العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

مقالات

إعفاء المغتصب من العقوبة.. ملاذ للجاني أم حماية للضحية؟!

بقلم: المستشار محمد الذوادي {

الأحد ٠٧ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

منذ‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬وهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناقشات‭ ‬والمناوشات‭ ‬حول‭ ‬نص‭ ‬المادة‭ ‬353‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات،‭ ‬بين‭ ‬مؤيد‭ ‬ومعارض،‭ ‬وعرضت‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬على‭ ‬المجالس‭ ‬التشريعية‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إلغائها‭ ‬أو‭ ‬تعديلها‭ ‬أو‭ ‬الإبقاء‭ ‬عليه،‭ ‬ووافق‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬على‭ ‬اقتراح‭ ‬بقانون‭ ‬بإلغاء‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قرر‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬إعادة‭ ‬الاقتراح‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬مشروع‭ ‬بقانون‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2016‭.‬

ولا‭ ‬يزال‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬لجنة‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬والدفاع‭ ‬والأمن‭ ‬الوطني،‭ ‬وسبق‭ ‬أن‭ ‬وافقت‭ ‬اللجنة‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬التشريعي‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬على‭ ‬إلغاء‭ ‬هذه‭ ‬المادة،‭ ‬ثم‭ ‬تراجعت‭ ‬عن‭ ‬قرارها،‭ ‬وأوصت‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬آخر‭ ‬بالاكتفاء‭ ‬بتعديل‭ ‬المادة‭ ‬وإعطاء‭ ‬القاضي‭ ‬السلطة‭ ‬التقديرية،‭ ‬وفقاً‭ ‬لكل‭ ‬حالة‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬الجمعيات‭ ‬النسائية‭ ‬والحقوقية‭ ‬نددت‭ ‬ببقاء‭ ‬هذه‭ ‬المادة،‭ ‬مقررةً‭ ‬أنها‭ ‬ملاذ‭ ‬للجناة‭ ‬ومكافأة‭ ‬لهم،‭ ‬وقال‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬انها‭ ‬تمثل‭ ‬إهانة‭ ‬للمرأة‭ ‬وانتقاصا‭ ‬من‭ ‬حقوقها،‭ ‬وتعددت‭ ‬الأقاويل‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬يثور‭ ‬سؤال‭ ‬مهم‭: ‬هل‭ ‬إعفاء‭ ‬المغتصب‭ ‬من‭ ‬العقوبة‭ -‬في‭ ‬حال‭ ‬زواجه‭ ‬من‭ ‬الضحية‭- ‬ملاذ‭ ‬للجاني‭ ‬أم‭ ‬حماية‭ ‬للضحية؟

ولعله‭ ‬يجدر‭ ‬بنا‭ ‬قبل‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬ان‭ ‬نعرج‭ ‬قليلاً‭ ‬على‭ ‬نص‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬وندقق‭ ‬فيه‭ ‬جيداً‭ ‬إذ‭ ‬نصت‭ ‬المادة‭ ‬353‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭:‬

‮«‬لا‭ ‬يحكم‭ ‬بعقوبة‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬ارتكب‭ ‬إحدى‭ ‬الجرائم‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬السابقة‭ ‬إذا‭ ‬عقد‭ ‬زواج‭ ‬صحيح‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬المجني‭ ‬عليها،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬صدر‭ ‬عليه‭ ‬حكم‭ ‬نهائي‭ ‬قبل‭ ‬عقد‭ ‬الزواج‭ ‬يوقف‭ ‬تنفيذه‭ ‬وتنتهي‭ ‬آثاره‭ ‬الجنائية‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬الشخصية‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬لا‭ ‬تستدعي‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الجدل‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬التأويل،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬وضع‭ ‬الضوابط‭ ‬والتوضيح‭.‬

وباستقراء‭ ‬نص‭ ‬المادة،‭ ‬يتضح‭ ‬ان‭ ‬المشرع‭ ‬قرر‭ ‬إعفاء‭ ‬الجاني‭ ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالاغتصاب‭ ‬والاعتداء‭ ‬على‭ ‬العرض‭ ‬من‭ ‬العقوبة،‭ ‬متى‭ ‬عقد‭ ‬زواج‭ ‬صحيح‭ ‬بين‭ ‬الجاني‭ ‬والمجني‭ ‬عليها،‭ ‬وقصد‭ ‬المشرع‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬واضح،‭ ‬لكونه‭ ‬يهدف‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬المجني‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬نظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬كيان‭ ‬الأسرة‭.‬

والسؤال‭ ‬المهم‭ ‬هنا‭!!... ‬هل‭ ‬المجني‭ ‬عليها‭ ‬مجبرة‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬الجاني؟‭ ‬بالطبع‭ ‬لا،‭ ‬فالموضوع‭ ‬له‭ ‬أبعاد‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حصرها‭ ‬في‭ ‬واقعة‭ ‬او‭ ‬اكثر،‭ ‬ولكل‭ ‬واقعة‭ ‬ظروفها‭ ‬الخاصة،‭ ‬وما‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬واقعة‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬غيرها‭.‬

وعليه‭ ‬فإنه‭ ‬متى‭ ‬وافقت‭ ‬المجني‭ ‬عليها‭ ‬ووليها‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬بالجاني،‭ ‬تقررت‭ ‬الحماية‭ ‬لهما،‭ ‬واستفادت‭ ‬المجني‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬نظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬القاسية‭ ‬واستفاد‭ ‬الجاني‭ ‬من‭ ‬الإعفاء‭ ‬حينها،‭ ‬وذلك‭ ‬بغية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬كيان‭ ‬الأسرة‭ ‬والسعي‭ ‬لاستمراره‭.‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يثور‭ ‬هنا‭ ‬أيضا‭: ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬إذا‭ ‬قام‭ ‬الجاني‭ ‬بتطليق‭ ‬المجني‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الإعفاء‭ ‬المقرر‭ ‬بنص‭ ‬المادة‭ ‬السالفة‭ ‬الذكر‭.‬

مما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬لن‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬ضرر‭ ‬المجني‭ ‬عليها،‭ ‬فبعيداً‭ ‬عن‭ ‬العواطف،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬خروج‭ ‬المجني‭ ‬عليها‭ ‬للمجتمع‭ ‬كمطلقة‭ ‬أفضل‭ ‬لها‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬خروجها‭ ‬كمغتصبة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتصور‭ ‬عقلاً‭ ‬ولا‭ ‬منطقاً‭ ‬زواج‭ ‬المجني‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأحوال‭ ‬بجانٍ‭ ‬لا‭ ‬تربطها‭ ‬به‭ ‬علاقة‭ ‬سابقاً‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬نوعها،‭ ‬وبذلك‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬قصد‭ ‬المشرع‭ ‬قد‭ ‬تحقق‭ ‬هنا‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬اللازمة‭ ‬للمجني‭ ‬عليها‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬كيان‭ ‬الأسرة‭.‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الفرضية،‭ ‬ولذا‭ ‬الحل‭ ‬الأمثل‭ ‬وضع‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الضوابط‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬المادة،‭ ‬حتى‭ ‬يتحقق‭ ‬قصد‭ ‬المشرع‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬الحياة‭ ‬الزوجية‭ ‬والتزام‭ ‬الزوج‭ ‬بحسن‭ ‬معاملة‭ ‬زوجته‭.‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الضوابط‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تساعد‭ ‬في‭ ‬فاعلية‭ ‬تحقيق‭ ‬قصد‭ ‬المشرع،‭ ‬اشتراط‭ ‬قيد‭ ‬زمني‭ ‬لاستمرار‭ ‬الحياة‭ ‬الزوجية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬ومتى‭ ‬وقع‭ ‬الطلاق‭ ‬قبل‭ ‬انقضاء‭ ‬القيد‭ ‬الزمني‭ ‬يحق‭ ‬للمجني‭ ‬عليها‭ ‬تحريك‭ ‬الدعوى‭ ‬الجنائية‭ ‬مجدداً،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬وضع‭ ‬قيد‭ ‬اخر،‭ ‬وهو‭ ‬التزام‭ ‬الزوج‭ ‬بحسن‭ ‬معاملة‭ ‬زوجته‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المدة،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬حصلت‭ ‬المجني‭ ‬عليها‭ ‬على‭ ‬حكم‭ ‬بالتطليق‭ ‬للضرر‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬بمثابة‭ ‬خروج‭ ‬على‭ ‬القيد‭ ‬ويحق‭ ‬للمجني‭ ‬عليها‭ ‬تحريك‭ ‬الدعوى‭ ‬الجنائية‭ ‬مجدداً،‭ ‬وذلك‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬منح‭ ‬القاضي‭ ‬سلطة‭ ‬تقديرية‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬ظروف‭ ‬الدعوى‭ ‬وملابسات‭ ‬الواقعة‭ ‬لمنع‭ ‬حدوث‭ ‬بعض‭ ‬المشاكل‭ ‬وعلى‭ ‬الأخص‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تعدد‭ ‬الجناة‭.‬

وبهذا‭ ‬المقترح‭ ‬وتوفير‭ ‬الضوابط،‭ ‬تتحقق‭ ‬فائدتان،‭ ‬الاولى‭ ‬استمرار‭ ‬الحياة‭ ‬الزوجية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬والثانية‭ ‬ضمان‭ ‬حسن‭ ‬معاملة‭ ‬الزوج‭ ‬لزوجته،‭ ‬وذلك‭ ‬بخلاف‭ ‬الفوائد‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تحققها‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬الأعراض‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

ومن‭ ‬جميع‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬تقتضي‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المادة،‭ ‬وهو‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬إلغائها،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬بد،‭ ‬فالتعديل‭ ‬ووضع‭ ‬الضوابط‭ ‬أولى‭ ‬من‭ ‬الإلغاء،‭ ‬لما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬ايجابي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العملي‭.‬

 

{ المدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬للمركز

‭ ‬الدولي‭ ‬الخليجي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا