العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

قراءة في زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو

بقلم: هاني عوكل {

الخميس ٣٠ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

ليست‭ ‬زيارة‭ ‬عادية‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينج‭ ‬إلى‭ ‬موسكو،‭ ‬مباشرةً‭ ‬بعد‭ ‬إعادة‭ ‬انتخابه‭ ‬رئيسا‭ ‬للصين‭ ‬لولاية‭ ‬ثالثة‭ ‬مدتها‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬وبعد‭ ‬إصدار‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬مذكرة‭ ‬توقيف‭ ‬بحق‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭.‬

قرار‭ ‬جين‭ ‬بينج‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬المهم‭ ‬وبقائه‭ ‬هناك‭ ‬مدة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام،‭ ‬يعكس‭ ‬الأهمية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬يوليها‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬لموسكو،‭ ‬ورسالة‭ ‬واضحة‭ ‬وصريحة‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬ليس‭ ‬مقتصراً‭ ‬وحده‭ ‬على‭ ‬اللاعب‭ ‬الأمريكي‭.‬

زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬شي‭ ‬بينج‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬تترجم‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سياق،‭ ‬إذ‭ ‬تُفهم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬بكين‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬دور‭ ‬الوسيط‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬تعظيم‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‭ ‬اليوم‭ ‬وغداً،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬توسطها‭ ‬في‭ ‬استئناف‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬بين‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬وإيران‭.‬

تمتلك‭ ‬بكين‭ ‬ثقلاً‭ ‬اقتصادياً‭ ‬كبيراً‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية،‭ ‬ولها‭ ‬علاقات‭ ‬تجارية‭ ‬واقتصادية‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ممارسة‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬متوازنة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬من‭ ‬تحسين‭ ‬سمعتها‭ ‬ووضعها‭ ‬السياسي‭ ‬واعتبارها‭ ‬لاعباً‭ ‬مهماً‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.‬

من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬ذهب‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬إلى‭ ‬موسكو‭ ‬عارضاً‭ ‬مبادرة‭ ‬سلام‭ ‬على‭ ‬نظيره‭ ‬الروسي‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬جين‭ ‬بينج‭ ‬يدرك‭ ‬مصلحة‭ ‬بلاده‭ ‬جيداً‭ ‬ويدرك‭ ‬أن‭ ‬الانحياز‭ ‬إلى‭ ‬موسكو‭ ‬يعني‭ ‬تأزم‭ ‬علاقته‭ ‬بالدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬تحديداً‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬لدى‭ ‬بكين‭ ‬علاقات‭ ‬استراتيجية‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬وهناك‭ ‬انفتاح‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الشراكة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وتبادل‭ ‬السلع‭ ‬وشراء‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الروسي،‭ ‬لكن‭ ‬الصين‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬انتهاج‭ ‬سياسة‭ ‬غير‭ ‬متوازنة‭ ‬في‭ ‬المسألة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬لصالح‭ ‬موسكو،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬صالحها‭.‬

إذاً‭ ‬لابد‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬أن‭ ‬بكين‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬علاقات‭ ‬تجارية‭ ‬مهمة‭ ‬جداً‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬زلة‭ ‬لسان‭ ‬تحاسب‭ ‬عليها‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬وحتى‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬دوائر‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬الأوروبي،‭ ‬يفهم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬إلى‭ ‬موسكو‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬ضمن‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه‭.‬

ثم‭ ‬إن‭ ‬مبادرة‭ ‬السلام‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬ورحب‭ ‬بها‭ ‬نظيره‭ ‬بوتين‭ ‬لم‭ ‬تلقَ‭ ‬استحسان‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬عدتها‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬موسكو‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬تطرقها‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬الانسحاب‭ ‬الروسي‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الأوكرانية‭ ‬التي‭ ‬احتلتها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬لم‭ ‬يقدم‭ ‬لنظيره‭ ‬الروسي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الوساطة،‭ ‬ولن‭ ‬تنخرط‭ ‬بلاده‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬موسكو‭ ‬عسكرياً‭ ‬وإرسال‭ ‬أسلحة‭ ‬إليها‭.‬

وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬الروسي،‭ ‬لا‭ ‬تتوقع‭ ‬موسكو‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬بكين‭ ‬من‭ ‬لهجتها‭ ‬لصالح‭ ‬الأولى‭ ‬وتدخل‭ ‬في‭ ‬أزمات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬الغرب،‭ ‬لكن‭ ‬روسيا‭ ‬ممتنة‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬لأنها‭ ‬تعني‭ ‬وقوف‭ ‬الصين‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬المحاولات‭ ‬الغربية‭ ‬لفرض‭ ‬العزلة‭ ‬على‭ ‬موسكو‭.‬

نعم،‭ ‬حينما‭ ‬يذهب‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬إلى‭ ‬موسكو‭ ‬ويمكث‭ ‬هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام،‭ ‬فكأنه‭ ‬يستهزئ‭ ‬بقرار‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬بتوقيف‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين،‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬دعم‭ ‬صديقه‭ ‬الروسي‭ ‬بلغة‭ ‬الشراكة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لمحاولة‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬الحصار‭ ‬الغربي‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬موسكو،‭ ‬وكذلك‭ ‬دعمه‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الداخلي‭.‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فهي‭ ‬غير‭ ‬سعيدة‭ ‬بالصداقة‭ ‬الروسية‭- ‬الصينية،‭ ‬وسبق‭ ‬أن‭ ‬حصل‭ ‬تقارب‭ ‬أمريكي‭- ‬صيني‭ ‬أيام‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬لمنع‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬هزيمة‭ ‬واشنطن‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وتفكيك‭ ‬التحالفات‭ ‬الثنائية‭ ‬أو‭ ‬الجماعية‭ ‬باتجاه‭ ‬إضعاف‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬خارجياً‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬تفكيك‭ ‬الكتلة‭ ‬الشيوعية‭.‬

أمريكا‭ ‬التي‭ ‬قالت‭ ‬وداعاً‭ ‬للتقارب‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬أرادت‭ ‬إدخال‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬جو‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وقد‭ ‬تحقق‭ ‬ذلك،‭ ‬وموسكو‭ ‬حالياً‭ ‬منشغلة‭ ‬وتصرف‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬جيبها‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬تحاول‭ ‬واشنطن‭ ‬سحب‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬نطاق‭ ‬حرب‭ ‬تجارية‭ ‬لمحاولة‭ ‬إضعافها‭ ‬اقتصادياً‭.‬

بكين‭ ‬تدرك‭ ‬أبعاد‭ ‬الخطط‭ ‬الأمريكية‭ ‬لجرها‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬تجارية،‭ ‬ولذلك‭ ‬حينما‭ ‬تتوسط‭ ‬بين‭ ‬السعودية‭ ‬وإيران‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬صدد‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬وحينما‭ ‬تواصل‭ ‬عزل‭ ‬علاقتها‭ ‬بروسيا‭ ‬فكذلك‭ ‬الحال‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الحصار‭ ‬الغربي‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬لجهة‭ ‬تعظيم‭ ‬الشراكة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬الأخيرة‭.‬

يبقى‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الصين‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مستفيدتان‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا‭. ‬الفرق‭ ‬بينهما‭ ‬أن‭ ‬بكين‭ ‬تمارس‭ ‬سياسة‭ ‬الحياد‭ ‬حتى‭ ‬تحتاط‭ ‬من‭ ‬شر‭ ‬الأعداء،‭ ‬وتركز‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لبيع‭ ‬السلع‭ ‬إلى‭ ‬موسكو‭ ‬والحصول‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الطاقة‭ ‬بأسعار‭ ‬تفضيلية‭.‬

إن‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬حينما‭ ‬ختم‭ ‬زيارته‭ ‬إلى‭ ‬موسكو‭ ‬قال‭ ‬لنظيره‭ ‬الروسي‭ ‬إن‭ ‬‮«‬هناك‭ ‬تغييرات‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬منذ‭ ‬مائة‭ ‬عام‭. ‬عندما‭ ‬نكون‭ ‬معاً‭ ‬فإننا‭ ‬نقود‭ ‬هذه‭ ‬التغييرات‮»‬‭. ‬قد‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬بكين‭ ‬تريد‭ ‬ممارسة‭ ‬نفوذ‭ ‬سياسي‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬يوازي‭ ‬ثقلها‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وبعلاقتها‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تشكيل‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬يلغي‭ ‬القطبية‭ ‬الأحادية‭ ‬وهيمنة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬المسرح‭ ‬الدولي‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا