العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إلى متى يستمر النظام الطائفي في العراق؟!

بقلم: فاروق يوسف

الجمعة ٠٥ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

ما‭ ‬بين‭ ‬تجميد‭ ‬تياره‭ ‬السياسي‭ ‬وإعادته‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬يفصل‭ ‬نصف‭ ‬شهر‭ ‬فقط‭. ‬قرر‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أعلن‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الشهر‭ ‬نفسه‭ ‬اعتزاله‭ ‬السياسة‭.‬

كم‭ ‬مرة‭ ‬فعلها‭ ‬في‭ ‬السابق؟‭ ‬كم‭ ‬مرة‭ ‬سيفعلها‭ ‬في‭ ‬المستقبل؟‭ ‬ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يوجه‭ ‬إليه‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬أتباعه‭ ‬والمؤمنين‭ ‬بخطه‭ ‬السياسي‭. ‬أما‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬توَّجوه‭ ‬إماما‭ ‬غائبا‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يعتب‭ ‬عليهم‭. ‬ليس‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬ينتج‭ ‬العراق‭ ‬مجانين‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬لم‭ ‬يتعرف‭ ‬عليها‭ ‬الطب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استولى‭ ‬القراصنة‭ ‬على‭ ‬سفينته‭.‬

العراق‭ ‬دولة‭ ‬يحكمها‭ ‬زعماء‭ ‬مليشيات‭ ‬لا‭ ‬تُخفي‭ ‬ولاءها‭ ‬لدولة‭ ‬أجنبية‭. ‬يوهم‭ ‬مقتدى‭ ‬الآخرين‭ ‬بأنه‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬سواه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المجال‭ ‬الضيق‭. ‬وما‭ ‬يقوله‭ ‬يناقض‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬يزعم‭ ‬مقتدى‭ ‬أنه‭ ‬ضد‭ ‬النظام‭ ‬الطائفي‭. ‬ذلك‭ ‬كلام‭ ‬غير‭ ‬صحيح‭. ‬غير‭ ‬مرة‭ ‬قام‭ ‬مقتدى‭ ‬بإنقاذ‭ ‬ذلك‭ ‬النظام،‭ ‬إما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إجهاض‭ ‬الحراك‭ ‬السياسي‭ ‬الشعبي‭ ‬أو‭ ‬التصدي‭ ‬بالسلاح‭ ‬للمحتجين‭. ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬سلاح‭ ‬مقتدى‭ ‬عن‭ ‬أسلحة‭ ‬الآخرين،‭ ‬فهو‭ ‬موجه‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬النظام‭ ‬وسياساته‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التبعية‭ ‬لإيران‭.‬

حقيقة‭ ‬إن‭ ‬مقتدى‭ ‬هو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المستفيدين‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬المحاصصة‭ ‬الطائفية‭ ‬تؤكدها‭ ‬وقائع‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مقتدى‭ ‬نفسه‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬رواده‭. ‬عبر‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬استولى‭ ‬مقتدى‭ ‬وتياره‭ ‬على‭ ‬وزارات‭ ‬خدمية‭ ‬كانت‭ ‬بؤرا‭ ‬لفساد‭ ‬معلن‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬زيف‭ ‬ادعاءاته‭ ‬بمناهضة‭ ‬الفساد‭. ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬لشهد‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬نهضة‭ ‬تغني‭ ‬العراقيين‭ ‬عن‭ ‬هدر‭ ‬أموالهم‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬والهند‭ ‬وإيران‭ ‬طلبا‭ ‬للعلاج‭. ‬كانت‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬بكل‭ ‬منشآتها‭ ‬بيده‭ ‬دائما‭.‬

السؤال‭ ‬الأبرز‭ ‬هو‭ ‬‮«‬من‭ ‬أين‭ ‬تتدفق‭ ‬الأموال‭ ‬على‭ ‬مقتدى‭ ‬وتياره‭ ‬ومَن‭ ‬يزود‭ ‬مليشياته‭ ‬بالسلاح؟‮»‬‭.‬

اللعبة‭ ‬التي‭ ‬لعبها‭ ‬مقتدى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الظهور‭ ‬بلباس‭ ‬ولغة‭ ‬المعارض‭ ‬هي‭ ‬لعبة‭ ‬سمجة‭ ‬ولا‭ ‬يصدقها‭ ‬مَن‭ ‬هو‭ ‬جاهل‭ ‬أو‭ ‬مستفيد‭ ‬منها‭. ‬وعلى‭ ‬الطرفين‭ ‬تقف‭ ‬الملايين‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬‮«‬الزعيم‭ ‬الشيعي‭ ‬الشاب‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬ينفق‭ ‬دينارا‭ ‬عراقيا‭ ‬واحدا‭ ‬على‭ ‬التعليم‭. ‬فهو‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬جهله‭ ‬السياسي‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬مستوياته‭ ‬سيكون‭ ‬الوسيلة‭ ‬التي‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬عمليات‭ ‬التضليل‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭.‬

لقد‭ ‬قيل‭ ‬إنه‭ ‬انزعج‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬البعض‭ ‬تتويجه‭ ‬إماماً‭ ‬غائباً،‭ ‬أي‭ ‬المهدي‭ ‬المنتظر‭. ‬وهو‭ ‬كلام‭ ‬فيه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التضليل‭. ‬ذلك‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أذرع‭ ‬وأجهزة‭ ‬مقتدى‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬راء‭ ‬إشاعة‭ ‬تلك‭ ‬النظرية‭ ‬التي‭ ‬خطط‭ ‬مسبقا‭ ‬لأن‭ ‬يتبرأ‭ ‬منها‭. ‬كل‭ ‬الحكايات‭ ‬التي‭ ‬لُفقت‭ ‬حوله‭ ‬هي‭ ‬وسائل‭ ‬لسرقة‭ ‬الزمن‭ ‬وإلهاء‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬عن‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬جوهر‭ ‬واقعه‭.‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬الإفقار‭ ‬والتجهيل‭ ‬والعمى‭ ‬والفوضى‭ ‬وضياع‭ ‬الهدف‭ ‬وضعف‭ ‬القيم‭ ‬وشيوع‭ ‬الكراهية‭ ‬وتفشي‭ ‬الفساد‭ ‬وسواها‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬هبطت‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭. ‬فلو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الطبقة‭ ‬الفاسدة‭ ‬لما‭ ‬مولت‭ ‬الدولة‭ ‬مشروعه‭ ‬المتخلف،‭ ‬ولا‭ ‬أصدرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عقوبات‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬حركته،‭ ‬ولأمرت‭ ‬إيران‭ ‬أتباعها‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬بأن‭ ‬يقدموه‭ ‬إلى‭ ‬المحاكم‭ ‬وفي‭ ‬ذمته‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬ملفات‭ ‬الفساد‭ ‬وجرائم‭ ‬القتل‭.‬

هناك‭ ‬وثائق‭ ‬وأفلام‭ ‬كثيرة‭ ‬تدين‭ ‬مقتدى‭ ‬بسبب‭ ‬مساهمته‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬العراقيين‭ ‬في‭ ‬سنتي‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬وما‭ ‬بعدهما‭. ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬تلك‭ ‬الملفات‭ ‬لأن‭ ‬مقتدى‭ ‬هو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مفاتيح‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬أقامها‭ ‬الأمريكان‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وتولت‭ ‬إيران‭ ‬رعايتها‭ ‬والإشراف‭ ‬عليها‭.‬

لذلك‭ ‬فإن‭ ‬دورة‭ ‬حياة‭ ‬الصدر‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬يتجاذبها‭ ‬غيابه‭ ‬وحضوره‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬لعبة،‭ ‬يُراد‭ ‬منها‭ ‬إطالة‭ ‬عمر‭ ‬النظام‭ ‬الطائفي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬البقاء‭ ‬طويلا‭ ‬بسبب‭ ‬مخالفته‭ ‬لشروط‭ ‬وعناصر‭ ‬وأسباب‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭.‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬مقتدى‭ ‬ينفخ‭ ‬الروح‭ ‬في‭ ‬جثة‭ ‬هامدة،‭ ‬ستبقي‭ ‬العراق‭ ‬دولة‭ ‬فاشلة‭ ‬وشعبا‭ ‬مغيبا‭ ‬وإرادة‭ ‬وطنية‭ ‬عاجزة‭. ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬مقتدى‭ ‬وما‭ ‬يفعله‭ ‬الآن‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬تزجية‭ ‬الوقت‭ ‬لينعم‭ ‬الفاسدون‭ ‬بأطول‭ ‬وقت‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬التمتع‭ ‬بخيرات‭ ‬العراق،‭ ‬ويلتهم‭ ‬الفساد‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يلتهم‭ ‬من‭ ‬النفوس‭ ‬والضمائر‭ ‬والقيم‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬وليتحول‭ ‬العراق‭ ‬أكثر‭ ‬وقت‭ ‬ممكن‭ ‬إلى‭ ‬مستنقع‭ ‬للفساد‭ ‬المدعوم‭ ‬بجهل‭ ‬أسطوري‭.‬

وأخيرا‭ ‬أقول‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬نموذج‭ ‬مقتدى‭ ‬وُجد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬العراق‭ ‬لشعر‭ ‬الشعب‭ ‬بالعار‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬فيه‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحتم‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬أن‭ ‬ينهي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أسوأ‭ ‬فقرات‭ ‬التهريج‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا