العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الرؤية السعودية 2030 والنهوض بالتعليم الأهلي.. كليات عنيزة مثالا (1)

بقلم: د. أسعد حمود السعدون {

الأحد ٢٣ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

تشير‭ ‬التجارب‭ ‬التنموية‭ ‬الناجحة‭ ‬المعاصرة‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬نهضتها‭ ‬وبلوغ‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬تقدم‭ ‬وتميز،‭ ‬فالتعليم‭ ‬بمختلف‭ ‬مراحله‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬المحركات‭ ‬التنموية‭ ‬المستدامة‭ ‬المهمة،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي،‭ ‬فهو‭ ‬منطلق‭ ‬الإبداع‭ ‬وموئل‭ ‬المعرفة‭ ‬وركيزة‭ ‬بناء‭ ‬القادة‭ ‬والمبدعين،‭ ‬منه‭ ‬وفيه‭ ‬تترسخ‭ ‬سياسات‭ ‬الإصلاح‭ ‬وتتجذر‭ ‬مبادئه،‭ ‬وتمتد‭ ‬وتتفاعل‭ ‬علاقاته‭ ‬التشابكية‭ ‬مع‭ ‬القطاعات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬والخدمية‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬فلا‭ ‬قوة‭ ‬ولا‭ ‬تأثير‭ ‬حيوي‭ ‬للإصلاح‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يبدأ‭ ‬بإصلاح‭ ‬التعليم،‭ ‬لأنّ‭ ‬إصلاحه‭ ‬فيه‭ ‬صلاح‭ ‬للحاضر‭ ‬والمستقبل،‭ ‬به‭ ‬يتعزز‭ ‬أمن‭ ‬الوطن‭ ‬ويتماسك‭ ‬بناؤه‭ ‬واستقراره‭ ‬وسلمه‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتصقل‭ ‬الثقافة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتعمم‭ ‬مدركاتها‭ ‬التشاركية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬عوامل‭ ‬التفتيت‭ ‬والتجزئة‭ ‬التي‭ ‬تنمو‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬الجهل‭ ‬والتخلف‭. ‬فالتقدم‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬العلم‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والتقنية،‭ ‬بابه‭ ‬التعليم،‭ ‬حيث‭ ‬تعد‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬العالي‭ (‬المعاهد‭ ‬والجامعات‭) ‬مصانع‭ ‬للعلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬والابتكار،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬سوق‭ ‬عمل‭ ‬نوعي‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬عال‭ ‬من‭ ‬التنافسية‭. ‬ومراكز‭ ‬ومخابر‭ ‬نهضوية‭ ‬لخدمة‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬تتوطن‭ ‬به،‭ ‬فتنميه‭ ‬معرفيا‭ ‬ومهنيًا‭ ‬وسلوكيا،‭ ‬وتأصله‭ ‬فكريا،‭ ‬وترتقي‭ ‬بمختلف‭ ‬مفاصله‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعليم‭ ‬المجرد‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬عبر‭ ‬نشاطاتها‭ ‬الموازية‭ ‬للتعليم‭ ‬كالتدريب‭ ‬والتأهيل‭ ‬وخدمة‭ ‬وتطوير‭ ‬السوق‭ ‬كمؤسسات‭ ‬ونظم‭ ‬وأفراد‭. ‬وتسهم‭ ‬بشكل‭ ‬وافر‭ ‬بإعادة‭ ‬تنميط‭ ‬البيئة‭ ‬الخارجية،‭ ‬عبر‭ ‬أدواتها‭ ‬المتعددة‭ ‬كتنظيم‭ ‬المؤتمرات‭ ‬والندوات‭ ‬والدورات،‭ ‬والملتقيات‭ ‬الثقافية‭ ‬والتخصصية،‭ ‬والشراكة‭ ‬بين‭ ‬مراكزها‭ ‬البحثية‭ ‬ووحداتها‭ ‬المتخصصة‭ ‬بخدمة‭ ‬المجتمع‭ ‬ومؤسساته‭ ‬المتعددة،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الإعلام‭ ‬والثقافة‭ ‬والرياضة‭ ‬والصحة‭ ‬والفن‭ ‬والتجارة‭ ‬والصناعة‭ ‬وغيرها،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬البحثي‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬المشكلات‭ ‬ومواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬المجتمعية‭ ‬واقتراح‭ ‬خطط‭ ‬التطوير‭ ‬والنهضة‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬الدولة‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تنتجه‭ ‬مواردها‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع‭ ‬والابتكارات‭ ‬والكتب‭ ‬والدراسات،‭ ‬وبذلك‭ ‬فإنها‭ ‬شريك‭ ‬تنموي‭ ‬مهمًّ‭ ‬ومستدام‭ ‬للمجتمعات‭ ‬المحلية‭ ‬خاصة‭ ‬وللدولة‭ ‬التي‭ ‬تنشأ‭ ‬فيها‭ ‬عامة‭.   ‬

ويتعاظم‭ ‬الدور‭ ‬التنموي‭ ‬للجامعات‭ ‬والمعاهد‭ ‬حينما‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬جذب‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬دولها،‭ ‬حيث‭ ‬تعزز‭ ‬عنصر‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬منتجها‭ ‬العلمي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬وتحرك‭ ‬جميع‭ ‬قطاعاتها‭ ‬التنموية،‭ ‬الخدمية‭ ‬والإنتاجية،‭ ‬فينعكس‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬دخلها‭ ‬القومي‭ ‬وتوسع‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬لأبنائها،‭  ‬وحيث‭ ‬إنَّ‭ ‬حكومة‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬الرشيدة‭ ‬ما‭ ‬فتئت‭ ‬تدعو‭ ‬وتوجه‭ ‬الوزارات‭ ‬والهيئات‭ ‬التنفيذية‭ ‬إلى‭ ‬تشجيع‭ ‬الاستثمار‭ ‬وإبداء‭ ‬التسهيلات‭ ‬وتبسيط‭ ‬الإجراءات‭ ‬لتسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬نموه،‭ ‬واستقطاب‭ ‬المعارض‭ ‬الدولية‭ ‬والندوات‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬أكبر‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬ممكنة‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬فإنّ‭ ‬دعم‭ ‬واحتضان‭ ‬وإطلاق‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الأهلية‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬الجامعات‭ ‬الحكومية،‭ ‬وإتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬أمامها‭ ‬لجذب‭ ‬واستقطاب‭ ‬الطلبة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬سيحقق‭ ‬عائدا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وماليا‭ ‬واعتباريا‭ ‬وطنيا‭ ‬كبيرا،‭ ‬خاصة‭ ‬إن‭ ‬وزارة‭ ‬التعليم‭ ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬توجيهات‭ ‬رؤية‭ ‬المملكة‭ ‬2030‭ ‬أرست‭ ‬قواعد‭ ‬متينة‭ ‬تشريعية‭ ‬وتنظيمية‭ ‬وأكاديمية‭ ‬ولوجستية‭ ‬للجامعات‭ ‬الأهلية،‭ ‬تعد‭ ‬إصلاحا‭ ‬منهجيا‭ ‬لقطاع‭ ‬التعليم,‭ ‬وبما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬مختلف‭ ‬مفاصل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭.  ‬وحيث‭ ‬إنَّ‭ ‬الجامعات‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬إمكاناتها‭ ‬وقدراتها،‭ ‬وتتباين‭ ‬في‭ ‬سرعتها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬مستهدفات‭ ‬رؤية‭ ‬المملكة‭ ‬لقطاع‭ ‬التعليم،‭ ‬لذا‭ ‬وقع‭ ‬اختيارنا‭  ‬بعد‭ ‬دراسة‭ ‬استطلاعية‭ ‬ومعايشة‭ ‬ميدانية‭ ‬على‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬الأهلية‭ ‬الناشئة‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬وهي‭ (‬كليات‭ ‬عنيزة‭ ‬الأهلية‭) ‬باعتبارها‭ ‬مثالا‭ ‬مميزا‭ ‬لأثر‭ ‬رؤية‭ ‬المملكة‭ ‬2030‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬الأهلي،‭ ‬فهي‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عمرها‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬السبع‭ ‬سنوات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬المزايا‭ ‬والممكنات،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬لجامعات‭ ‬أخرى‭ ‬أسبق‭ ‬منها‭ ‬عمرا،‭ ‬لذا‭ ‬سنسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬عناصر‭ ‬التميز‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الكليات‭ ‬والأساليب‭ ‬الإبداعية‭ ‬التي‭ ‬اعتمدتها‭ ‬لمواكبة‭ ‬وإنفاذ‭ ‬توجهات‭ ‬رؤية‭ ‬المملكة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خطط‭ ‬واقعية‭ ‬وبرامج‭ ‬ديناميكية،‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬أثرها‭ ‬على‭ ‬بيئتها‭ ‬الجامعية،‭ ‬بل‭ ‬امتد‭ ‬لإحداث‭ ‬أثر‭ ‬بارز‭ ‬في‭ ‬بيئتها‭ ‬المحلية‭ ‬مكنها‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬ميزة‭ ‬تنافسية‭ ‬تميزها‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الجامعات،‭ ‬لتكون‭ ‬نموذجا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقتدى‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الأهلية‭ ‬الخليجية،‭ ‬ولا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬الكريم‭ ‬أهمية‭ ‬محاكاة‭ ‬النماذج‭ ‬التعليمية‭ ‬الخليجية‭ ‬المميزة‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬تجاربها،‭ ‬وعدم‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬ملاحقة‭ ‬النماذج‭ ‬الأوروبية‭ ‬أو‭ ‬الآسيوية،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬البيئة‭ ‬العربية‭ ‬الخليجية‭ ‬بيئة‭ ‬واحدة،‭ ‬تشترك‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬المزايا‭ ‬والتحديات‭ ‬والمؤثرات،‭ ‬وعليه‭ ‬فإن‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬يحقق‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬ترصين‭ ‬تجارب‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي‭ ‬الأهلي‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سنتناوله‭ ‬بعون‭ ‬الله‭ ‬وتوفيقه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المقالات،‭ ‬بدءا‭ ‬بالتعريف‭ ‬بنشأة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬الأهلي‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬والمعوقات‭ ‬التي‭ ‬واجهته،‭ ‬وآليات‭ ‬الإصلاح‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اعتمادها‭ ‬للنهوض‭ ‬به‭ ‬وتجاوز‭ ‬تلك‭ ‬المعوقات‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬2030،‭ ‬وكيف‭ ‬نظرت‭ ‬إليه،‭ ‬والمبادرات‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬لتعزيزه‭.‬

 

{ أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي‭ ‬

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا