العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دور التدخل الخارجي في الأزمة السودانية

بقلم: د. عمرو الشوبكي

الاثنين ٠١ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

استسهل‭ ‬البعض‭ ‬تفسير‭ ‬المواجهات‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬واختزلها‭ ‬في‭ ‬‮«‬التدخل‭ ‬الخارجي‮»‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المواجهات‭ ‬سببها‭ ‬الأساسي‭ ‬داخلي،‭ ‬نتيجة‭ ‬سوء‭ ‬إدارة‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬وأخطاء‭ ‬جسيمة‭ ‬ارتكبها‭ ‬الجميع‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬هشاشة‭ ‬الوضع‭ ‬الداخلي‭ ‬والصراع‭ ‬المسلح‭ ‬الحادث‭ ‬الآن‭ ‬سيشجع‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬والإقليمية‭ ‬على‭ ‬التدخل،‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬بغرض‭ ‬إذكاء‭ ‬الصراع،‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنهائه‭ ‬لصالح‭ ‬الطرف‭ ‬الذي‭ ‬تدعمه‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭.‬

يقينا‭ ‬التدخل‭ ‬الخارجي‭ ‬حاضر‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬الدولية،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬العربية‭ ‬أتى‭ ‬لاحقا‭ ‬أو‭ ‬نتيجة‭ ‬للأزمة‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬تشجع‭ ‬الأطراف‭ ‬الخارجية‭ ‬على‭ ‬التدخل،‭ ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬تدخلها‭ ‬‮«‬غير‭ ‬حميد‮»‬‭ ‬وتُعقّد‭ ‬الوضع‭ ‬ولا‭ ‬تحله‭.‬

فبعد‭ ‬تجارب‭ ‬مريرة‭ ‬وفاشلة‭ ‬للتدخل‭ ‬الخارجي‭ ‬السافر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬مثلما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وكانت‭ ‬نتائجه‭ ‬كارثية‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬عدلت‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية،‭ ‬خاصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬من‭ ‬أدواتها،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬حريصةً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تصنع‭ ‬بنفسها‭ ‬أي‭ ‬تغيير،‭ ‬إنما‭ ‬تجعله‭ ‬لا‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬الكونية‭ ‬ولا‭ ‬يمثل‭ ‬تهديداً‭ ‬لأمن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أما‭ ‬التفاصيل‭ ‬فلم‭ ‬تعد‭ ‬تعنيها‭ ‬كثيراً‭ ‬وتركتها‭ ‬للفاعلين‭ ‬المحليين‭.‬

ولذا‭ ‬فإن‭ ‬الثورة‭ ‬السودانية‭ ‬كانت‭ ‬نتاج‭ ‬عوامل‭ ‬داخلية‭ ‬بالأساس،‭ ‬وأن‭ ‬تعثر‭ ‬مسارها‭ ‬الانتقالي‭ ‬كان‭ ‬أساساً‭ ‬بسبب‭ ‬أداء‭ ‬قوى‭ ‬الداخل‭ ‬وأخطاء‭ ‬جسيمة‭ ‬وقع‭ ‬فيها‭ ‬المكونان‭ ‬المدني‭ ‬والعسكري،‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭.‬

لقد‭ ‬عرف‭ ‬السودان‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أطول‭ ‬التجارب‭ ‬الانتقالية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ (‬4‭ ‬سنوات‭ ‬تم‭ ‬تمديدها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭  ‬عقب‭ ‬الاتفاق‭ ‬الإطاري‭ ‬سنتين‭)‬،‭ ‬رُحلت‭ ‬القضايا‭ ‬الجوهرية‭ ‬مثل‭ ‬توحيد‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية،‭ ‬وانشغلت‭ ‬بالتوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاقات‭ ‬‮«‬الأمر‭ ‬الواقع‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬المواءمة‭ ‬بين‭ ‬الجيش‭ ‬والدعم‭ ‬السريع‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والمحاصصة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهى‭ ‬صيغة‭ ‬كانت‭ ‬حبلى‭ ‬بالتناقضات‭ ‬التي‭ ‬تفجرت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مبعوثا‭ ‬أمميا‭ ‬للسودان،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬واليمن،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬حلها‭ ‬أيضاً،‭ ‬وهناك‭ ‬دور‭ ‬للرباعية‭ ‬في‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬المكونات‭ ‬المختلفة‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬نجاحاً‭ ‬ملموساً‭ ‬نتيجة‭ ‬عمق‭ ‬الخلافات‭ ‬الموجودة‭ ‬بينها،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬حضور‭ ‬الخارج‭ ‬كان‭ ‬تالياً‭ ‬للتفاعلات‭ ‬الداخلية‭.‬

يقيناً‭ ‬الخارج‭ ‬ليس‭ ‬حَمَلاً‭ ‬وديعاً،‭ ‬والدول‭ ‬لا‭ ‬تُدار‭ ‬بمنطق‭ ‬الجمعيات‭ ‬الخيرية،‭ ‬إنما‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬بأدوات‭ ‬ناعمة‭ ‬بالأساس‭ ‬وخشنة‭ ‬إذا‭ ‬اضطرتها‭ ‬الظروف،‭ ‬وأنها‭ ‬تنتظر‭ ‬عادة‭ ‬هشاشة‭ ‬الوضع‭ ‬الداخلي‭ ‬لتدخل‭ ‬فيه‭.‬

ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬دوافعه‭ ‬الأساسية‭ ‬داخلية،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المواجهات‭ ‬ستُعظم‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬التدخل‭ ‬الخارجي،‭ ‬وستزيد‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬المتربصين‭ ‬بالبلد،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬أطرافاً‭ ‬كانت‭ ‬مستبعدة‭ ‬من‭ ‬المسار‭ ‬الانتقالي،‭ ‬مثل‭ ‬روسيا‭ ‬والصين،‭ ‬ستسعى‭ ‬عقب‭ ‬تفجر‭ ‬الوضع‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬السودانية،‭ ‬وهي‭ ‬كلها‭ ‬أمور‭ ‬لا‭ ‬تُنبئ‭ ‬بخير‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬وعى‭ ‬طرفا‭ ‬النزاع‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬حل‭ ‬إلا‭ ‬بالجلوس‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬بشروط‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭.‬

{ كاتب‭ ‬وباحث‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا