في الوقت الذي كانت هنالك محاولات متعددة من أكثر من جهة دولية لإيجاد مخرج سلمي لإنهاء حالة الحرب بين روسيا الاتحادية وجمهورية أوكرانيا التي مضى عليها أكثر من عامين ونيف وبالعكس من هذا التوجه الذي فتح أبواب الأمل لوضع حد لهذه الحرب التي تحصد خيرة شباب البلدين، قامت أوكرانيا بمغامرة أخرى غريبة وغير مفهومة بدخول الأراضي الروسية في إقليم كورسك.
فقبل أسبوع تقريبا من هذه المغامرة كان وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا في العاصمة الصينية بكين لدراسة ونقاش المشروع السلمي الصيني الذي سبق للقيادة الصينية طرحه قبل أكثر من عام وشكل قاعدة أساسية لإنهاء هذا الصراع الذي جوهره حياد أوكرانيا وضمان حقوق الناطقين بالروسية في إقليم الدونباس وارتباطهم النهائي بروسيا الاتحادية، في هذا الوقت جاءت هذه المغامرة غير المدروسة بما أشعر الصينيين وجميع الوسطاء الآخرين بأنهم خدعوا وأن الحكومة الأوكرانية كانت قد تبنت هذا الهجوم في الوقت الذي تتحدث عن إمكانية المفاوضات بما يعني عدم صدقية الأوكرانيين واستخدام الحديث عن المفاوضات السلمية كوسيلة للتغطية على الهجوم على كورسك بتنسيق مباشر ومشاركة من حلف الناتو لتحقيق أربعة أهداف من وراء هذه المغامرة:
الأول: إظهار قدرة القوات المسلحة الأوكرانية على التوغل في الأراضي الروسية وأن هذا الجيش مازال قادرا على إلحاق الضرر بروسيا الاتحادية وأكثر من ذلك احتلال جزء من أراضيها من دون صعوبة كبيرة خاصة بعدما استطاعت هذه القوات التوغل في كورسك في هجوم كبير لم يسبق لروسيا التعرض له منذ الحرب العالمية الثانية.
فقد تمكنت هذه القوات من السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي الروسية ومحاولة استثمار هذا التوغل دعائيا وتسويقه لدى الدول الغربية الداعمة لأوكرانيا، وقد احتفى الغربيون والإعلام الغربي «بهذا الانتصار العسكري».
الثاني: إلحاق الإهانة بروسيا الاتحادية وصورتها والتأثير السلبي على معنويات الجيش الروسي والشعب الروسي وهذا مطلب أساسي من مطالب حلف الناتو بل وسيلة من وسائل التدريب على الحرب القادمة مع روسيا فهذه المحاولة بمثابة التمرين العسكري في حالة قيام حرب مباشرة بين حلف الناتو والجيش الروسي لبيان أن هنالك خاصرة ضعيفة في الحدود الروسية الطويلة يمكن التوغل داخلها ومحاصرة الجيش الروسي وتهديد المدن الروسية.
الثالث: إبراز أحقية أوكرانيا بالمعونات والدعم المقدم من الدول الغربية وحلف الناتو، فبعكس ما كان يقال خلال الأشهر الماضية لهذا الهجوم حتى في الصحف الغربية الامريكية تحديدا بأن الأموال والأسلحة المقدمة لأوكرانيا تضيع هدرا بدون فائدة، خاصة بعد فشل الهجوم المضاد للجيش الأوكراني فشلا ذريعا حيث تعالت الأصوات الداعية لإيقاف هذا الانفاق الهائل من الأموال والأسلحة من دون فائدة وقد كان الرئيس الأوكراني والقيادة الأوكرانية في حاجة إلى هذا «الإنجاز» للقول بأن الجيش الأوكراني قادر أن يحقق الإنجازات العسكرية الكبيرة مثل هذا الاختراق الكبير للحدود الروسية.
فهذا الهجوم الذي جندت له أوكرانيا نخبها العسكرية والقوات الخاصة والمرتزقة المتعاقدين معها من أغلب الدول الغربية خاصة الأمريكان والبريطانيين والفرنسيين والبولنديين كان هدفه الرئيسي إثبات ان الأموال المقدمة من الدول الغربية كان لها دور في النهاية باحتلال أجزاء من هذا الإقليم.
الرابع: طرحه مستشار الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي عندما أكد في بداية الهجوم أن احتلال إقليم كورسك والاحتفاظ به تحت سيطرة الجيش الأوكراني سوف يشكل ورقة للمساومة في أي مفاوضات مستقبلية بنظام «أخرج –وأخرج» بمعنى تبادل الأراضي المحتلة من الجانبين وهذا بالرغم من أنها فكرة عبر عنها مستشار الرئيس زيلينسكي اختفت بعد أسبوع واحد من هذا الاختراق.
والحقيقة إن هذه الأهداف المشار إليها مخالفة تماما لمنطق الأهداف والتوقعات والمستقبلية على حد سواء لأن هذه المغامرة غير منطقية وغير واقعية وغير واقعية فقد بدأ الجيش الروسي في محاصرة هذه القوات التي توغلت في كورسك وضربها بلا هوادة وسوف ينتهي بها الأمر إلى الاستسلام أو الهروب وهذا أمر مشاهد للعيان كل يوم حيث خسرت أوكرانيا خلال الأسابيع الماضية فقط حوالي عشرة آلاف قتيل من نخبتها العسكرية وقواتها الخاصة إضافة إلى خسائر مادية في المعدات والدبابات والراجمات وبهذا المعنى فإن هذا الهجوم جاء في الوقت الضائع وأقرب إلى المغامرة المسرحية.
الجانب الثاني: إن أوكرانيا لا بد أن تواجه التوغل الروسي الدائم والمستمر في منطقة الدونباس التي فشلت القوات الأوكرانية في حمايته عسكريا وهربت من هذه المواجهة فإنها تبحث عن مخرج ثانوي وهامشي لإثبات القوة العسكرية في محاولة كشفت قوة الجيش الروسي لكنها فشلت في ذلك فشلا ذريعا حيث لم تضطر روسيا الاتحادية إلى سحب ولو جزء من قواتها من منطقة العمليات العسكرية.
إن هذا التكتيك الأوكراني الغربي بتنسيق مع حلف الناتو هو تكتيك فاشل بل هو ورطة أوكرانية جديدة سوف تزيد من غضب الدب الروسي ومن إصراره في نفس الوقت على إلحاق الهزيمة في النهاية بأوكرانيا وبهذا المعنى فإن حلف الناتو والدول الغربية ورطوا أوكرانيا للمرة الثانية وبالتالي حتمية تكبد أوكرانيا المزيد من الخسائر والضياع المؤكدين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك