منذ سنوات عديدة وهناك العديد من المناقشات والمناوشات حول نص المادة 353 من قانون العقوبات، بين مؤيد ومعارض، وعرضت هذه المادة على المجالس التشريعية عدة مرات من أجل إلغائها أو تعديلها أو الإبقاء عليه، ووافق مجلس النواب في منتصف عام 2016 على اقتراح بقانون بإلغاء هذه المادة من قانون العقوبات، ومن ثم قرر مجلس الوزراء إعادة الاقتراح إلى مجلس النواب على هيئة مشروع بقانون في نوفمبر 2016.
ولا يزال هذا الموضوع في أروقة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني، وسبق أن وافقت اللجنة في الفصل التشريعي الأول من هذه الدورة على إلغاء هذه المادة، ثم تراجعت عن قرارها، وأوصت في تقرير آخر بالاكتفاء بتعديل المادة وإعطاء القاضي السلطة التقديرية، وفقاً لكل حالة على حدة، في حين ان الجمعيات النسائية والحقوقية نددت ببقاء هذه المادة، مقررةً أنها ملاذ للجناة ومكافأة لهم، وقال البعض الآخر انها تمثل إهانة للمرأة وانتقاصا من حقوقها، وتعددت الأقاويل حول هذه المادة.
ومن هنا يثور سؤال مهم: هل إعفاء المغتصب من العقوبة -في حال زواجه من الضحية- ملاذ للجاني أم حماية للضحية؟
ولعله يجدر بنا قبل الإجابة عن هذا السؤال ان نعرج قليلاً على نص هذه المادة وندقق فيه جيداً إذ نصت المادة 353 من قانون العقوبات:
«لا يحكم بعقوبة ما على من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة إذا عقد زواج صحيح بينه وبين المجني عليها، فإذا كان قد صدر عليه حكم نهائي قبل عقد الزواج يوقف تنفيذه وتنتهي آثاره الجنائية».
ومن وجهة نظري الشخصية فإن هذه المادة على هذا النحو لا تستدعي كل هذا الجدل وكل هذا التأويل، بقدر ما هي بحاجة الى وضع الضوابط والتوضيح.
وباستقراء نص المادة، يتضح ان المشرع قرر إعفاء الجاني في الجرائم المتعلقة بالاغتصاب والاعتداء على العرض من العقوبة، متى عقد زواج صحيح بين الجاني والمجني عليها، وقصد المشرع من هذه المادة واضح، لكونه يهدف بشكل أساسي إلى حماية المجني عليها من نظرة المجتمع والمحافظة على كيان الأسرة.
والسؤال المهم هنا!!... هل المجني عليها مجبرة على الزواج من الجاني؟ بالطبع لا، فالموضوع له أبعاد كثيرة لا يمكن حصرها في واقعة او اكثر، ولكل واقعة ظروفها الخاصة، وما ينطبق على واقعة لا ينطبق على غيرها.
وعليه فإنه متى وافقت المجني عليها ووليها على الزواج بالجاني، تقررت الحماية لهما، واستفادت المجني عليها من نظرة المجتمع القاسية واستفاد الجاني من الإعفاء حينها، وذلك بغية الحفاظ على كيان الأسرة والسعي لاستمراره.
ويبقى السؤال الذي قد يثور هنا أيضا: ما هو الحل إذا قام الجاني بتطليق المجني عليها بعد الاستفادة من الإعفاء المقرر بنص المادة السالفة الذكر.
مما لا شك فيه أن ذلك الأمر لن يزيد من ضرر المجني عليها، فبعيداً عن العواطف، نجد أن خروج المجني عليها للمجتمع كمطلقة أفضل لها بكثير من خروجها كمغتصبة، كما أنه لا يمكن أن نتصور عقلاً ولا منطقاً زواج المجني عليها في مثل هذه الأحوال بجانٍ لا تربطها به علاقة سابقاً أياً كان نوعها، وبذلك نجد أن قصد المشرع قد تحقق هنا أيضاً في توفير الحماية اللازمة للمجني عليها والمحافظة على كيان الأسرة.
ومع ذلك نحن لسنا مع تلك الفرضية، ولذا الحل الأمثل وضع مزيد من الضوابط حول هذه المادة، حتى يتحقق قصد المشرع في استمرار الحياة الزوجية والتزام الزوج بحسن معاملة زوجته.
ولعل من هذه الضوابط التي قد تساعد في فاعلية تحقيق قصد المشرع، اشتراط قيد زمني لاستمرار الحياة الزوجية بين الطرفين، ومتى وقع الطلاق قبل انقضاء القيد الزمني يحق للمجني عليها تحريك الدعوى الجنائية مجدداً، كما يمكن وضع قيد اخر، وهو التزام الزوج بحسن معاملة زوجته خلال هذه المدة، وإذا ما حصلت المجني عليها على حكم بالتطليق للضرر يكون ذلك بمثابة خروج على القيد ويحق للمجني عليها تحريك الدعوى الجنائية مجدداً، وذلك بالإضافة إلى منح القاضي سلطة تقديرية في تقدير ظروف الدعوى وملابسات الواقعة لمنع حدوث بعض المشاكل وعلى الأخص في حال تعدد الجناة.
وبهذا المقترح وتوفير الضوابط، تتحقق فائدتان، الاولى استمرار الحياة الزوجية بين الطرفين، والثانية ضمان حسن معاملة الزوج لزوجته، وذلك بخلاف الفوائد الأخرى التي تحققها هذه المادة من حماية الأعراض وتحقيق الاستقرار في المجتمع.
ومن جميع ما سبق، يتضح أن المصلحة العامة تقتضي الإبقاء على هذه المادة، وهو أفضل من إلغائها، وإن كان ولا بد، فالتعديل ووضع الضوابط أولى من الإلغاء، لما له من أثر ايجابي في الواقع العملي.
{ المدير التنفيذي للمركز
الدولي الخليجي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك