عالم يتغير
فوزية رشيد
طقوس التتويج البريطاني وحجر القدر!
{ تمّ وصف مراسم وطقوس تتويج «الملك تشارلز الثالث» يوم أمس الأول السبت ملكًا للمملكة المتحدة بالتاريخية، لأنها جاءت كأكبر احتفال رسمي تشهده بريطانيا منذ 70 عامًا، حين تمّ تتويج «الملكة إليزابيث الثانية» عام 1953! وجاءت الطقوس متسمة بفخامة يعود تاريخها إلى ألف عام في إطار (تتويج ديني) للملك «تشارلز الثالث» والملكة «كاميلا» في كنيسة وستمنستر في لندن بحضور 2300 مدعو.
ومع مشاركة 4000 من أفراد القوات المسلحة، وموكب كبير رافق العربة الملكية، وبدأت «مراسم إنجليكانية» لتتويج الملك والملكة من كبير أساقفة كانتربري، فيما اصطف عشرات الآلاف من المواطنين على جانبي الطريق المؤدي إلى الكنيسة لمتابعة الموكب الملكي، الذي كان كثير من الأجيال البريطانية شغوفة بمتابعة الحدث الذي اعتبرته تاريخيًا، لأنها لم تشهد أي تتويج ملكي منذ 70 عامًا!
{ والملك «تشارلز الثالث» وهو بعمر 74 عامًا، يعد أكبر ملك بريطاني يضع على رأسه تاج «سانت إدوارد» المصنوع منذ (360 عامًا) أثناء جلوسه على العرش الذي يعود كرسيه إلى القرن الرابع عشر وفي ذات الكنيسة.
تلك الطقوس والمراسم «الدينية» التي استمرت ساعتين، هي طقوس تضرب بجذورها في التاريخ، حيث الشعارات التاريخية من كرات ذهبية، وسيوف مرصعة بالجواهر، وصولجان يحمل أكبر ماسة عديمة اللون في العالم! ولكأنه استعراض لتاريخ التتويج البريطاني منذ (عام 1566)، مع اختلاف واحد وهو حضور ممثلين عن جميع الأديان للمرة الأولى في تاريخ التتويج!
{ «الملك تشارلز الثالث» كباقي ملوك بريطانيا هو الرئيس الفخري لكنيسة إنجلترا أيضًا، ولذلك فإن الطقوس الدينية والتي خالطها طقوس أخرى، لابدّ أن يرافقها أداء اليمين بأن يحكم بالعدل، ليبدأ بعد ذلك طقس أكثر قداسة وهو مسح «رئيس أساقفة كانتربيري» رأس الملك بالزيت المقدس ومسح يديه وصدره بذات الزيت الذي كما هو معتقد أنه تكرس في القدس!
{ تلك الطقوس الدينية أثناء التتويج يخالطها طقوس أخرى (وثنية)، تتعلق بحجر يُسمى «حجر القدر» ولا يعترف أبناء المملكة المتحدة بملك أو ملكة، إذا لم يشاهدوا «حجر القدر» الذي يزن 152 كم قابعًا تحت كرسي العرش إيذانًا بسيادة الملك وسيطرته ونقاء دمه!
(العربية سكاي نيوز) نشرت يوم التتويج تقريرًا مصورًا حول قصة هذا الحجر، الذي أشعل حروبًا وأسقط عروشًا وفتح باب الأساطير!
ولا تكتمل مراسم التتويج الملكي إلا به! فما قصة هذا الحجر؟!
قالوا عنه «وسادة يعقوب» وسمّوه «حجر المصير» و«حجر سكون» و«حجر القدر»! ويرتبط بالكنيسة ويحمل طابع القدسية لدى الرهبان! تلك القدسية تمّ أخذها من «رواية توراتية» تقول إن «النبي يعقوب» اتخذه وسادة له، عند ما غفا وشاهد رؤية مرتبطة بسلم نحو الجنة معروف بسلم يعقوب!
وعند ما صحا من النوم مسح الحجر بالزيت واحتفظ به كذكرى، في إشارة إلى النبوة المتوارثة! ومع مرور الوقت تحكي الرواية كما جاء في تقرير القناة، أن أبناء يعقوب حملوا الحجر إلى «مصر»، ومن هناك أخذه الإسبان معهم إلى «أيرلندا» واستخدمه ملوك اسكتلندا في مراسم التتويج ككرسي لهم واحتفظوا به!
بعدها نسج الناس وتداولوا الأساطير حول هذا الحجر، بأنه ينطق إذا ما جلس فوقه ملك من سلالة ملكية!، بينما يُصاب بالصمت إذا ما اعتلاه متطفل على العرش، ولا يحمل جينات نقية! وتاريخيًا أخذ ملك إنجلترا «إدوارد الأول» الحجر معه عندما غزا اسكتلندا قبل 730 عامًا تقريبًا وسيطر عليها، وحمله إلى «كنيسة وستمنستر» في لندن ووضعه على كرسي العرش إيذانًا بخضوع اسكتلندا للتاج الإنجليزي! وبذلك ظل تقليدًا متوارثًا لجميع الملوك في يوم تتويجهم من بعده، بالرغم من رواية «الرهبان» في دير «سكون» أن الحجر الذي أخذه إدوارد كان (مزيفًا)، سرقوا هذا الحجر من لندن عام 1950، وتسببوا في كسره، ليتم العثور عليه بعد ثلاثة أشهر وببحث مضن، ليتم استخدامه في مراسم تتويج الملكة «إليزابيث الثانية» عام 1953، وهي التي قررت إعادته إلى «كنيسة أدنبرة» الأسكتلندية عام 1996 في ذكرى مرور 700 سنة على نقله إلى لندن، على أن يُستخدم كل مرة في مراسم تتويج بريطانيا، داخل «كنيسة وستمنستر» وعلى ذات الكرسي التاريخي قبل إعادته مجدّدًا إلى أدنبره!
{ هكذا تختلط المراسم «الإنجليكانية» مع أساطير «حجر القدر» الوثنية في طقوس التتويج، رغم انتشار النزعة المادية أو اللادينية في بريطانيا!
ولعلها من مفارقات الغرب هو التشبث بالطقوس والأساطير، في الوقت الذي يشن الحرب على الدين الإسلامي تحديدا، بعد أن تم تحريف التوراة والإنجيل، فيما الطقوس التي لها ألغازها وأسرارها لدى «النخب الماسونية» في الغرب، يرونها ملازمة لكل «التنظيمات السرّية» الخاصة بهم والمنتشرة في الغرب وعالم اليوم، بشعارات لا تدّل على حقيقتها للعامة!
وما بين الدينية واللادينية، وما بين الطقوس والشعارات غير الدينية، يعيش الغرب في مساره الراهن المتسم بتقديس «العلم» تناقضات فكرية ويبدو أنها تكتسب التبجيل في الغرب! فيما هي توصم بالتخلف إن أصرت شعوب أخرى الاحتفاظ بشعائرها وهويتها الدينية، أو بدينها الصحيح الذي هو خاتم الأديان على هذه الأرض! مجرد دعوة إلى التأمل!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك