العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

من بن جوريون إلى نتنياهو..
استمرار سياسة التطهير العرقي والإبادة

بقلم: باسم برهوم {

الأربعاء ١٨ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الأول‭ ‬ديفيد‭ ‬بن‭ ‬جوريون‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬تيار‭ ‬الصهيونية‭ ‬الاشتراكية‭ ‬وزعيمه،‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الحالي‭ ‬نتنياهو‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬التيار‭ ‬اليميني،‭ ‬سليل‭ ‬الصهيونية‭ ‬التنقيحية‭ ‬بزعامة‭ ‬جابوتنسكي،‭ ‬فإن‭ ‬الأول‭ ‬نفذ‭ ‬اوسع‭ ‬عملية‭ ‬تطهير‭ ‬عرقي‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬والثاني‭ ‬يقوم‭ ‬الآن‭ ‬بحرب‭ ‬إبادة‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬قد‭ ‬يترتب‭ ‬عليها‭ ‬أيضا‭ ‬عملية‭ ‬تطهير‭ ‬عرقي‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭. ‬في‭ ‬الجوهر،‭ ‬وبما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأهداف‭ ‬الصهيونية،‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬فارقا‭ ‬كبيرا،‭ ‬ربما‭ ‬الفرق‭ ‬بدرجة‭ ‬الوقاحة،‭ ‬ودرجة‭ ‬الوضوح‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تحقيق‭ ‬الاهداف‭ ‬والوصول‭ ‬اليها‭.‬

بن‭ ‬جوريون‭ ‬الصهيوني‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬الاتحاد‭ ‬العام‭ ‬لنقابات‭ ‬العمال‭ ‬‮«‬الهستدروت‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1920‭. ‬وأصبح‭ ‬سكرتيرها‭ ‬الاول،‭ ‬كان‭ ‬عنصريا‭ ‬بما‭ ‬يتعلق‭ ‬بعمل‭ ‬العرب‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الداعمين‭ ‬الكبار‭ ‬لشعار‭ ‬‮«‬العمل‭ ‬العبري‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬الاولوية‭ ‬في‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬للعامل‭ ‬اليهودي،‭ ‬كما‭ ‬انه‭ ‬لم‭ ‬يخفِ‭ ‬ان‭ ‬أولوياته‭ ‬هي‭ ‬صهيونيته‭ ‬وليس‭ ‬اشتراكيته،‭ ‬اولويته‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬اي‭ ‬فلسطين،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يخف‭ ‬ان‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أولويته،‭ ‬وإنما‭ ‬التحالف‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬الهجرة‭ ‬اليهودية‭ ‬والاستيطان‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وانه‭ ‬إذا‭ ‬لجأ‭ ‬اليه،‭ ‬اي‭ ‬السلام،‭ ‬فإنه‭ ‬مجرد‭ ‬وسيلة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاهداف‭ ‬الصهيونية‭.‬

اما‭ ‬نتنياهو‭ ‬فهو‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬باستخدام‭ ‬السلام‭ ‬كوسيلة،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬معاد‭ ‬للسلام‭ ‬ولا‭ ‬يقبل‭ ‬به‭ ‬لا‭ ‬مرحليا‭ ‬ولا‭ ‬استراتيجيا‭. ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬آلة‭ ‬حرب‭ ‬توسعية،‭ ‬وحش‭ ‬استيطاني‭. ‬ولا‭ ‬يقبل‭ ‬بتقاسم‭ ‬فلسطين‭ ‬وبالتالي‭ ‬هو‭ ‬ضد‭ ‬مبدأ‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬جذريا،‭ ‬ويجاهر‭ ‬ان‭ ‬لا‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬غرب‭ ‬النهر‭.‬

في‭ ‬الثلاثينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وفي‭ ‬ذروة‭ ‬ثورة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الكبرى‭ ‬وعندما‭ ‬صدر‭ ‬تقرير‭ ‬اللجنة‭ ‬الملكية،‭ ‬لجنة‭ ‬بيل‭(‬Beel‭)‬،‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬عام‭ ‬1937،‭ ‬الذي‭ ‬أوصى‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬بتقسيم‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬دولتين،‭ ‬قبل‭ ‬بن‭ ‬جوريون‭ ‬التقسيم‭ ‬على‭ ‬الفور،‭ ‬وقال‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬دولة‭ ‬يهودية‭ ‬متطورة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬مساحتها‭ ‬صغيرة‭ ‬بإمكانها‭ ‬ان‭ ‬تستوعب‭ ‬ملايين‭ ‬المهاجرين‭ ‬اليهود،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ذروة‭ ‬صعود‭ ‬النازيين‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬بمعنى‭ ‬ان‭ ‬اولوية‭ ‬بن‭ ‬جوريون‭ ‬كانت‭ ‬توفير‭ ‬ملجأ‭ ‬لليهود‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬صغيرة‭ ‬المساحة،‭ ‬لكنها‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تتوسع‭ ‬لاحقا‭. ‬اما‭ ‬التيار‭ ‬الصهيوني‭ ‬اليميني،‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬جذر‭ ‬نتنياهو‭ ‬الايديولوجي،‭ ‬رفض‭ ‬التقسيم،‭ ‬لأنه‭ ‬يريد‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬كلها‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭. ‬على‭ ‬اي‭ ‬حال‭ ‬سحبت‭ ‬بريطانيا‭ ‬التقرير‭ ‬ومعه‭ ‬مشروع‭ ‬التقسيم‭ ‬في‭ ‬حينه‭.‬

بن‭ ‬جوريون‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬سعى‭ ‬الى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬اول‭ ‬دولة‭ ‬اشتراكية،‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬واقام‭ ‬عام‭ ‬1923‭ ‬شهرين‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬لإقناع‭ ‬السوفييت‭ ‬بالمشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬بشكله‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬وخلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وعندما‭ ‬كان‭ ‬رئيس‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬للوكالة‭ ‬اليهودية،‭ ‬دعم‭ ‬بن‭ ‬جوريون‭ ‬عملية‭ ‬نقل‭ ‬المركز‭ ‬الصهيوني‭ ‬من‭ ‬لندن‭ ‬الى‭ ‬نيويورك‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬وأعلن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1943‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬وبشكل‭ ‬واضح‭ ‬لا‭ ‬لبس‭ ‬فيه،‭ ‬ان‭ ‬هدف‭ ‬الصهيونية‭ ‬هو‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬يهودية‭ ‬على‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬اي‭ ‬فلسطين‭. ‬وكان‭ ‬أكثر‭ ‬الزعماء‭ ‬الصهاينة‭ ‬واذكاهم‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬نتائج‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬فكان‭ ‬حليفا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يأخذ‭ ‬السلاح‭ ‬من‭ ‬المعسكر‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬وسارع‭ ‬بقبول‭ ‬قرار‭ ‬تقسيم‭ ‬فلسطين‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬نوفمبر‭ ‬1947،‭ ‬وبدأ‭ ‬يحضر‭ ‬لإعلان‭ ‬تأسيس‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬كان‭ ‬هدف‭ ‬بن‭ ‬جوريون‭ ‬ان‭ ‬تختفي‭ ‬فلسطين‭ ‬عن‭ ‬الخارطة،‭ ‬وكذلك‭ ‬نتنياهو‭ ‬اليوم،‭ ‬فالصهيونية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تتعايش‭ ‬مع‭ ‬فكرة‭ ‬وجود‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬واي‭ ‬كيان‭ ‬فلسطيني،‭ ‬فهي‭ ‬نقيضه‭ ‬بالرواية‭ ‬الصهيونية‭ ‬المزيفة‭.‬

ولمن‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يدقق‭ ‬بتسلسل‭ ‬أحداث‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر،‭ ‬فهو‭ ‬يلاحظ‭ ‬انه‭ ‬وعندما‭ ‬قرر‭ ‬أقرب‭ ‬تلامذة‭ ‬بن‭ ‬جوريون‭ ‬له‭ (‬إسحاق‭ ‬رابين‭ ‬وشمعون‭ ‬بيريز‭) ‬الاعتراف‭ ‬بوجود‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وممثله‭ ‬الشرعي‭ ‬الوحيد‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬اتفاقيات‭ ‬اوسلو،‭ ‬وهو‭ ‬الاعتراف‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬اكتشاف‭ ‬هؤلاء‭ ‬التلامذة‭ ‬حقيقة‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬قام‭ ‬التيار‭ ‬الصهيوني‭ ‬اليميني‭ ‬بتدبير‭ ‬عملية‭ ‬اغتيال‭ ‬رابين‭ ‬عام‭ ‬1995،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قام‭ ‬بنسف‭ ‬الاتفاق‭ ‬وإفراغه‭ ‬من‭ ‬اي‭ ‬مضمون‭ ‬سلام،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬نتنياهو‭ ‬اليوم‭ ‬يقوم‭ ‬بحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ولا‭ ‬يخفي‭ ‬رفضه‭ ‬القاطع‭ ‬للدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬بالأساس‭ ‬يرفض‭ ‬الاعتراف‭ ‬بوجود‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ويقوم‭ ‬بتصفية‭ ‬كيانه‭ ‬السياسي‭ ‬الوطني‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬على‭ ‬اجزاء‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬والمعترف‭ ‬به‭ ‬دوليا،‭ ‬اي‭ ‬السلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬واليوم‭ ‬يعلن‭ ‬نتنياهو‭ ‬نهارا‭ ‬جهارا‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬غرب‭ ‬النهر،‭ ‬وأنه‭ ‬سيواصل‭ ‬احتلال‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

والآن‭ ‬نكتشف‭ ‬كم‭ ‬كان‭ ‬مهما‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬تقوية‭ ‬أول‭ ‬كيان‭ ‬سياسي‭ ‬فلسطيني‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬بدل‭ ‬إضعافه،‭ ‬وهذه‭ ‬الرسالة‭ ‬موجهة‭ ‬للجميع،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬السلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬مليئة‭ ‬بالعيوب‭ ‬والثقوب،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تقويتها‭ ‬بدل‭ ‬إضعافها،‭ ‬وعلى‭ ‬إصلاحها‭ ‬بدل‭ ‬هدمها‭.‬

السلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬موجودة،‭ ‬والسؤال‭ ‬اليوم‭ ‬وفي‭ ‬ذروة‭ ‬المحاولات‭ ‬لتصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭: ‬كيف‭ ‬نضخ‭ ‬الدم‭ ‬بأسلوب‭ ‬وطني‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬الوطنية؟‭ ‬فالحفاظ‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬السلطة‭ ‬هو‭ ‬المدخل‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وصموده‭ ‬على‭ ‬أرضه،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مخططات‭ ‬التهجير‭ ‬ووأد‭ ‬طموحاتنا‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭.‬

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا