لقد تحول العدوان السافر الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة إلى حرب مدمرة تستهدف الأطفال الفلسطينيين، وقد تجلى ذلك بكل وضوح في يوم السابع من شهر أكتوبر من سنة 2023، ليتواصل إلى اليوم.
في يوم 17 أغسطس الماضي، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف إطلاق النار مدة سبعة أيام للسماح بتطعيم الأطفال في غزة ضد شلل الأطفال، حيث قال: «إنني أناشد جميع الأطراف تقديم ضمانات ملموسة على الفور، وضمان هدنة إنسانية لتنفيذ هذه الحملة».
وللعلم، فقد تم اكتشاف أول حالة من هذا الوباء المدمر الذي يهدد الأطفال في بلدة دير البلح وسط قطاع غزة.
وقد قال وزير الصحة الفلسطيني ماجد أبو رمضان: «من المعروف علميا أنه من بين كل 200 إصابة بالفيروس، تظهر أعراض شلل الأطفال كاملة على حالة واحدة فقط، في حين أن الحالات المتبقية قد تظهر عليها أعراض خفيفة مثل البرد أو الحمى الخفيفة».
وهذا يعني أن هذا المرض قد يكون انتشر في جميع أنحاء قطاع غزة، حيث تم تدمير نظام الرعاية الصحية بأكمله إلى حد كبير منذ بداية العدوان الإسرائيلي الهمجي في شهر أكتوبر الماضي والذي يتواصل حتى اليوم. لقد تبين أن الطفل الفلسطيني البالغ من العمر عشرة أشهر، الذي كان أول من أصيب بفيروس شلل الأطفال، مثل كثيرين غيره في قطاع غزة المدمر، لم يتلق قط أي جرعة تطعيم ضد هذا المرض.
ولمنع وقوع كارثة أكبر في غزة المنكوبة بالحرب، قالت منظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، إنه يتعين عليهما تطعيم 640 ألف طفل في جميع أنحاء القطاع خلال فترة زمنية قصيرة.
ومع ذلك، فإن المهمة صعبة، حيث إن الغالبية العظمى من سكان غزة محشورون في مخيمات اللاجئين غير الآمنة - مخيمات ضخمة من الخيام، معظمها في وسط غزة دون إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة أو الكهرباء.
يجد سكان غزة اليوم أنفسهم محاطين بأكثر من 330 ألف طن من النفايات، ما أدى إلى زيادة تلويث المياه غير الصالحة للشرب بالفعل، والتي، وفقًا للخبراء، ربما كانت السبب وراء تفشي فيروس شلل الأطفال.
إن التحدي المتمثل في إنقاذ أطفال غزة معقد، ذلك أن القنابل الإسرائيلية لا تزال تسقط على كل جزء من القطاع، بما في ذلك ما يسمى «المناطق الآمنة»، التي أعلنتها إسرائيل بعد وقت قصير من بدء الحرب.
أما المشكلة الأخرى فهي أن غزة تعيش منذ أشهر من دون كهرباء. وبدون نظام تبريد فعال، يمكن أن تصبح غالبية اللقاحات غير صالحة للاستخدام، ولكن معاناة أطفال غزة أكبر من مجرد نقص التطعيم.
وإلى حدود تاريخ 19 أغسطس 2023، قُتل ما لا يقل عن 16,480 طفلاً كنتيجة مباشرة للحرب، بالإضافة إلى آلاف آخرين مازالوا في عداد المفقودين، ويُفترض أنهم ماتوا. ويشمل العدد بحسب وزير الصحة الفلسطيني في غزة 115 طفلا رضيعا.
وقال متحدث باسم الوزارة إن العديد من الأطفال ماتوا جوعا، وأن «ما لا يقل عن 3500 طفل في غزة يواجهون نفس المصير بسبب نقص الغذاء وسوء التغذية في ظل القيود الإسرائيلية على توصيل الغذاء».
وبالإضافة إلى ذلك، حتى الآن، فقد أكثر من 17,000 طفل في قطاع غزة أحد والديهم أو كليهما منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023.
ومن الأسباب الرئيسية التي تجعل أطفال غزة يشكلون غالبية ضحايا الحرب هو أن المنازل والمدارس وملاجئ النازحين كانت الأهداف الرئيسية للقصف المتواصل.
ووفقاً لبيان صادر عن خبراء منظمة الأمم المتحدة في شهر أبريل الماضي، فإن «أكثر من 80% من المدارس في غزة قد لحقت بها أضرار أو دمرت».
وكتب أولئك الخبراء في تقريرهم يقولون: «قد يكون من المعقول التساؤل عما إذا كان هناك نية متعمدة لتدمير نظام التعليم الفلسطيني بشكل شامل، وهو عمل يعرف باسم قتل المدارس».
وتستمر النية الممنهجة في استهداف المدارس الفلسطينية في قطاع غزة. ففي 18 أغسطس الماضي، قال وزير التربية والتعليم الفلسطيني، أمجد برهم، إن أكثر من 90 بالمائة من جميع مدارس غزة قد دمرت، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية «وفا».
ومن أصل 309 مدراس، تم تدمير 290 مدرسة نتيجة القصف الإسرائيلي، وقد تسبب ذلك في حرمان 630 ألف طالب من أي إمكانية للوصول إلى التعليم.
وفي حين يمكن إعادة بناء المنازل والمدارس، فإن الحياة الثمينة للأطفال الذين قتلوا لا يمكن استعادتها.
ووفقاً لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية، إلى حدود تاريخ 2 يوليو، قُتل 8572 طالباً في غزة و100 طالب في الضفة الغربية المحتلة على أيدي الجيش الإسرائيلي. كما أصيب 14089 طالبا في غزة و494 طالبا في الضفة الغربية.
وهذه هي أسوأ الخسائر التي تعرض لها الأطفال الفلسطينيون خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا منذ النكبة، وتدمير الوطن الفلسطيني عام 1948، وتظل المأساة تتفاقم يومًا بعد يوم.
ولا ينبغي لأي طفل، ناهيك عن جيل كامل من الأطفال، أن يتحمل هذا القدر من المعاناة، بغض النظر عن المنطق السياسي أو السياق.
لقد خصص القانون الدولي والإنساني «احترامًا وحماية خاصين» للأطفال في أوقات النزاعات المسلحة، وهو ما قررته قواعد بيانات القانون الإنساني الدولي التابعة للصليب الأحمر. قد تنطبق هذه القوانين على الأطفال الفلسطينيين من الناحية النظرية، ولكن بالتأكيد ليس من الناحية العملية.
إن خيانة المجتمع الدولي لهؤلاء الأطفال ستظل تمثل وصمة على الوعي الجمعي للبشرية لعقود قادمة.
وفي الحقيقة أن هذا العدوان الإسرائيلي هو حرب على الأطفال الفلسطينيين ـ وهي الحرب التي لا بد أن تتوقف قبل أن يتم محو جيل من الأطفال الفلسطينيين بالكامل.
{ أكاديمي وكاتب فلسطيني
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك