العدد : ١٧٠٥٦ - الثلاثاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٦ - الثلاثاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

وغزونا المطبخ الغربي

أعربت‭ ‬بالأمس‭ ‬عن‭ ‬إعجابي‭ ‬بالأسلوب‭ ‬الراقي‭ ‬الذي‭ ‬يتعامل‭ ‬به‭ ‬سائقو‭ ‬السيارات‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬لندن‭ ‬مع‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬إفساح‭ ‬الطريق‭ ‬للآخرين،‭ ‬وكشخص‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬مع‭ ‬عائلته‭ ‬الصغيرة،‭ ‬فمن‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬نالت‭ ‬إعجابي‭ ‬واستحساني‭ ‬فيها،‭ ‬أن‭ ‬الأكل‭ ‬المنزلي‭ ‬فيها‭ ‬بنظام‭ ‬رزق‭ ‬اليوم‭ ‬باليوم،‭ ‬يعني‭ ‬تأكل‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬طبخه‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬اليوم،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬بيوتنا‭ ‬يتم‭ ‬الطبخ‭ ‬ثم‭ ‬التخزين‭ ‬في‭ ‬الثلاجة‭ ‬والفريزر،‭ ‬ليأكل‭ ‬الناس‭ ‬وجبات‭ ‬سكند‭ ‬هاند،‭ ‬أي‭ ‬وجبات‭ ‬جاهزة‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬يتم‭ ‬تسخينها،‭ ‬وهكذا‭ ‬فهمت‭ ‬لماذا‭ ‬الثلاجات‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬بيوت‭ ‬بريطانيا‭ ‬صغيرة،‭ ‬وتتسع‭ ‬بالكاد‭ ‬للمواد‭ ‬الغذائية‭ ‬القابلة‭ ‬للتلف‭ ‬مثل‭ ‬الاجبان‭ ‬والألبان،‭ ‬وبالمقابل‭ ‬فإننا‭ ‬نشتري‭ ‬اللحم‭ ‬الطازج‭ ‬بكميات‭ ‬مهولة‭: ‬أوزن‭ ‬لي‭ ‬فخذين‭ ‬وشيل‭ ‬الشحم‭ ‬وقطعهم‭ ‬ووزعهم‭ ‬على‭ ‬طبقين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة،‭ ‬ومنا‭ ‬من‭ ‬يشتري‭ ‬الخروف‭ ‬كاملا‭ ‬ثم‭ ‬يقوم‭ ‬بتخزينه‭ ‬في‭ ‬الثلاجة‭ ‬عدة‭ ‬أيام،‭ ‬ولو‭ ‬قلت‭ ‬لنفس‭ ‬الشخص‭ ‬إن‭ ‬اللحم‭ ‬المجمد‭ ‬سلفا‭ ‬أرخص‭ ‬سعرا‭ ‬سيقول‭ ‬لك‭: ‬حنا‭ ‬ما‭ ‬ناكل‭ ‬إلا‭ ‬لحم‭ ‬طازة‭.‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬التطورات‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬البريطانيين،‭ ‬أنهم‭ ‬ادركوا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬أن‭ ‬وجباتهم‭ ‬التقليدية‭ ‬قبيحة‭ ‬الشكل‭ ‬وسيئة‭ ‬الطعم‭ ‬وركيكة‭ ‬المكونات،‭ ‬وصاروا‭ ‬يعرفون‭ ‬قيمة‭ ‬البهارات،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬احتلوا‭ ‬مواقع‭ ‬حيوية‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬كبريات‭ ‬المدن‭ ‬البريطانية،‭ ‬فقد‭ ‬صار‭ ‬الخواجات‭ ‬مغرمين‭ ‬بالأكلات‭ ‬الشرقية‭ ‬من‭ ‬كباب‭ ‬وفلافل‭ ‬وسلطة‭ ‬حمص‭ ‬وفتوش‭ ‬وتبولة‭ ‬وشاورما،‭ ‬وأذكر‭ ‬أنني‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬بقالة‭ ‬ضخمة‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬ركنا‭ ‬يبيع‭ ‬الأجبان‭ ‬والمرتديلا‭ ‬والزيتون،‭ ‬ثم‭ ‬لمحت‭ ‬عنده‭ ‬سلطة‭ ‬الحمص‭ ‬فطلبت‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يعطيني‭ ‬نحو‭ ‬250‭ ‬جراما‭ ‬منها،‭ ‬وكي‭ ‬يفهمني‭ ‬نطقتها‭ ‬‮«‬هُمُس‮»‬،‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬يقول‭ ‬لي‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يبيع‭ ‬‮«‬همس‮»‬،‭ ‬فأشرت‭ ‬بإصبعي‭ ‬إلى‭ ‬الوعاء‭ ‬الذي‭ ‬يحوي‭ ‬الحمص،‭ ‬فقال‭ ‬وعلى‭ ‬وجهه‭ ‬ابتسامة‭ ‬استخفاف‭: ‬إت‭ ‬إز‭ ‬كولد‭ ‬هيومُس،‭ ‬أي‭ ‬اسمها‭ ‬هيومس،‭ ‬فقلت‭ ‬له‭: ‬وهل‭ ‬التسمية‭ ‬إنجليزية؟‭ ‬فتلجلج،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬أضفت‭: ‬إنني‭ ‬حفيد‭ ‬من‭ ‬اخترع‭ ‬الحمص‭ ‬وأن‭ ‬أمي‭ ‬فطمتني‭ ‬بالحمص‭ ‬المغلي‭ ‬بالماء‭ ‬والمسحون‭ ‬الذي‭ ‬تُصنع‭ ‬منه‭ ‬السلطة،‭ ‬وشرحت‭ ‬له‭ ‬أنه‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬البريطانيين‭ ‬استوردوها‭ ‬من‭ ‬مطابخنا‭ ‬وكتبوها‭ ‬بحرف‭ ‬اليو‭ ‬بعد‭ ‬الإتش humus وبالتالي‭ ‬خرجوا‭ ‬بالنطق‭ ‬المحرّف‭ ‬للكلمة،‭ ‬ولكن‭ ‬البريطانيين‭ ‬كانوا‭ ‬أعقل‭ ‬من‭ ‬التورط‭ ‬مع‭ ‬الكبسة‭ ‬الخليجية‭ (‬بغير‭ ‬الدجاج‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬يكلف‭ ‬إعداد‭ ‬صينية‭ ‬محترمة‭ ‬منها‭ ‬راتب‭ ‬أسبوع‭ ‬لشخص‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬الحكومة‭ ‬تقضم‭ ‬ربع‭ ‬راتب‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬كضرائب،‭ ‬وثمة‭ ‬أمر‭ ‬آخر‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬الوجود‭ ‬العربي‭ ‬الكثيف‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬أهلها‭ ‬صاروا‭ ‬يتناولون‭ ‬بعض‭ ‬صنوف‭ ‬الطعام‭ ‬بأيديهم،‭ ‬والمعروف‭ ‬أن‭ ‬الإنجليز‭ ‬يتمسكون‭ ‬بالطقوس‭ ‬وما‭ ‬يسمى‭ ‬بالإتيكيت‭ ‬حد‭ ‬السخف،‭ ‬وكانوا‭ ‬الى‭ ‬عهد‭ ‬قريب‭ ‬يستهجنون‭ ‬التقاط‭ ‬الامريكيين‭ ‬قطع‭ ‬اللحم‭ ‬بالسكاكين‭ ‬الصغيرة‭ ‬ثم‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬أفواههم،‭ ‬ويعتبرون‭ ‬ذلك‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الأمريكان‭ ‬همجيون‭ ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬ماذا‭ ‬كانوا‭ ‬سيقولون‭ ‬لو‭ ‬رأوا‭ ‬الواحد‭ ‬منها‭ ‬يتلقط‭ ‬عظما‭ ‬مكسوا‭ ‬بربع‭ ‬كيلو‭ ‬من‭ ‬اللحم‭ ‬وينهش‭ ‬فيه‭ ‬كضبع‭.‬

ومن‭ ‬أغرب‭ ‬ما‭ ‬لاحظته‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬أن‭ ‬الخواجات‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬أجناسهم،‭ ‬صاروا‭ ‬يحبون‭ ‬الطعام‭ ‬الحار‭ ‬الحرّاق،‭ ‬اي‭ ‬المضاف‭ ‬اليه‭ ‬الشطة‭ ‬أو‭ ‬الفلفل‭ ‬الأحمر،‭ ‬والأغرب‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الكاري‭ ‬أصلا‭ ‬ابتكار‭ ‬إنجليزي،‭ ‬ونقلوه‭ ‬معهم‭ ‬الى‭ ‬الهند‭ ‬فأضاف‭ ‬اليه‭ ‬الهنود‭ ‬تشكيلة‭ ‬من‭ ‬بهاراتهم‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬بالطعم‭ ‬المعروف‭ ‬دوليا،‭ ‬والمعروف‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬الفقيرة‭ ‬تميل‭ ‬الى‭ ‬استخدام‭ ‬البهارات‭ ‬المتوافرة‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬الطعام‭ ‬بكميات‭ ‬كبيرة،‭ ‬فيعوض‭ ‬طعم‭ ‬البهار‭ ‬الفاقد‭ ‬من‭ ‬القيمة‭ ‬الغذائية،‭ ‬بل‭ ‬يجعل‭ ‬وجبة‭ ‬فقيرة‭ ‬المحتويات،‭ ‬طيبة‭ ‬الطعم‭ ‬فتشبع‭ ‬منها‭ ‬البطن‭ ‬التي‭ ‬تعوي‭ ‬من‭ ‬الجوع،‭ ‬والفقير‭ ‬لا‭ ‬يهمه‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الطعام‭ ‬من‭ ‬سعرات‭ ‬او‭ ‬بروتين‭ ‬او‭ ‬كربون،‭ ‬بل‭ ‬يهمه‭ ‬أن‭ ‬تمتلئ‭ ‬بطنه،‭ ‬ثم‭ ‬اكتشف‭ ‬الاغنياء‭ ‬أن‭ ‬بهارات‭ ‬الفقراء‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬الأكل‭ ‬شهيا‭ ‬ومستساغا،‭ ‬فتحولوا‭ ‬اليها‭ ‬فارتفعت‭ ‬اسعارها‭ ‬فجعلت‭ ‬البهارات‭ ‬شهية‭ ‬الغني‭ ‬اكثر‭ ‬انفتاحا،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الفقير‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬لديه‭ ‬القدرة‭ ‬المالية‭ ‬لشراء‭ ‬البهارات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعينه‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬الماء‭ ‬المغلي‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬حساء‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا