عالم يتغير
فوزية رشيد
طالما هناك احتلال هناك مقاومة!
{ عبر تاريخ البشرية فإنه طالما هناك احتلال، فلا بدّ أن تكون هناك مقاومة! ذلك هو ناموس الشعوب وحركات التحرّر الوطني منذ فجر التاريخ! وفلسطين المُغتصبة والمحتلة ليست استثناء في ذلك الناموس الطبيعي، في ردّ الاحتلال والظلم والتعدّي على حقوق الشعوب! ومن يهدر قيمة المقاومة، أية مقاومة، فإنه يهدر في ذات الوقت قيمة الحق الإنساني في الدفاع عن أرضه وعرضه وكرامته وإنسانيته! وحيث لا بديل طالما هناك احتلال!، وفي فلسطين هذا الاحتلال مستمر منذ ما يقارب الـ80 عامًا، ويعتمد على مروياته وأساطيره وتطرّفه وعنصريته، ولم ينفع معه استعادة الحقوق لا بالسلم ولا بالاتفاقيات ولا بالمفاوضات!، ولذلك لم يبق للشعب الفلسطيني طريقًا آخر غير المقاومة الشعبية!
وهو يدرك أنه لكي يقاوم هكذا احتلال، لا بدّ أن يقدّم التضحية والضحايا، والتي تحولت إلى ثمن باهظ في ظل إصدار المحتلّ المدجج بالعتاد والسلاح والدعم الغربي وعدم توازن القوى، على إبادة الشعب الفلسطيني، كما لم يفعل أي محتلّ!
{ هذا الشعب المقاوم، والذي يبحث طوال القرن الماضي والقرن الحالي عن قيادات تقود مقاومته ضدّ من سرق وطنه، لا يهمه الأيديولوجيا التي يعتنقها هؤلاء القادة، سواء كانت دينية أو يسارية أو علمانية، إنما يهمه من يقاوم هذا الاحتلال، فالوطنية والمقاومة بالنسبة إليه لا تقاس بنوع الأيديولوجيات كوسائل، إنما بالتضحيات على أرض الواقع وعلى أرض الوطن، دفاعًا عنه، وبمحك الأفعال في مواجهة احتلال ليس كأي احتلال حرّ على الشعوب!
{ هناك من يأخذ على الشعب الفلسطيني خاصة في غزة، انسياقه وراء «الإسلام السياسي» وتقبله الدعم الإيراني، ولكن هذا البعض سيأخذ أيضًا على الشعب الفلسطيني تشبثه بروح المقاومة، حتى لو كانت يسارية أو علمانية على سبيل المثال، ولذلك هو يريد أن يتخلى هذا الشعب عن روح مقاومته أصلاً، وأن يقبل بالمقاومة فقط عبر المفاوضات وحدها، وهذا ما حدث طوال عقود منذ اتفاقيات «أوسلو» ولم تأت بأية نتيجة! فإذا بعض آخر يأخذ في هذا السياق وعلى السلطة أنها مستسلمة ومهادنة للعدو الصهيوني الشرس في الاستيطان، وتهويد كامل الأرض الفلسطينية في غزة، وعدم اتخاذ موقف من ممارساته في الإبادة وجرائم الحرب ضد شعبه، بل وتعاونه الأمني مع دولة الاحتلال! إذًا أين يكمن الحل؟! وكيف يتم إنهاء الاحتلال واستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في أرضه وفي السيادة عليها؟!
{ دولة الاحتلال لا تريد نجاح أية مفاوضات، ولا تريد دولة فلسطينية ولا تريد أيضًا أية مقاومة لاحتلاله! وبعيدًا عن كل قيادات المقاومة الذين تم ويتم اغتيالهم منذ القرن الماضي، وآخرهم «يحيى السنوار» الذي استشهد مؤخرًا وهو يقاوم ويقاتل حسب سردية الجيش الصهيوني نفسه، فإن تلك الاغتيالات يرافقها خطة التهجير والإبادة!، بل توسيع رقعة الحرب إلى دول أخرى في الجغرافيا العربية! هكذا تبقى فلسطين والمنطقة، في لعبة الحرب واللاسلم، ولعبة لا مفاوضات مجدية، وإبادة أية مقاومة!
{ السردية الصهيونية ومن يتبعها، تتذرّع بأن الإبادة والحرب الشرسة على غزة والضفة هي بسبب «حماس» وأنها «إخوانية» وتابعة لإيران، رغم الاختلاف البين بين حقيقة المقاومة الفلسطينية، وبقية الأذرع الإيرانية المنتشرة في أكثر من دولة، وهو الاختلال بين مقاومة الوجود، وحروب إيران بالوكالة من أجل النفوذ!
ولذلك فلنفترض أن مقاومة فلسطين كانت ذات توجّه أيديولوجي آخر حاليًا، كأن تكون وطنية من دون أية أيديولوجية وبدعم عربي وإسلامي، فهل كان التعامل الصهيوني معها سيختلف؟! أم أن ذات البطش والهمجية سيتم التعامل بهما لمجرد أنها تقاوم الاحتلال؟! الجواب للتأمل!
{ حركات التحرر الوطني عادة تحتضن كل من يريد مقاومة المحتل بصدق وإخلاص، ويقدم التضحيات، بغض النظر عن الأيديولوجية التي يتحرك على أساسها! غالبية الشعوب العربية ليست مع «الإخوان» أو «الإسلام السياسي» حالياً، ولكن في فلسطين، فإن هؤلاء هم من يقامون على الأرض وهذا هو الأمر الواقع، ويختلفون حتى عن قادتهم السياسيين في الخارج أحيانًا، ويملأون فراغ قيادات تقاوم الاحتلال، بعد أن جربت لأكثر من 30 عامًا المفاوضات فوجدتها غير مجدية ولا توصل إلى أي طريق لإنهاء هذا الاحتلال! وهنا تكمن الأزمة الفلسطينية في ظل عدم وحدة القرار الوطني، وعدم توحّد رؤى صفوف القيادات الفلسطينية، ذات التوجهات المختلفة، وتذبذبها بين المقاومة والاستسلام!
{ اعتاد الاحتلال الصهيوني أن يقتل كل رمز وكل قيادة، بغض النظر عن الأيديولوجيا أو التوجّه السياسي التي يحملها! قتلت قادة وأتباعا من الإسلاميين، كما قتلت قيادات ورموزا من اليسار ومن العلمانيين ومن القوميين! وهنا تتضح صورة ما نريد قوله وهو أن العدّو الصهيوني يقتل كل مقاومة، ويقتل رمزها وقيادتها لمجرد أنها تقاوم! وهو غير معني بالأيديولوجيا أو التوجه السياسي أو العقدي لتلك المقاومة أو رموزها أو من يدعمه! ألم تقتل «ياسر عرفات» وهو من السلطة؟!
والسبب أن الكيان الصهيوني كما قلنا مرارًا، هو (قاعدة وظيفية واستعمارية غربية متقدمة في المنطقة العربية!) وشغلها الأساس ضمان عدم استقرار المنطقة، وإضعاف دولها وقتل روح أية مقاومة فيها! ولذلك هو يمارس الاستشراس بدعم غربي مطلق، ويمارس الإبادة ضد المدنيين والأطفال والنساء والمرضى، ويقع على عاتقه وزر كل أولئك الضحايا لأنه يريد فناء هذا الشعب داخل أرضه ووطنه! وغريب أن يضع البعض وزر كل ذلك على المقاومين، رغم أن مقاومتهم مشروعة كحق دولي وأممي، ويقولون إن المقاومة هي سبب بلاء الشعب الفلسطيني، متجاهلين أنها مقاومة شعبية والمقاومون من أصل هذا الشعب أياً كان توجهم وهو الشعب الذي يقاوم منذ بدأ اغتصاب فلسطين، وليس منذ بدأت «حماس» تتصدر مقاومته! وطالما هناك احتلال سيكون هناك مقاومة، أيًا كان من يقودها!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك