة جدة»، نترك ذلك لوقفة أخرى!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك