العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا قد تخدعنا الاستطلاعات في انتخابات الرئاسة الأمريكية؟

بقلم: د. منار الشوربجي

الاثنين ٢٣ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

تقدُّم‭ ‬كامالا‭ ‬هاريس‭ ‬على‭ ‬منافسها‭ ‬في‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬عقب‭ ‬انعقاد‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬لحزبها،‭ ‬والمناظرة‭ ‬التلفزيونية‭ ‬الأخيرة‭ ‬ليست‭ ‬مؤشراً‭ ‬على‭ ‬المستقبل،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬توخي‭ ‬الحذر‭ ‬عند‭ ‬قراءة‭ ‬الاستطلاعات‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬حتى‭ ‬يوم‭ ‬الاقتراع‭ ‬العام‭. ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬دقة‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي،‭ ‬وإنما‭ ‬معناه‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اعتبارات‭ ‬ثلاثة‭ ‬ينبغي‭ ‬أخذها‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬عند‭ ‬قراءتها‭.. ‬فكثيرة‭ ‬هي‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬فوجئ‭ ‬فيها‭ ‬العالم،‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة،‭ ‬بخسارة‭ ‬المرشح‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تشير‭ ‬نتائج‭ ‬الاستطلاعات‭ ‬إلى‭ ‬تقدمه،‭ ‬فهيلاري‭ ‬كلينتون،‭ ‬مثلاً،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتقدم‭ ‬على‭ ‬ترامب،‭ ‬هزمها‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016‭.‬

وتقدم‭ ‬هاريس‭ ‬في‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬جديداً‭.. ‬فمن‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية،‭ ‬أن‭ ‬ترتفع‭ ‬أسهم‭ ‬المرشح،‭ ‬فور‭ ‬انتهاء‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬لحزبه‭ ‬مثلا،‭ ‬لأن‭ ‬أيام‭ ‬انعقاد‭ ‬المؤتمر‭ ‬تكون‭ ‬فرصة‭ ‬جيدة‭ ‬ليُكوّن‭ ‬الناخبون‭ ‬انطباعاتهم‭ ‬عن‭ ‬الحالة‭ ‬الراهنة‭ ‬لذلك‭ ‬الحزب‭ ‬ومرشحه‭.. ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ينطفئ‭ ‬الحماس،‭ ‬وتتحول‭ ‬الأنظار‭ ‬بعيداً،‭ ‬نحو‭ ‬وقائع‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬غيرها،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يغير‭ ‬الخريطة‭ ‬الانتخابية‭. ‬ولا‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬قد‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬دفعة‭ ‬للأمام،‭ ‬بعد‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬للحزب‭ ‬الجمهوري،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تبخرت‭ ‬عقب‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬للحزب‭ ‬المنافس‭.‬

لذلك،‭ ‬فهناك‭ ‬اعتبارات‭ ‬يجب‭ ‬أخذها‭ ‬في‭ ‬الحسبان،‭ ‬عند‭ ‬قراءة‭ ‬الاستطلاعات‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬المتبقية‭ ‬من‭ ‬الحملة،‭ ‬أولها‭ ‬أن‭ ‬الفترة‭ ‬المتبقية‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬حتى‭ ‬يوم‭ ‬الاقتراع‭ ‬العام،‭ ‬ليست‭ ‬بقصيرة‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية،‭ ‬ففضلاً‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬أحداثاً‭ ‬مهمة‭ ‬قد‭ ‬تقع‭ ‬خلالها،‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬مجريات‭ ‬الأمور‭ ‬تماماً،‭ ‬فإن‭ ‬الأهم‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭ ‬لا‭ ‬يولون‭ ‬اهتماماً‭ ‬يذكر‭ ‬للحملة‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الأسابيع‭ ‬الأخيرة،‭ ‬قبل‭ ‬الاقتراع‭ ‬العام‭.‬

وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬الأهم‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬الدقيقة‭. ‬لكن‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬الاستطلاعات‭ ‬ذاتها،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬خادعة،‭ ‬هي‭ ‬الأخرى،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يُحسن‭ ‬المتابع‭ ‬قراءتها،‭ ‬حتى‭ ‬يدرك‭ ‬مغزى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬نسبها‭ ‬المئوية‭.‬

وهذا‭ ‬هو‭ ‬بالضبط‭ ‬الاعتبار‭ ‬الثاني‭. ‬ففي‭ ‬بلد‭ ‬يعاني‭ ‬استقطابا‭ ‬حادا،‭ ‬صار‭ ‬معه‭ ‬هامش‭ ‬الفوز‭ ‬بانتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬ضئيلاً‭ ‬للغاية،‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬قراءة‭ ‬الاستطلاعات،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬الى‭ ‬العبارة‭ ‬ذات‭ ‬الأهمية‭ ‬بالغة‭ ‬التي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تتذيلها،‭ ‬والمتعلقة‭ ‬بهامش‭ ‬الخطأ‭.‬

فإذا‭ ‬قلنا‭ ‬مثلاً‭ ‬إن‭ ‬الاستطلاع‭ ‬الذي‭ ‬رصد‭ ‬تقدم‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬كامالا‭ ‬هاريس‭ ‬بنسبة‭ ‬48%‭ ‬إلى‭ ‬46%،‭ ‬يذكر‭ ‬أن‭ ‬هامش‭ ‬الخطأ‭ ‬فيه‭ ‬يساوي‭ ‬2%،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬شعبية‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬46%و50%،‭ ‬أي‭ ‬بإضافة‭ ‬2%،‭ ‬أو‭ ‬طرحها‭ ‬من‭ ‬النسبة‭ ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬عليها‭. ‬والشيء‭ ‬نفسه‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬هاريس،‭ ‬فتكون‭ ‬نسبة‭ ‬شعبيتها‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬48%‭ ‬و44%‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬المرشحين،‭ ‬يسمح‭ ‬فعلياً‭ ‬لأي‭ ‬منهما‭ ‬بالفوز‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬لأن‭ ‬هامش‭ ‬الفوز‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬بات‭ ‬ضئيلاً،‭ ‬يستحيل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الاستطلاعات،‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬دقتها،‭ ‬للتنبؤ‭ ‬بالفائز‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭.‬

والاعتبار‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬بأمريكا،‭ ‬ليست‭ ‬انتخابات‭ ‬مباشرة،‭ ‬بل‭ ‬تتم‭ ‬عبر‭ ‬مرحلتين،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬المجمع‭ ‬الانتخابي‭.. ‬فالناخب‭ ‬حين‭ ‬يدلي‭ ‬بصوته،‭ ‬فإنه‭ ‬عملياً‭ ‬لا‭ ‬يعطيه‭ ‬للمرشح‭ ‬الذي‭ ‬يفضله،‭ ‬وإنما‭ ‬للمجمع‭ ‬الانتخابي،‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بدوره‭ ‬باختيار‭ ‬الرئيس‭.‬

وأصوات‭ ‬المجمع‭ ‬الانتخابي‭ ‬ليست‭ ‬موزعة‭ ‬بالتساوي‭ ‬بين‭ ‬الولايات،‭ ‬وإنما‭ ‬تحصل‭ ‬كل‭ ‬ولاية‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المنتخبين،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬مجمل‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭. ‬وجوهر‭ ‬المعضلة،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬صوت‭ ‬الناخب‭ ‬الأمريكي‭ ‬يترجم‭ ‬إلى‭ ‬منتخبين‭ ‬في‭ ‬ولايته‭ ‬وحدها،‭ ‬أي‭ ‬تحسب‭ ‬النتيجة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ولاية‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الولايات،‭ ‬لا‭ ‬الناخبين،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تختار‭ ‬الرئيس‭ ‬فعلياً‭. ‬والعلاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬بين‭ ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬الانتخابي،‭ ‬وبين‭ ‬ضرورة‭ ‬توخي‭ ‬الحذر‭ ‬عند‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي،‭ ‬لمعرفة‭ ‬النتيجة‭ ‬النهائية‭ ‬للانتخابات‭.‬

فهذا‭ ‬التعقيد‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬الانتخابية،‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬فعلاً‭ ‬بالمرشح‭ ‬المتقدم‭ ‬في‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬الى‭ ‬الفوز‭ ‬بأصوات‭ ‬الناخبين‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬ولكنه‭ ‬يخسر‭ ‬الانتخابات،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬المعيار‭ ‬في‭ ‬الفوز‭ ‬بالرئاسة،‭ ‬ليس‭ ‬أصوات‭ ‬الناخبين‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬وإنما‭ ‬أصوات‭ ‬الولايات،‭ ‬أي‭ ‬أصوات‭ ‬المجمع‭ ‬الانتخابي‭. ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬تحديداً،‭ ‬فإن‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمدى‭ ‬شعبية‭ ‬المرشح‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ولاية‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ترصد‭ ‬شعبيته‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬الخمسين‭ ‬مجتمعة‭.‬

ولا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬الاعتبارات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالحملة‭ ‬الراهنة‭ ‬تحديداً‭.. ‬فانسحاب‭ ‬بايدن‭ ‬قبل‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬بأسابيع‭ ‬قليلة،‭ ‬أدى‭ ‬تلقائياً‭ ‬الى‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسهم‭ ‬هاريس‭ ‬الانتخابية،‭ ‬فالحدث‭ ‬سلط‭ ‬الأضواء‭ ‬والكاميرات‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬حاسمة،‭ ‬ما‭ ‬أعطاها‭ ‬دفعة‭ ‬قوية،‭ ‬افتتح‭ ‬في‭ ‬خضمها‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام،‭ ‬فتضاعف‭ ‬تقدمها‭ ‬على‭ ‬منافسها‭. ‬وما‭ ‬يستحق‭ ‬التأمل،‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الزخم‭ ‬الاستثنائي،‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬لهاريس‭ ‬إلا‭ ‬تقدماً‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬نقاط‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الاستطلاعات‭. ‬باختصار،‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬دقة‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬فهي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬خادعة‭ ‬للغاية،‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬أدى‭ ‬فيه‭ ‬الاستقطاب‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬هامش‭ ‬الفوز‭ ‬لأدنى‭ ‬مستوياته‭.‬

{ باحثة‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬

مختصة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الأمريكية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا