العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الأزمة السودانية ومخططات تقسيم الدول العربية

بقلم: عاطف أبو سيف

الأربعاء ٠٣ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

ربما‭ ‬تأخر‭ ‬الصراع‭ ‬قليلاً‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬مؤكداً،‭ ‬وكان‭ ‬يمكن‭ ‬قراءة‭ ‬وتوقع‭ ‬حدوثه‭ ‬من‭ ‬البداية؛‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لدولة‭ ‬أن‭ ‬يحكمها‭ ‬جيشان‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬المسميات‭. ‬وما‭ ‬كان‭ ‬وشيكاً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬تفاديه‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬منع‭ ‬وقوعه،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تأخير‭ ‬التصادم‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬المناسبة‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬اقتتال‭ ‬داخلي‭ ‬وانعكاس‭ ‬لحالة‭ ‬القوة‭ ‬وتصارعها‭ ‬داخل‭ ‬بلد‭ ‬مزقته‭ ‬الحروب‭ ‬الأهلية‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬واقتطعت‭ ‬جزءاً‭ ‬مهمًّا‭ ‬منه‭ ‬ليصبح‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة،‭ ‬أقصد‭ ‬جنوب‭ ‬السودان،‭ ‬وربما‭ ‬تقود‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬اقتطاع‭ ‬أجزاء‭ ‬أخرى،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬فستقود‭ ‬حتماً‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الترهل‭ ‬والتمزق‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬السودانيةً‭.‬

يصعب‭ ‬تخيل‭ ‬حل‭ ‬للمشكلة‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬تفاهمات‭ ‬هشة‭ ‬بدورها‭ ‬ستنهار‭ ‬لاحقاً،‭ ‬كما‭ ‬يصعب‭ ‬تخيل‭ ‬الحسم‭ ‬النهائي‭ ‬للصراع‭ ‬لصالح‭ ‬قوة‭ ‬محددة‭. ‬وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬التقاسم‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬لن‭ ‬يصمد‭ ‬طويلاً،‭ ‬وستكون‭ ‬له‭ ‬تبعات‭ ‬أكثر‭ ‬حدة‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬أنهكتها‭ ‬الحروب‭ ‬والأزمات‭ ‬الداخلية‭ ‬والصراعات‭ ‬المناطقية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الثمن‭ ‬الذي‭ ‬سيتم‭ ‬دفعه‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬الحل‭ ‬سيكون‭ ‬كبيراً‭ ‬وسيراكم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬للأزمات‭ ‬الموجودة‭ ‬لا‭ ‬لشيء،‭ ‬ولكن‭ ‬لأن‭ ‬بنية‭ ‬وهيكلية‭ ‬الدولة‭ ‬أصابها‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التصدع‭ ‬مع‭ ‬تفجر‭ ‬الحالة‭ ‬العربية‭ ‬الراهنة،‭ ‬فيما‭ ‬بات‭ ‬يعرف‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ربيعاً‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬عربياً‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬النتائج‭.‬

ملاحظة‭ ‬واجبة‭ ‬هنا،‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬التصادم‭ ‬عربياً،‭ ‬فبعض‭ ‬الأطراف‭ ‬التي‭ ‬حاولت‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬أوضاع‭ ‬عربية‭ ‬بدعوى‭ ‬دعم‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬وثوراته‭ ‬رجعت‭ ‬خطوات‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬تسير‭ ‬نحو‭ ‬الصراع‭ ‬أو‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحاول‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬مجرى‭ ‬الأحداث‭ ‬باتت‭ ‬تدرك‭ ‬خطورة‭ ‬ذلك‭ ‬وصارت‭ ‬أكثر‭ ‬وعياً‭ ‬وقومية‭ ‬في‭ ‬توجهاتها،‭ ‬لأنها‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مصالحها‭ ‬الحقيقية‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أو‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لذلك‭ ‬قررت‭ ‬الانكفاء‭.‬

عموماً،‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬يمر‭ ‬بمرحلة‭ ‬انكفاء‭. ‬وربما‭ ‬أسهمت‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬الانكفاء‭ ‬وكشفت‭ ‬عورات‭ ‬العضلات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المزعومة‭ ‬حول‭ ‬حماية‭ ‬الحلفاء‭ ‬وقت‭ ‬الضيق‭. ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬كشف‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬سيدافع‭ ‬عن‭ ‬أحد‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬سيدفع‭ ‬فاتورة‭ ‬أحد‭.‬

كل‭ ‬دولة‭ ‬تقوم‭ ‬بما‭ ‬تمليه‭ ‬عليها‭ ‬مصلحتها‭ ‬كي‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬القادمة،‭ ‬والأفضل‭ ‬ألا‭ ‬تقوم‭ ‬بأي‭ ‬حرب‭ ‬بالوكالة‭ ‬عن‭ ‬واشنطن‭ ‬ودفاعاً‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬ثرواتها‭ ‬وخيراتها‭. ‬

ما‭ ‬يقترحه‭ ‬هذا‭ ‬التحليل،‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬السوداني‭ ‬لن‭ ‬يجد‭ ‬ما‭ ‬يغذيه‭ ‬عربياً‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬ثمة‭ ‬توجهات‭ ‬عربية‭ ‬لاحتواء‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬سلسلة‭ ‬المصالحات‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬وطالما‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬ما‭ ‬ومن‭ ‬يغذيه،‭ ‬فإن‭ ‬الصراع‭ ‬سيظل‭ ‬محدوداً‭ ‬ضمن‭ ‬نطاق‭ ‬التوترات‭ ‬السودانية‭.‬

وبذات‭ ‬القدر،‭ ‬فإن‭ ‬التدخل‭ ‬لحسمه‭ ‬أيضاً‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بطيئا،ً‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬إذ‭ ‬صار‭ ‬له‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسابيع‭.‬

يبدو‭ ‬الجميع‭ ‬غير‭ ‬مهتم‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬الحرائق،‭ ‬لكن‭ ‬أيضاً‭ ‬التدخل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إخماد‭ ‬المشتعل‭ ‬منها‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مكلفاً‭ ‬أيضاً،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬التدخل‭ ‬الحذر‭ ‬سيلازم‭ ‬المواقف‭ ‬العربية‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقع‭ ‬المحظور‭.‬

ربما‭ ‬غير‭ ‬المفاجئ‭ ‬طبعاً‭ ‬هو‭ ‬محاولات‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬التوسط‭ ‬لإنهاء‭ ‬الصراع‭. ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬جملة‭ ‬أشياء‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬ذكرها‭ ‬والتنويه‭ ‬لها‭. ‬فهو‭ ‬يعني‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬قوة‭ ‬حضور‭ ‬مصالح‭ ‬المتخاصمين‭ ‬عند‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬ومدى‭ ‬ما‭ ‬يربطها‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬معهما‭. ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬هو‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬الأصدقاء‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يستفيد‭ ‬طرف‭ ‬ثالث‭ ‬مما‭ ‬يجري‭.‬

‭ ‬عموماً،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬مفاجئاً‭ ‬لكنه‭ ‬عكس‭ ‬بقوة‭ ‬وضعية‭ ‬الحالة‭ ‬العربية‭ ‬الراهنة‭. ‬تذكرون‭ ‬قتال‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬فلسطين‭ ‬وشواهد‭ ‬بطولاته‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ينساها‭ ‬شعبنا،‭ ‬وربما‭ ‬منطقة‭ ‬السودانية‭ ‬على‭ ‬شاطئ‭ ‬شمال‭ ‬غزة‭ ‬قبالة‭ ‬جباليا‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬الأدلة‭.‬

بقي‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬هو‭ ‬استمرار‭ ‬لمشروع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الكبير‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬صدفة‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬أسهم‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬تردي‭ ‬الحالة‭ ‬العربية‭ ‬وربما‭ ‬كانت‭ ‬الموجة‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬‮«‬سايكس‭ - ‬بيكو‮»‬‭ ‬التي‭ ‬عنت‭ ‬تمزيق‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬دول،‭ ‬والآن‭ ‬ومنذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬يتم‭ ‬تمزيق‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬مواصلة‭ ‬الاستمرار‭. ‬

السودان‭ ‬دفعت‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬أرضها‭ ‬بانفراط‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‭ ‬منها،‭ ‬ولم‭ ‬تهدأ‭ ‬الحالة‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة،‭ ‬وربما‭ ‬لن‭ ‬تشهد‭ ‬الاستقرار‭ ‬لأعوام‭ ‬قادمة‭. ‬والهدف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية‭ ‬هو‭ ‬انهيار‭ ‬الدولة‭ ‬القُطرية‭ ‬العربية‭ ‬وتراجع‭ ‬مكانة‭ ‬العرب‭ ‬عالمياً‭. ‬لا‭ ‬مستفيد‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭. ‬

عموماً،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬صحوة‭ ‬عربية‭ ‬حقيقية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬لملمة‭ ‬الحالة‭ ‬العربية‭ ‬والنهوض‭ ‬بالواقع‭ ‬العربي‭. ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬قبل‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬استمرار‭ ‬حالات‭ ‬المصالحة‭ ‬العربية‭ ‬وترميم‭ ‬البيت‭ ‬العربي‭ ‬المعروف‭ ‬بالجامعة‭ ‬العربية‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬جامعة‭ ‬وبيتاً‭ ‬حقيقياً‭ ‬للعرب‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تنقسم‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬إلى‭ ‬دولتين‭ ‬أو‭ ‬ثلاث‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا