عالم يتغير
فوزية رشيد
تركيا والانتخابات الجديدة!
{ متابعون ومحللون في الشأن التركي، وصفوا انتخابات الأحد الماضي أنها كانت مفصلية في تاريخ الجمهورية التركية، وربما الأهم منذ إعلان الجمهورية التركية على يد «مصطفى كمال أتاتورك»، بعد زول الدولة العثمانية! 64 مليونَ تركي توجه منهم ما يقارب 95% شاركوا في التصويت في تلك الانتخابات، لانتخاب (الرئيس الـ13 لتركيا)، وانتخاب برلمان جديد يتنافس فيه 26 حزبا سياسيا على 600 مقعد، فيما انحصر التنافس على الرئيس بين «الرئيس أردوغان» وزعيم المعارضة «كمال كليجدا أوغلو»! وحيث شاركت (النساء والشباب) في التصويت للمرة الأولى، وهم أكثر من نصف الذين يحق لهم التصويت!
{ هي الانتخابات التي تتزامن مع ذكرى مرور(100) عام على حكم أتاتورك، الذي اتجه بتركيا «غربا» بشكل شبه كامل! ويبدو أن رئيس المعارضة المنافس في هذه الانتخابات، لديه ميول أتاتوركية «واضحة»، تبدو المنافسة وكأنها في إحدى صيغها الخفية وكأنها بين تيار أتاتورك وتيار أردوغان! والذي كان بدوره متحالفا مع الغرب بشكل كامل، قبل أن يحاول مؤخراً «التوازن»، في نهجه، وهو الذي قال في زمن أحداث «الخريف العربي». إنه جزء من مشروع الشرق الأوسط الجديد!
وأنا كتبت هذا الموضوع مساء الفرز في الأصوات الأحد الماضي: وبعد أن تم فرز 73، كانت النتيجة 50,91% لأردوغان مقابل 43,22% لـأوغلو! أي إن النتائج رغم تقاربها لا تزال في صالح «أردوغان»، رغم ما صورته استطلاعات واستبانات للرأي في الغرب، أن المعارضة ستكون متقدمة بشكل كبير، وأن «كمال كليجدار أوغلو» سيفوز من الجولة الأولى! ولكأنها استطلاعات تعبر عن تمنيات غربية بفوز المعارضة التي يدعمها الغرب! بعد 20 عاما من حكم «أردوغان» التي شهدت في بعض فصولها (انحيازاً أردوغانياً) للمخطط الغربي في المنطقة العربية، ولاحقته التهمة بأنه كان أحد أدوات هذا المخطط، بدعمه المباشر للإخوان واحتوائهم وما جره ذلك من أحداث في مصر وليبيا تحديداً! ولكن «أردوغان» في السنوات الأخيرة، وبعد النكسات التي أصابت «الإخوان» ومشروعهم في المنطقة، راجع دوره، كما يبدو في المخطط الشرق أوسطي، ليعمل على إصلاح علاقاته مع مصر والسعودية والعرب، بل وليناور في علاقاته مع سوريا وليبيا والعراق!
أما على المستوى الدولي فابتعد مسافة عن أمريكا والغرب لتحدث الخلافات سواء فيما يخص دوره في ملفات الأزمات العربية، أو الاقتراب بشكل واضح من روسيا! وربما هذا التغير السياسي، وإن بدا طفيفا لدى البعض، وحادا لدى البعض الآخر، جعل من «أردوغان» وهو يحكم دولة محورية كتركيا وعضو في حلف «الناتو» يتعرض لكثير من النقد الغربي هذه المرة، الذي بات يميل إلى صناعة أدوات جديدة تحكم تركيا! حتى أن «أردوغان» اتهم أمريكا والغرب مباشرة بأنها وراء انقلاب 2016!
{ لا يهم من سيأتي لحكم تركيا، فالمتابع العربي يهمه الصيغة الجديدة التي يبديها أردوغان أو غيره في إصلاح العلاقات مع الملفات العربية التي كان لتركيا دور في تأجيج أزماتها! مثلما يهمه موقف تركيا من المشاريع الغربية التي تستهدف دولاً في المنطقة العربية!
ويهم الجانب العربي الكف التركي عن التدخلات العسكرية في ليبيا وسوريا والعراق، وقطر بالنسبة إلى الجانب الخليجي! ولأن العالم يتغير ويتحوّل، فإن «التوازن التركي» في ملفات المنطقة العربية، والتوازن في صراع القوى الكبرى ما بين الغرب وروسيا والصين، له انعكاساته أيضاً على الدول العربية التي تؤيد موقف الحياد وتعدّد القطبية في نظام عالمي جديد!
{ المعارضة الموحدة في وجه «أردوغان» بعد 20 عاماً من توليه السلطة، ستواجه بدورها، الملفات الداخلية والملفات الخارجية، سواء ملفات التضخم والاقتصاد التركي وخسارة الليرة التركية أكثر من 60% من قيمتها وهي أهم الملفات الداخلية، أو الملفات الخارجية المتمثلة في العلاقة مع الغرب وروسيا في ظل «الأزمة الأوكرانية» الراهنة! خصوصاً أن التبادل التجاري بين تركيا وروسيا ارتفع إلى 100% في العام الماضي، ما يجعل الحاكم الجديد –أيا كان– مطلوب منه إتقان لعبة التوازن بين الغرب وحلف الناتو وبين روسيا المتطلعة إلى نظام دولي جديد يقف الغرب ضده! وقد يبقى في ظل كل ذلك ملف اللاجئين السوريين في تركيا الذين يبلغ عددهم ما يقارب الـ5 ملايين لاجئ، هو التحدي الكبير أيضاً للرئاسة الجديدة، وربما سبباً للوصول إلى تفاهمات مختلفة مع سوريا! ولأن تركيا دولة محورية فمن المهم أن تعبّر عن استقلالها السياسي عن الأجندات الغربية في المنطقة، إن أرادت تحسين علاقاتها مع العرب وبالتالي تحسين فرص الخروج من أزماتها الاقتصادية!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك