يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
حرب أكتوبر.. الدروس المنسية
من أكبر خطايانا نحن العرب أننا ننسى ولا نتعلم.
ننسى حتى إنجازاتنا التاريخية الكبرى، ولا نتعلم دروسها أو نبني عليها.
المثال الأكبر على هذا في تاريخنا المعاصر حرب أكتوبر 1973.
حرب أكتوبر كانت ملحمة عربية تاريخية كبرى.. حرب غيرت موازين القوى في المنطقة والعالم.. لم يكن نصر أكتوبر نصرا عسكريا وحسب، بل كان نصرا لأمة بأسرها بكل دولها وقياداتها وشعوبها. كان من المفروض أن يؤسس لعهد جديد من القوة العربية في العالم.
دروس كبرى كان من المفروض أن نتعلمها وأن نبني على أساسها سياساتنا وقوتنا العربية.
في مقدمة هذه الدروس ما يلي:
أولا: الإرادة.. إننا لا نستطيع أن نواجه أي تحدٍ أو خطر، ولا يمكن أن نحقق أي إنجاز إذا لم نمتلك الإرادة أولا.. إرادة الرفض والصمود والمقاومة والإصرار والمواجهة.
الأمة العربية بأسرها.. كل الدول العربية بلا استثناء امتلكت هذه الإرادة.. امتلكت هذه الإرادة رسميا وشعبيا.
مصر وكل الدول العربية امتلكت هذه الإرادة فور وقوع أكبر هزيمة شهدناها.. هزيمة يونيو 1967.
على الرغم من أن أعداء الأمة راهنوا على هزيمتها الدائمة وانكسارها الدائم بعد يونيو، بل وخرج منهم من يتحدث عن «نهاية العرب» الذين لن تقوم لهم قائمة، إلا أن الأمة بأسرها كان لها رأي آخر.. لن نقبل بالهزيمة، وسوف نتجاوز آلامها، وسوف نعمل على تحقيق النصر واستعادة الكرامة العربية.
هذه الإرادة هي التي تقف وراء العمل الجبار على كل المستويات في مصر والوطن العربي إعدادا للمعركة وصولا إلى نصر أكتوبر.
ثانيا: القدرة العربية الرهيبة التي يمتلكها العرب إذا هم وحدوا موقفهم وجندوا إمكانياتهم بشكل موحد.
في السنوات التي سبقت حرب أكتوبر واثناء الحرب، لا توجد دولة عربية إلا وساهمت في الجهود التي قادت الى النصر. كل المساهمات العربية تمت في إطار موحد.
لا نستطيع أن نرصد كل الإمكانيات العربية التي تم تجنيدها وحشدها.. الموقف السياسي العربي الموحد في مواجهة العدو والدول الغربية.. الدعم المالي للمجهود الحربي.. الاستعداد لإرسال مقاتلين إلى جبهات القتال.. الخ الخ.
هذه الوحدة العربية بلغت ذروتها الكبرى في تلك الخطوة التاريخية التي فاجأت وأذهلت الغرب الداعم للعدو.. نعني قرار حظر تصدير النفط العربي من منطلق المقولة التاريخية الخالدة للملك فيصل ـ رحمه الله ـ إن «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي».. أمة عربية كان الدم العربي بالنسبة لها غاليا، والمال والمصالح الأنانية رخيصة.
ربما لا يعرف الكثيرون اليوم الزلزال الذي أحدثه هذا القرار العربي، والتأثير الرهيب الذي ترتب عليه.
ثالثا: القدرات العبقرية الفذة للإنسان العربي حين تتاح له الفرصة.
لو أراد أي مؤرخ أن يرصد القدرات الفذة التي أظهرها الإنسان العربي في سنوات ما قبل حرب أكتوبر وصولا إلى النصر لاحتاج إلى مجلدات بالمعنى الحرفي.
آلاف القصص العبقرية المبدعة سجلها الإنسان العربي في مراحل التخطيط والإعداد للحرب، على كل المستويات، وتنفيذ خطط الخداع الاستراتيجي الكبرى.
آلاف القصص العبقرية المبدعة في الحرب نفسها. مثلا، فكرة استخدام خراطيم المياه لتدمير خط بارليف الذي ظن العدو أنه لا يمكن أن يتمكن أحد من تدميره، فكرة عبقرية غير مسبوقة في التاريخ لمواطن عربي.
المقاتل العربي أظهر بطولات لا توصف وأظهر إبداعا عسكريا لا سابقة له في تاريخ المعارك.
كل بيت عربي لديه قصة بطولة سجلها أثناء الحرب.
لا يتسع المجال للحديث عن كل جوانب العبقرية العسكرية والسياسية العربية في حرب أكتوبر، لكن هذه الجوانب يتم تدريسها في الأكاديميات العسكرية في العالم.
هذه بعض دروس أكتوبر، وغيرها كثير جدا.
حين نتأمل حالنا العربي اليوم والوضع المأساوي الذي نعيشه لا بد أن نتساءل: أين ذهبت هذه الدروس؟.. لماذا لم نتعلمها ونبني عليها؟
أين ذهبت تلك الروح والإرادة العربية التي وقفت وراء نصر أكتوبر؟.
أين ذهب الإيمان بوحدة الموقف العربي وبالقدرة العربية الموحدة وما يمكن أن تفعله؟
أين ذهب الإيمان بالإنسان العربي وما يستطيع أن يفعله إن أتيحت له الفرصة لذلك؟
لماذا أصبح الدم العربي رخيصا، والأرواح العربية رخيصة حتى لو تم حصدها بمئات الآلاف كما يحدث في غزة؟.
رغم كل هذا، فإننا لن نفقد الأمل أبدا في أن يأتي يوم ونستعيد فيه هذه الدروس، وتنهض الأمة العربية بإرادتها وبقدراتها وبأبنائها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك