أدت الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل غير مسبوق، ما سبب ارتفاعا في أسعار الغذاء العالمي، بالإضافة إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في عديد من الدول مما يستوجب لصناع القرار والشركات والأفراد استخدام طاقة بديلة لا تتأثر بمجريات وتقلبات السوق العالمية والتي سوف تسهم في الحفاظ على أسعار الغذاء ورفع مستوى الأمن الغذائي في دول العالم. ومن الحلول التي أثيرت مؤخراً هي استخدام مصادر الطاقة المتجددة لقدرتها على تحسين الأمن الغذائي عن طريق خفض تكاليف إنتاج الزراعة وإنتاج الغذاء، وبالتالي، خفض أسعار الغذاء على المستهلكين، ما يجعل قطاع الزراعة والغذاء أقل عرضة لعدم الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي أو البيئي.
وتهدف جهود صناع القرار اليوم إلى تحقيق الركائز الأساسية المتعلقة بالأمن الغذائي والوصول إلى أهدافها وهي: 1) وفرة الغذاء في السوق، 2) القدرة على تحمل تكاليف الغذاء من قبل المستهلكين، 3) الجودة والسلامة، 4) والاستدامة الغذائية. ويهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على كيفية مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في تعزيز الأمن الغذائي وجعله أكثر فعالية واستدامة على المدى البعيد.
هناك عدة طرق عديدة يمكن من خلالها استخدام الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة المائية، والوقود الحيوي، وتستخدم كل من هذه الأنواع في تعزيز الأمن الغذائي من خلال عدة طرق: أولاً، تساعد مصادر الطاقة المتجددة على خفض تكاليف الإنتاج عن طريق خفض المبلغ الذي يتم إنفاقه على مصادر الطاقة من الوقود الأحفوري، والتي ارتفعت تكاليفها بشكل كبير خلال هاتين السنتين بسبب العوامل الاقتصادية والجيوسياسية. ويمكن استخدام مصادر الطاقة المتجددة لتشغيل مضخات الري والجرارات والآلات الزراعية وغيرها. فيمكن للمزارعين من خلال ذلك إنتاج المزيد من الغذاء بكلفة أقل مما يجعل الغذاء متاحا للمستهلكين بأسعار معقولة.
ثانياً، تركز مصادر الطاقة المتجددة على تحسين كفاءة إنتاج الغذاء، ما يعني، على سبيل المثال، أنه يمكن لمصادر الطاقة الشمسية تشغيل أنظمة الري وزيادة كفاءتها وخفض معدل هدر المياه. بالإضافة إلى فعالية الطاقة المتجددة في تشغيل وحدات التبريد والتي تساعد في الحفاظ على الأطعمة من التلف والتقليل المستمر في هدر الطعام.
ثالثاً، تعزيز مستوى الاستدامة، وذلك بسبب اعتبار مصادر الطاقة المتجددة أكثر استدامة من الوقود الأحفوري، كما أن مصادر الطاقة المتجددة تسهم في خفض غازات الاحتباس الحراري وخفض تأثيرها في البيئة. لذلك، فإن مصادر الطاقة المتجددة تساعد في ضمان إنتاج الغذاء والحفاظ على البيئة على المدى البعيد.
رابعاً، تقليل الاعتماد على الطاقة المستوردة، تعتمد عديد من البلدان على مصادر الطاقة المستوردة لتشغيل قطاعاتها الزراعية، والتي قد تكون باهظة الثمن في بعض الأوقات ما يسهم في زيادة انعدام أمن الطاقة والأمن الغذائي معاً.
خامساً، زيادة المرونة، فيمكن لاعتماد مصادر الطاقة المتجددة على توفير مصدر طاقة خلال الأزمات والكوارث الاقتصادية والجيوسياسية والبيئية، ما يساعد على ضمان وجود طاقة دائمة ومستمرة للقطاع الزراعي والغذائي، وضمان إنتاج الغذاء للمستهلكين ومنع حدوث ارتفاع مفاجئ في الأسعار يمكن من خلالها خلق حالة من عدم التوازن الاقتصادي.
وفي الختام، تساعد مصادر الطاقة المتجددة على تعزيز الأمن الغذائي عن طريق خفض تكاليف الإنتاج، زيادة الكفاءة الإنتاجية، تعزيز الاستدامة، والاعتماد على مصادر طاقة نظيفة بديلة عن المصادر التي تعتمد على الوقود الأحفوري. وهناك العديد من الدول التي نجحت في تمكين قطاع الزراعة والأغذية من خلال اعتماد مصادر الطاقة المتجددة والتي لم تتأثر بمجرى ارتفاع أسعار الطاقة الحالية كسنغافورة ومناطق في الهند وكينيا والمغرب وغيرهم، بل زادت من مرونتها بشكل أكبر وعلى نفعها للمزارعين والشركات والمستهلكين والبيئة. وفي الجزء القادم من هذا المقال، سوف يتم تناول بعض التطبيقات العملية لعديد من الدول حول العالم التي استخدمت مصادر الطاقة المتجددة لدعم القطاع الزراعي ورفع مستوى الأمن الغذائي عندها.
{ مركز البحرين للدراسات
الاستراتيجية والدولية والطاقة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك