يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
حين يتحدث مديرا المخابرات
عندما يكتب رئيسا المخابرات في بلدين كبيرين مثل أمريكا وبريطانيا مقالا مشتركا، لا بد أن تكون هناك أمور مهمة يريدان إثارتها أو رسائل مهمة يريدان توجيهها.
قبل أيام نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية مقالا مشتركًا لمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، ومدير وكالة المخابرات البريطانية ريتشارد مور.
في كل الأحوال يجب أن نهتم بما يكتبه مثل هذين المسؤولين فهو يعبر عموما عن استراتيجية وسياسة البلدين، والغرب عموما، إزاء مختلف القضايا.
في المقال أثار رئيسا المخابرات ثلاث قضايا كبرى بوجه خاص.
القضية الأولى: الموقف من روسيا والصين. ولا جديد هنا فيما قالاه، فقد اعتبرا أن مواجهة روسيا والصين هي المهمة الكبرى للبلدين، وللغرب عموما، في القرن الحالي.
تحدثا في المقال عن ضرورة التصدي لروسيا ودعم أوكرانيا وعن «التصميم على مكافحة حملة التخريب التي تنفذها روسيا في أوروبا؛ عبر استخدام التكنولوجيا لنشر المعلومات المضللة من أجل بث الفرقة بيننا».
واعتبر مديرا المخابرات أن الصين تعتبر هي «التحدي الجيوسياسي والاستخباراتي الرئيسي في القرن الحادي والعشرين».
لا جديد في هذا، فمن المعروف أن جوهر استراتيجية أمريكا والغرب عموما هو اعتبار أن روسيا والصين هما العدو الأول وأن المواجهة معهما والحد من نفوذهما أولوية كبرى.
القضية الثانية: الوضع في الشرق الأوسط.
في هذا الصدد قالا في المقال إن مخابرات البلدين «استغلت القنوات المخابراتية للضغط بقوة من أجل ضبط النفس وخفض التصعيد في المنطقة»، وأنهما «يعملان بلا توقف من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار وصفقة الرهائن في غزة، والتي يمكن أن تنهي المعاناة والخسائر المروعة في أرواح المدنيين الفلسطينيين وتعيد الرهائن إلى ديارهم بعد 11 شهرا من الاحتجاز».
الحقيقة أن مديري المخابرات الأمريكية والبريطانية حين يقولان إنهما يجندان إمكانياتهما من أجل ضبط النفس ووقف إطلاق النار، فإنهما يكذبان.
حقيقة الأمر التي باتت معروفة للعالم كله أن أمريكا وبريطانيا هما أكبر بلدين شاركا مشاركة فعلية مع الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة في غزة. ولو أرادا وقف هذه الحرب لأمكنهما ذلك لو توقفا عن تقديم الدعم العسكري والسياسي للاحتلال. لقد فعلت أمريكا وبريطانيا كل ما تستطيعان من أجل تمكين الاحتلال من مواصلة حرب الإبادة.
القضية الثالثة: النظام العالمي.
يقول مديرا المخابرات في هذا الخصوص: «ليس هناك شك في أن النظام العالمي الدولي يتعرض للتهديد بطريقة لم نشهدها منذ الحرب الباردة»، ويضيفان أنه «يتعين علينا التحرك اليوم في نظام دولي متنازع عليه، حيث يواجه بلدانا مجموعة من التهديدات غير المسبوقة».
بداية حين يتحدثان عن نظام عالمي فهما يقصدان نظام الهيمنة الغربية على العالم منذ ما بعد الحرب الباردة، وحين يتحدثان عن تهديدات لهذا النظام فهما لا يقصدان تهديدات للعالم عموما وإنما تهديدات للدول الغربية ولهيمنتها.
بعبارة أدق، مديرا المخابرات يتحديان الدعوات في العالم كله التي أصبحت شبه إجماع من الدول غير الغربية بضرورة قيام نظام عالمي جديد أكثر عدلا وإنصافا وتعددية بدلا من نظام الهيمنة الغربية.
وحين يتعهدان بالعمل على مواجهة الأخطار للنظام الغربي، فهما يقصدان أن الغرب سوف يقاتل من أجل إبقاء هيمنته ومن أجل العمل على تحدي قيام أي نظام عالمي بديل آخر.
هذا يعني إبقاء العالم كله في حالة الفوضى والضياع الحالية. لم يحدث أن شهد العالم كوارث ومآسي مثلما شهد في ظل نظام الهيمنة الغربية. وفي ظل هذا النظام تم شل كل المنظمات الدولية وقتل القانون الدولي الإنساني. ويكفي أن نتابع ما يجري اليوم فيما يخص حرب إبادة غزة.
عموما، ما قاله مديرا المخابرات يعزز الدعوة إلى ضرورة هدم هذا النظام الغربي وإنهائه.
وعموما، من المهم أن نتابع كيف يفكرون في الغرب إزاء قضايانا وإزاء الأوضاع العالمية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك