العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

حرب أكتوبر.. الدروس المنسية

من‭ ‬أكبر‭ ‬خطايانا‭ ‬نحن‭ ‬العرب‭ ‬أننا‭ ‬ننسى‭ ‬ولا‭ ‬نتعلم‭.‬

‭ ‬ننسى‭ ‬حتى‭ ‬إنجازاتنا‭ ‬التاريخية‭ ‬الكبرى،‭ ‬ولا‭ ‬نتعلم‭ ‬دروسها‭ ‬أو‭ ‬نبني‭ ‬عليها‭.‬

المثال‭ ‬الأكبر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬المعاصر‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭.‬

حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬كانت‭ ‬ملحمة‭ ‬عربية‭ ‬تاريخية‭ ‬كبرى‭.. ‬حرب‭ ‬غيرت‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭.. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬نصر‭ ‬أكتوبر‭ ‬نصرا‭ ‬عسكريا‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬نصرا‭ ‬لأمة‭ ‬بأسرها‭ ‬بكل‭ ‬دولها‭ ‬وقياداتها‭ ‬وشعوبها‭. ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يؤسس‭ ‬لعهد‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬

دروس‭ ‬كبرى‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬نتعلمها‭ ‬وأن‭ ‬نبني‭ ‬على‭ ‬أساسها‭ ‬سياساتنا‭ ‬وقوتنا‭ ‬العربية‭.‬

في‭ ‬مقدمة‭ ‬هذه‭ ‬الدروس‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

أولا‭: ‬الإرادة‭.. ‬إننا‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نواجه‭ ‬أي‭ ‬تحدٍ‭ ‬أو‭ ‬خطر،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نحقق‭ ‬أي‭ ‬إنجاز‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬نمتلك‭ ‬الإرادة‭ ‬أولا‭.. ‬إرادة‭ ‬الرفض‭ ‬والصمود‭ ‬والمقاومة‭ ‬والإصرار‭ ‬والمواجهة‭.‬

الأمة‭ ‬العربية‭ ‬بأسرها‭.. ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بلا‭ ‬استثناء‭ ‬امتلكت‭ ‬هذه‭ ‬الإرادة‭.. ‬امتلكت‭ ‬هذه‭ ‬الإرادة‭ ‬رسميا‭ ‬وشعبيا‭.‬

مصر‭ ‬وكل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬امتلكت‭ ‬هذه‭ ‬الإرادة‭ ‬فور‭ ‬وقوع‭ ‬أكبر‭ ‬هزيمة‭ ‬شهدناها‭.. ‬هزيمة‭ ‬يونيو‭ ‬1967‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أعداء‭ ‬الأمة‭ ‬راهنوا‭ ‬على‭ ‬هزيمتها‭ ‬الدائمة‭ ‬وانكسارها‭ ‬الدائم‭ ‬بعد‭ ‬يونيو،‭ ‬بل‭ ‬وخرج‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬نهاية‭ ‬العرب‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬لن‭ ‬تقوم‭ ‬لهم‭ ‬قائمة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأمة‭ ‬بأسرها‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬رأي‭ ‬آخر‭.. ‬لن‭ ‬نقبل‭ ‬بالهزيمة،‭ ‬وسوف‭ ‬نتجاوز‭ ‬آلامها،‭ ‬وسوف‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬النصر‭ ‬واستعادة‭ ‬الكرامة‭ ‬العربية‭.‬

هذه‭ ‬الإرادة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬العمل‭ ‬الجبار‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والوطن‭ ‬العربي‭ ‬إعدادا‭ ‬للمعركة‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬نصر‭ ‬أكتوبر‭.‬

ثانيا‭: ‬القدرة‭ ‬العربية‭ ‬الرهيبة‭ ‬التي‭ ‬يمتلكها‭ ‬العرب‭ ‬إذا‭ ‬هم‭ ‬وحدوا‭ ‬موقفهم‭ ‬وجندوا‭ ‬إمكانياتهم‭ ‬بشكل‭ ‬موحد‭.‬

في‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬واثناء‭ ‬الحرب،‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬إلا‭ ‬وساهمت‭ ‬في‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬قادت‭ ‬الى‭ ‬النصر‭. ‬كل‭ ‬المساهمات‭ ‬العربية‭ ‬تمت‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬موحد‭.‬

لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نرصد‭ ‬كل‭ ‬الإمكانيات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تجنيدها‭ ‬وحشدها‭.. ‬الموقف‭ ‬السياسي‭ ‬العربي‭ ‬الموحد‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬العدو‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭.. ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬للمجهود‭ ‬الحربي‭.. ‬الاستعداد‭ ‬لإرسال‭ ‬مقاتلين‭ ‬إلى‭ ‬جبهات‭ ‬القتال‭.. ‬الخ‭ ‬الخ‭.‬

هذه‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬بلغت‭ ‬ذروتها‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الخطوة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬فاجأت‭ ‬وأذهلت‭ ‬الغرب‭ ‬الداعم‭ ‬للعدو‭.. ‬نعني‭ ‬قرار‭ ‬حظر‭ ‬تصدير‭ ‬النفط‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬المقولة‭ ‬التاريخية‭ ‬الخالدة‭ ‬للملك‭ ‬فيصل‭ ‬ـ‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬ـ‭ ‬إن‭ ‬‮«‬النفط‭ ‬العربي‭ ‬ليس‭ ‬أغلى‭ ‬من‭ ‬الدم‭ ‬العربي‮»‬‭.. ‬أمة‭ ‬عربية‭ ‬كان‭ ‬الدم‭ ‬العربي‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها‭ ‬غاليا،‭ ‬والمال‭ ‬والمصالح‭ ‬الأنانية‭ ‬رخيصة‭.‬

ربما‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الكثيرون‭ ‬اليوم‭ ‬الزلزال‭ ‬الذي‭ ‬أحدثه‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬العربي،‭ ‬والتأثير‭ ‬الرهيب‭ ‬الذي‭ ‬ترتب‭ ‬عليه‭.‬

ثالثا‭: ‬القدرات‭ ‬العبقرية‭ ‬الفذة‭ ‬للإنسان‭ ‬العربي‭ ‬حين‭ ‬تتاح‭ ‬له‭ ‬الفرصة‭.‬

لو‭ ‬أراد‭ ‬أي‭ ‬مؤرخ‭ ‬أن‭ ‬يرصد‭ ‬القدرات‭ ‬الفذة‭ ‬التي‭ ‬أظهرها‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬النصر‭ ‬لاحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مجلدات‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحرفي‭.‬

آلاف‭ ‬القصص‭ ‬العبقرية‭ ‬المبدعة‭ ‬سجلها‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬التخطيط‭ ‬والإعداد‭ ‬للحرب،‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬خطط‭ ‬الخداع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الكبرى‭.‬

آلاف‭ ‬القصص‭ ‬العبقرية‭ ‬المبدعة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬نفسها‭. ‬مثلا،‭ ‬فكرة‭ ‬استخدام‭ ‬خراطيم‭ ‬المياه‭ ‬لتدمير‭ ‬خط‭ ‬بارليف‭ ‬الذي‭ ‬ظن‭ ‬العدو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬تدميره،‭ ‬فكرة‭ ‬عبقرية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬لمواطن‭ ‬عربي‭.‬

المقاتل‭ ‬العربي‭ ‬أظهر‭ ‬بطولات‭ ‬لا‭ ‬توصف‭ ‬وأظهر‭ ‬إبداعا‭ ‬عسكريا‭ ‬لا‭ ‬سابقة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المعارك‭.‬

كل‭ ‬بيت‭ ‬عربي‭ ‬لديه‭ ‬قصة‭ ‬بطولة‭ ‬سجلها‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭.‬

لا‭ ‬يتسع‭ ‬المجال‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬جوانب‭ ‬العبقرية‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬يتم‭ ‬تدريسها‭ ‬في‭ ‬الأكاديميات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

هذه‭ ‬بعض‭ ‬دروس‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وغيرها‭ ‬كثير‭ ‬جدا‭.‬

حين‭ ‬نتأمل‭ ‬حالنا‭ ‬العربي‭ ‬اليوم‭ ‬والوضع‭ ‬المأساوي‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نتساءل‭: ‬أين‭ ‬ذهبت‭ ‬هذه‭ ‬الدروس؟‭.. ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬نتعلمها‭ ‬ونبني‭ ‬عليها؟

أين‭ ‬ذهبت‭ ‬تلك‭ ‬الروح‭ ‬والإرادة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬وقفت‭ ‬وراء‭ ‬نصر‭ ‬أكتوبر؟‭.‬

أين‭ ‬ذهب‭ ‬الإيمان‭ ‬بوحدة‭ ‬الموقف‭ ‬العربي‭ ‬وبالقدرة‭ ‬العربية‭ ‬الموحدة‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفعله؟

أين‭ ‬ذهب‭ ‬الإيمان‭ ‬بالإنسان‭ ‬العربي‭ ‬وما‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفعله‭ ‬إن‭ ‬أتيحت‭ ‬له‭ ‬الفرصة‭ ‬لذلك؟

لماذا‭ ‬أصبح‭ ‬الدم‭ ‬العربي‭ ‬رخيصا،‭ ‬والأرواح‭ ‬العربية‭ ‬رخيصة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬حصدها‭ ‬بمئات‭ ‬الآلاف‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة؟‭.‬

رغم‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬فإننا‭ ‬لن‭ ‬نفقد‭ ‬الأمل‭ ‬أبدا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬يوم‭ ‬ونستعيد‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬الدروس،‭ ‬وتنهض‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬بإرادتها‭ ‬وبقدراتها‭ ‬وبأبنائها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا