العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دلالات محاكمة ترامب في التاريخ الأمريكي

بقلم: شاهر الشاهر

الأربعاء ٠٥ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

رغم‭ ‬التهديدات‭ ‬الخارجية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فإنَّ‭ ‬تهديداتها‭ ‬الداخلية‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬خطورة‭ ‬على‭ ‬بقائها‭ ‬ووجودها‭. ‬تشهد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬حدثاً‭ ‬غير‭ ‬اعتيادي،‭ ‬فهي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يوجه‭ ‬فيها‭ ‬القضاء‭ ‬الأمريكي‭ ‬اتهاماً‭ ‬جنائياً‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬سابق‭ ‬ومرشح‭ ‬للانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬المقبلة‭.‬

ولم‭ ‬تُعرف‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬الاتهامات‭ ‬التي‭ ‬وُجهت‭ ‬إلى‭ ‬ترامب،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬لائحة‭ ‬الاتهام‭ ‬سرية،‭ ‬إلا‭ ‬أنَّ‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬أمريكية‭ ‬ذكرت‭ ‬أنه‭ ‬سيواجه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬تهمة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالاحتيال‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأعمال،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تهمة‭ ‬شراء‭ ‬صمت‭ ‬ممثلة‭ ‬إباحية‭.‬

طبعاً،‭ ‬المشكلة‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الممثلة،‭ ‬لكنها‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المال‭ ‬دفع‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬المخصصة‭ ‬لتمويل‭ ‬الحملة‭ ‬الانتخابية‭ ‬للرئيس،‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬أموالاً‭ ‬للحزب‭ ‬والدولة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬إنفاقها‭ ‬على‭ ‬المغامرات‭ ‬الشخصية‭.‬

ويشير‭ ‬الاتهام‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬محاميه‭ ‬السابق‭ ‬مايكل‭ ‬كوهين‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬دفع‭ ‬130‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬للممثلة‭ ‬ستورمي‭ ‬دانيلز‭ ‬قبل‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬لتلتزم‭ ‬الصمت‭ ‬بشأن‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬جمعتها‭ ‬بترامب‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2006‭.‬

هذه‭ ‬الاتهامات‭ ‬يواجهها‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬النفي،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أنها‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التضييق‭ ‬عليه‭ ‬ومنعه‭ ‬من‭ ‬الترشح‭ ‬للانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬المقبلة‭.‬

المهمّ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬أنها‭ ‬تنبئ‭ ‬بحدوث‭ ‬انقسام‭ ‬كبير‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يؤيد‭ ‬ترامب‭ ‬وينتقد‭ ‬القضاء‭ ‬الأمريكي‭ ‬ويصفه‭ ‬بالمسيس‭ ‬والمنحاز،‭ ‬ومن‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المحاكمة‭ ‬تعد‭ ‬مؤشراً‭ ‬كبيراً‭ ‬على‭ ‬سمو‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فهو‭ ‬يعلو‭ ‬ولا‭ ‬يعلى‭ ‬عليه،‭ ‬والجميع‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يخضعوا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭.‬

فكرة‭ ‬استقلال‭ ‬القضاء‭ ‬ونزاهته‭ ‬تعد‭ ‬ركناً‭ ‬من‭ ‬الأركان‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬عليها‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬نزاهته‭ ‬يعدّ‭ ‬طعنة‭ ‬للقيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬المؤسسة‭ ‬للدولة‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬ترامب‭ ‬باتوا‭ ‬يشككون‭ ‬في‭ ‬نزاهة‭ ‬القضاء‭ ‬الأمريكي‭ ‬واستقلاليته،‭ ‬ويرون‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬يتحكم‭ ‬فيه‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة‭ ‬وسياساتها،‭ ‬ويستشهدون‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ببعض‭ ‬الأمور،‭ ‬مثل‭:‬

‭- ‬الأمريكيون‭ ‬الأفارقة‭ ‬لا‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬حقوقهم،‭ ‬لأن‭ ‬القضاء‭ ‬الأمريكي‭ ‬منحاز‭ ‬ضدهم‭.‬

‭- ‬وضعت‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬رئيس‭ ‬بلدية‭ ‬العاصمة‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يصوت‭ ‬له‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬حينه‭.‬

‭- ‬هناك‭ ‬اتهامات‭ ‬لعائلة‭ ‬بايدن‭ ‬بأنها‭ ‬تلقت‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬إذ‭ ‬يشير‭ ‬أنصار‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬إلى‭ ‬امتلاكهم‭ ‬صوراً‭ ‬للشيكات‭ ‬والحوالات‭ ‬المصرفية‭ ‬التي‭ ‬تثبت‭ ‬ذلك،‭ ‬لكن‭ ‬القضاء‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬التحقق‭ ‬منها‭ ‬لاعتبارات‭ ‬سياسية‭.‬

‭- ‬كانت‭ ‬شركتا‭ ‬‮«‬تويتر‮»‬‭ ‬و«فيسبوك‮»‬‭ ‬قد‭ ‬منعتا‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬التحدث‭ ‬إلى‭ ‬جمهوره‭ ‬عبرهما،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنَّ‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجبر‭ ‬الشركات‭ ‬الخاصة‭ ‬على‭ ‬الامتثال‭ ‬لسياستها‭ ‬والوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المعارضة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينبئ‭ ‬بإمكانية‭ ‬تحول‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬أمنية‭ ‬تواجه‭ ‬رئيساً‭ ‬سابقاً‭.‬

‭- ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬بها‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬الرئيس،‭ ‬‏فهي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬قتل‭ ‬الرئيس‭ ‬جون‭ ‬كينيدي‭ ‬عام‭ ‬1963،‭ ‬‏وإسقاط‭ ‬ريتشارد‭ ‬نيكسون‭ ‬بعد‭ ‬فضيحة‭ ‬‮«‬ووتر‭ ‬جيت‮»‬‭.‬

كذلك،‭ ‬قامت‭ ‬‏الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬بإسقاط‭ ‬حكومة‭ ‬مصدق‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬إيراني‭ ‬منتخب‭ ‬ديمقراطياً‭ ‬عام‭ ‬1953،‭ ‬وأعادت‭ ‬الشاه‭ ‬إلى‭ ‬الحكم،‭ ‬لأن‭ ‬مصدق‭ ‬قام‭ ‬بتأميم‭ ‬شركات‭ ‬البترول‭ ‬التابعة‭ ‬لبريطانيا‭.‬

‭- ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬سعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لإسقاط‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬حكومة‭ ‬أجنبية‭ ‬منتخبة‭ ‬ديمقراطياً،‭ ‬وشنَّت‭ ‬أو‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬الكورية‭ ‬وفيتنام‭ ‬وكوسوفو‭ ‬وأفغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬وليبيا،‭ ‬وآخرها‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وأوكرانيا،‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬كوارث‭ ‬إنسانية‭ ‬فادحة‭ (‬وفقاً‭ ‬للكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬ويليام‭ ‬بلوم‭).‬

‭- ‬الحرب‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬طالت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40%‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وتسببت‭ ‬بوقوع‭ ‬نحو‭ ‬800‭ ‬ألف‭ ‬قتيل،‭ ‬وفقاً‭ ‬لتقرير‭ ‬‮«‬تكاليف‭ ‬الحرب‮»‬‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬جامعة‭ ‬براون‭ ‬الأمريكية‭.‬

‭- ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬اليوم‭ ‬وراء‭ ‬التدخل‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬و147‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬يحركها‭ ‬المجمع‭ ‬الصناعي‭ ‬الحربي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كدولة،‭ ‬بل‭ ‬يعمل‭ ‬لخدمة‭ ‬لوبي‭ ‬صناعة‭ ‬السلاح‭ ‬فيها‭.‬

رأى‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬القرار‭ ‬اتهاماً‭ ‬سياسياً‭ ‬بحقه،‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تشويه‭ ‬سمعته‭ ‬ومنعه‭ ‬من‭ ‬الترشح‭ ‬للانتخابات‭ ‬القادمة،‭ ‬ووجه‭ ‬اتهاماً‭ ‬إلى‭ ‬هيئة‭ ‬المحلفين‭ ‬‏في‭ ‬محكمة‭ ‬منهاتن‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬بالضلوع‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة‭ ‬السياسية‭ ‬ضده،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينفيه‭ ‬الديمقراطيون،‭ ‬ويستشهدون‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الحجج‭ ‬منها‭:‬

‭- ‬الدستور‭ ‬الأمريكي‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬الترشح،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬توقيفه،‭ ‬إذ‭ ‬يمكنه‭ ‬الترشح‭ ‬وقيادة‭ ‬حملته‭ ‬الانتخابية‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬القضبان‭. ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬فوزه،‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سيد‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬السجن‭.‬

‭ - ‬للرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬مشكلات‭ ‬مع‭ ‬القضاء‭ ‬منذ‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬مع‭ ‬والده‭ ‬في‭ ‬تجارة‭ ‬العقارات‭.‬

‭- ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬نزاهة‭ ‬المدعي‭ ‬العام،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬هيئة‭ ‬المحلفين‭.‬

‭- ‬هناك‭ ‬قضايا‭ ‬جنائية‭ ‬أخرى‭ ‬بحق‭ ‬ترامب‭ ‬تتعلق‭ ‬بتدخله‭ ‬لتغيير‭ ‬نتائج‭ ‬انتخابات‭ ‬2020‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬جورجيا،‭ ‬والأخرى‭ ‬ترتبط‭ ‬بتهم‭ ‬وجرائم‭ ‬مالية‭ ‬في‭ ‬مخالفة‭ ‬لقانون‭ ‬تمويل‭ ‬الحملات‭ ‬الانتخابية‭.‬

‭-‬‏‭ ‬ترامب‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬استمرّ،‭ ‬ولمدة‭ ‬4‭ ‬أعوام،‭ ‬بتهديد‭ ‬هيلاري‭ ‬كلينتون،‭ ‬المرشحة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬السابقة‭ ‬لانتخابات‭ ‬2016،‭ ‬برفع‭ ‬السرية‭ ‬عن‭ ‬بريدها‭ ‬الإلكتروني‭ ‬الذي‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬رسائله‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬بريد،‭ ‬أُرسِلت‭ ‬عبر‭ ‬خادم‭ ‬خاص‭ ‬إبان‭ ‬توليها‭ ‬منصب‭ ‬وزيرة‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬رئاسة‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭.‬

ويفكّر‭ ‬الفريق‭ ‬القانوني‭ ‬للرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬نقل‭ ‬ملف‭ ‬القضية‭ ‬من‭ ‬مانهاتن‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬ستاتن،‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬محاكمة‭ ‬عادلة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ترى‭ ‬جينيفر‭ ‬رودغرز،‭ ‬المدعية‭ ‬العامة‭ ‬الفيدرالية‭ ‬السابقة،‭ ‬أنّ‭ ‬أيّ‭ ‬محاولة‭ ‬لنقل‭ ‬مكان‭ ‬المحاكمة‭ ‬لن‭ ‬تنجح،‭ ‬لأنَّ‭ ‬المتهمين‭ ‬لا‭ ‬يحق‭ ‬لهم‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬هيئات‭ ‬محلفين‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬خصائص‭ ‬محددة‭ ‬توافق‭ ‬أهواءهم‭ ‬وتوجهاتهم‭ ‬السياسية‭.‬

ويبدو‭ ‬أنَّ‭ ‬ترامب‭ ‬يحظى‭ ‬بشعبية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬ستاتن،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬مرتفعة‭ ‬من‭ ‬أصوات‭ ‬الناخبين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعله‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬هيئة‭ ‬المحلفين‭ ‬هناك‭ ‬ستكون‭ ‬أكثر‭ ‬تعاطفاً‭ ‬معه‭. ‬المشكلة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الاتهامات‭ ‬قد‭ ‬تزيد‭ ‬شعبية‭ ‬ترامب،‭ ‬وتدفع‭ ‬الشارع‭ ‬إلى‭ ‬التحرك‭ ‬دعماً‭ ‬له،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أن‭ ‬شعبيته‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬أرقام‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيجعل‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬تتجنب‭ ‬اتخاذ‭ ‬الاجراءات‭ ‬القانونية‭ ‬بحقه،‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬أنصاره،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬دعاهم‭ ‬إلى‭ ‬الاستعداد‭ ‬لنشر‭ ‬‮«‬الدم‭ ‬والدمار‮»‬‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬اعتقاله‭.‬

وكان‭ ‬أنصار‭ ‬ترامب‭ ‬قد‭ ‬أثبتوا‭ ‬ولاءهم‭ ‬له‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬عندما‭ ‬دعاهم‭ ‬إلى‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬الكونجرس‭ ‬احتجاجاً‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬التي‭ ‬يصفها‭ ‬بالمزورة،‭ ‬ما‭ ‬أسفر‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬وإصابة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭.‬

وفي‭ ‬حال‭ ‬أصبح‭ ‬ترامب‭ ‬رئيساً‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فلن‭ ‬يستطيع‭ ‬إصدار‭ ‬عفو‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬ولن‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬العفو‭ ‬عن‭ ‬جرائم‭ ‬غير‭ ‬فيدرالية‭. ‬المثير‭ ‬للسخرية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬القضاء‭ ‬الأمريكي‭ ‬لم‭ ‬يتحرك‭ ‬لمحاكمة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش‭ ‬ونائبه‭ ‬ديك‭ ‬تشيني‭ ‬وهنري‭ ‬كيسنجر‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الرؤساء‭ ‬وكبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬ارتكبوها‭ ‬بحق‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭. ‬كيف‭ ‬ينسى‭ ‬العالم‭ ‬الرئيس‭ ‬نيكسون‭ ‬ووزير‭ ‬خارجيته‭ ‬كيسنجر‭ ‬والجرائم‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬ارتكباها‭ ‬في‭ ‬كمبوديا،‭ ‬حين‭ ‬أعطيا‭ ‬أوامر‭ ‬بقصف‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يطير‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يتحرك‭ ‬على‭ ‬الأرض‭! ‬ولا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬بوش‭ ‬الأب‭ ‬وجرائمه‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬دمّر‭ ‬البشر‭ ‬والحجر،‭ ‬وأعاد‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى،‭ ‬ونقل‭ ‬النموذج‭ ‬المثالي‭ ‬للديمقراطية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬أبو‭ ‬غريب‭!‬

لقد‭ ‬حرصت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬أسلحتها‭ ‬وقيمها‭ ‬المادية‭ ‬الهدامة‭ ‬إلى‭ ‬العالم،‭ ‬لكن‭ ‬ديمقراطيتها‭ ‬بقيت‭ ‬أشد‭ ‬صادراتها‭ ‬فتكاً‭ ‬وأكثرها‭ ‬خداعاً،‭ ‬فكيف‭ ‬لدولة‭ ‬تعيش‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬نفسها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قدوة‭ ‬لغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭!‬

{ كاتب‭ ‬ومحلل‭ ‬سياسي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا