عالم يتغير
فوزية رشيد
عام من الإبادة وألف قصة وقصة!
{ بعد مرور أكثر من عام على حرب الإبادة الوحشية على غزة، وانتقال وحشيتها إلى لبنان، يبدو أن العالم بأنظمته وشعوبه إلا قليلاً، قد دخل سيكولوجية الاعتياد، حتى باتت المشاهد المروعة التي تحدث كل يوم، ويتم نقلها على الشاشات إما مباشرة أو بعد حين في أخبار عاجلة، تحولت إلى مجرد أرقام للضحايا وصور للدمار، واستعراض للأشلاء تحت الأنقاض، فيما الدم الإنساني المراق الذي حرك شوارع العالم والغرب منه، أصيب باليأس من تحركه، مع سقوط وانكشاف العجز الدولي والعربي والإسلامي، في وقف أبشع حرب للإبادة تطل على الناس يوميا، ولا يستطيعون فعل شيء إزاءها !وقد اخذلهم النظام الدولي الزائف ، وخذلتهم القيادات السياسية والأهلية والمدنية العربية والإسلامية بأحزابها ومؤسساتها، التي بدورها لم تقم بما يستحق الحدث القيام به، ولكأن الجميع دولاً وشعوباً ما عدا استثناءات نادرة، قد سلمت روحها لروتين الاعتياد، رغم أن الأمر جلل ويمس الإنسانية كلها وليس أهل غزة وحدهم، أو ما يحدث من تكرار للمشهد، وإن بالتدريج، في لبنان!
{ مجرمو الحرب يلعبون على غسل الأعصاب في البشرية كلها! ومن خلال اللعب عليها، يجعل المشاهد البشعة وجرائم الحرب ضدّ الإنسانية، وكأنها بفعل التكرار اليومي في ظل العجز الدولي وتسلط الغرب الشريك فيه، أمر روتيني! لكأنهم وهم المدركون لخفايا القدرات الإنسانية على التحمل يجعلون الشعوب العاجزة عن اتخاذ القرار داخلة في (حالة سيكولوجية ارتدادية) تتخدّر معها الأعصاب بفعل تراكم المشاهد المروعة يومياً وعلى مدار الساعة من الإبادة وقتل الأطفال والنساء والمدنيين، وممارسة أبشع طرق التعذيب والإهانة وسحق الكرامة الإنسانية في المعتقلات وسجون الكيان الصهيوني، وبما يفوق الوصف! وكأن قائمة الشعوب المتفرجة يتم وضعها هي الأخرى في حالة انسحاق لإنسانيتها فإما أن تعتاد أو تموت قهراً! أو تقوم بردة فعل جماعية على مستوى العالم لاسترداد إنسانيتها وإنسانية هذا العالم الذي تعيش على ترابه! وهذا ما لم يحدث حتى الآن رغم سقوط كل هياكل النظام الدولي والأممي حولها!
{ عام وأكثر على جنون الإبادة، وألف قصة وقصة تدخل الذاكرة الإنسانية بما هو أبعد من الخيال، في حجم بشاعة ما يحدث لبشر يتساقطون كل يوم كأوراق الخريف دون عدّ وحساب!، فماكينة القتل بالأسلحة الفتاكة وحتى المحرمة دولياً، يتم استخدامها كخراطيم المياه بفعل يومي واعتيادي! ما يقارب 7% من شعب غزة استشهد، وأضعاف هذا الرقم أصيب بالتشوه أو الإعاقة أو البتر أو الأمراض! لتثبت قصص الضحايا المتناسلة كل ساعة أن الفشل الذي طال العالم كله، هو (فشل نوعي وتاريخي) خاصة مع استمرار الوضع في ظل الوحشية المتراكمة أكثر من عام!
{ هؤلاء الذين يسقطون يومياً منذ أكثر من عام في الطرقات والمستشفيات وفي بيوتهم المهدمة، هم أرواح إنسانية لها أحلام وتطلعات وقدرات ذاتية كبيرة للتعلم والارتقاء، ولها حياة فيها كل ما في حياة البشر في دول العالم من روابط أسرية وعلاقات إنسانية، فاذا بالموت يترصدهم كل حين، فيما العالم اعتاد الفُرجة!، مع بعض صراخ من شعوب وساسة ومفكرين ومثقفين، يرفضون الاعتياد على الهمجية والإبادة ضد شعب رفض الرضوخ منذ مائة عام وأكثر، ليدرك العالم كله معنى الصمود والإرادة والتشبث بالأرض وقيمة الوطن ومعنى الإيمان بالله، ولتدرك الشعوب أيضاً أثمان الحرية الباهظة، حين يقرر شعب التحرر من احتلال سجل في العالم كله حجم وحشيته ولا إنسانيته وعنصريته وعدم تحضره! ومقابل ألف قصة وقصة في كل حي وشارع تحكي عذابات الضحايا، هناك ألف قصة وقصة في كل جزء من فلسطين المحتلة، تحكى عنجهية المحتل وعقلية قادة جرائم الحرب ضد الإنسانية، وعفن الأفكار الاستعمارية التي يمارسها هؤلاء دون أدنى إحساس وبهمجية مطلقة، وهو يتلذذ بمرأى أشلاء الأطفال والنساء والمدنيين، الذين يرتكب ضدهم مالم يتمكن الإنسان من ارتكابه حتى ضد الكائنات ووحوش البرية عبر التاريخ!
{ أكثر من عام مضى والكيان لا يزال يتحدث عن الانتصار، فيما الهزيمة الحقيقية تسكن كل ذرّاته، والشعب الفلسطيني رغم كل عوامل القهر والإبادة لا يزال يقاوم! أكثر من عام والهمجية تنتقل من فلسطين إلى لبنان، لتعبث إمكانيات الشرّ بالسلاح والتكنولوجيا في أرواح البشر، وتخلف وراءها كل يوم أكثر المشاهد المروعة بشاعة، فيما السردية القابلة للكيان الصهيوني تقلب كل الحقائق على مرأى ومسمع من العالم، تمتلك الجرأة بوقاحة منقطعة النظير لتدافع عن نفسها ضد الإرهاب! وهل من إرهاب دولة أكثر مما يراه العالم على يدي هذا الكيان؟!
{ قصص العام الذي مضى موثقة على تلفزيونات العالم كله، وبما يشيب له رأس الولدان! قصص وحكايات ومآس وبطولات جعلت العالم كله يهتز ومطلوب منه أن يعيد الاعتبار لنفسه ولنظامه، وأن تعيد الشعوب معنى الإنسانية لنفسها، والغضب ضد الظلم والهمجية والعنصرية، وأن تحرر نفسها من سطوة التسلط الصهيوني العالمي، وأن تقرأ سيرة البشرية مجدّداً، لتحكي سردية ما حدث منذ 8 أكتوبر، وما يحدث حتى الآن وسيحدث لاحقاً، لأن مجانين وإرهابين يقودون الكيان الصهيوني ويقودون العالم من البيت الأسود الذي لطخ سواده العالم كله!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك