العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

طبقة سياسية انتهى تاريخ صلاحيتها

بقلم: فاروق يوسف {

الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

قبل‭ ‬أحداث‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬كان‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬قد‭ ‬أزاح‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬وكل‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحيط‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الحكم‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الثمن‭ ‬كان‭ ‬باهظا‭.‬

لم‭ ‬يتمكن‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭ ‬بنفسه‭ ‬وكان‭ ‬يائسا‭ ‬من‭ ‬وقوع‭ ‬أيّ‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التغيير‭ ‬الجوهري‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬بعد‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬كان‭ ‬أشبه‭ ‬بالزلزال‭ ‬الذي‭ ‬اقتلع‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

العراق‭ ‬الذي‭ ‬حلم‭ ‬العراقيون‭ ‬باستعادته‭ ‬مثلما‭ ‬عرفوه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬له‭ ‬وجود‭. ‬العراق‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬أجدادهم‭ ‬بات‭ ‬هشيما‭ ‬ولم‭ ‬يربحوا‭ ‬سوى‭ ‬ذلك‭ ‬التلاسن‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬الجديدة‭.‬

ولقد‭ ‬توهّم‭ ‬العراقيون‭ ‬نتيجة‭ ‬لعدم‭ ‬خبرتهم‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬يمكن‭ ‬اختزالها‭ ‬بذلك‭ ‬التلاسن‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬ظنوه‭ ‬حرية‭ ‬تعبير‭. ‬تلك‭ ‬كذبة‭ ‬لم‭ ‬تعش‭ ‬طويلا‭ ‬حتى‭ ‬صحا‭ ‬منها‭ ‬العراقيون‭ ‬على‭ ‬أصوات‭ ‬الطلقات‭ ‬التي‭ ‬اخترقت‭ ‬أجساد‭ ‬المحتجين‭.‬

كان‭ ‬القتل‭ ‬بالمرصاد‭ ‬لكل‭ ‬محاولة‭ ‬نقد‭ ‬ديمقراطي‭.‬

الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬الجديدة‭ ‬لا‭ ‬تؤمن‭ ‬بانتقال‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬تداولها‭ ‬سلميا‭. ‬فهي‭ ‬الأخرى‭ ‬اعتبرت‭ ‬السلطة‭ ‬غنيمة‭ ‬حرب‭ ‬وعليها‭ ‬أن‭ ‬تتمسك‭ ‬بها‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إسقاطها‭ ‬بالقوة‭.‬

كان‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬يؤمن‭ ‬بالشرعية‭ ‬الثورية‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬لحزب‭ ‬البعث‭ ‬الحكم‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بمعية‭ ‬المحتل‭ ‬الأمريكي‭ ‬تكرر‭ ‬الحكاية‭ ‬نفسها‭.‬

عشرون‭ ‬سنة‭ ‬مرت‭ ‬والصور‭ ‬نفسها‭. ‬اختفى‭ ‬البعض‭ ‬إما‭ ‬بسبب‭ ‬الموت‭ ‬أو‭ ‬الشعور‭ ‬بالخوف‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الدائرة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مغلقة‭ ‬على‭ ‬رموز‭ ‬الخراب‭ ‬والفساد‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬سببا‭ ‬يدعوها‭ ‬إلى‭ ‬الانسحاب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أثبتت‭ ‬فشلها‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬قال‭ ‬الشعب‭ ‬رأيه‭ ‬الصريح‭ ‬بها‭ ‬وبالأسماء‭.‬

من‭ ‬غير‭ ‬استثناء‭ ‬أدرك‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬وجودهم‭ ‬مكروه‭. ‬الشعب‭ ‬يكرههم‭ ‬ويحمّلهم‭ ‬مسؤولية‭ ‬ضياع‭ ‬الثروات‭ ‬والزمن‭ ‬وفرص‭ ‬البناء‭. ‬فالبلد‭ ‬الذي‭ ‬مرت‭ ‬به‭ ‬حروب‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأنواع‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أطلال،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬المستوى‭ ‬الإنساني‭ ‬للمواطن‭ ‬العراقي‭ ‬صار‭ ‬أسوأ‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أيام‭ ‬الحصار‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬فُرض‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

نجح‭ ‬الفاسدون‭ ‬في‭ ‬تطبيع‭ ‬الفساد‭. ‬طبقة‭ ‬فاسدة‭ ‬قليلة‭ ‬العدد‭ ‬نشرت‭ ‬الفساد‭ ‬وطبعته‭ ‬بحيث‭ ‬صار‭ ‬المستقبل‭ ‬لا‭ ‬يبشر‭ ‬بخير‭. ‬لقد‭ ‬عملوا‭ ‬على‭ ‬ترجمة‭ ‬فسادهم‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ ‬يومي‭ ‬يعيشه‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مفصل‭ ‬من‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة‭ ‬الرثة‭ ‬التي‭ ‬قرروا‭ ‬أن‭ ‬يحكموها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭.‬

الهلاك‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬العراق‭ ‬عبر‭ ‬حروبه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬ممكنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يتربص‭ ‬بالأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬التي‭ ‬تنظر‭ ‬بكآبة‭ ‬إلى‭ ‬اللعبة‭ ‬التي‭ ‬يتداول‭ ‬فيها‭ ‬الكرة‭ ‬المالكي‭ ‬والعامري‭ ‬والصدر‭ ‬والحكيم‭ ‬والخزعلي‭ ‬وبارزاني‭ ‬وسواهم‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬الضياع،‭ ‬ضياع‭ ‬العراق‭ ‬وشعبه‭.‬

تلك‭ ‬طبقة‭ ‬صنعها‭ ‬المحتل‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬خيارا‭ ‬سياسيا‭ ‬عراقيا‭.‬

أفراد‭ ‬تلك‭ ‬الطبقة‭ ‬أشبه‭ ‬بالمعلبات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تصنيعها‭ ‬في‭ ‬معامل‭ ‬المخابرات‭ ‬الغربية‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬العراقيين‭ ‬قراءة‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬تنتهي‭ ‬فيه‭ ‬الصلاحية‭.‬

اليوم‭ ‬يتداول‭ ‬العراقيون‭ ‬الشائعات‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يجرؤوا‭ ‬على‭ ‬النظر‭ ‬خشية‭ ‬أن‭ ‬تصيبهم‭ ‬رصاصة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأخير‭ ‬للنظام‭ ‬الذي‭ ‬يُقال‭ ‬إنه‭ ‬بات‭ ‬يلفظ‭ ‬أنفاسه‭.‬

هناك‭ ‬حرب‭ ‬ستقع‭. ‬ذلك‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬تفتقت‭ ‬عنه‭ ‬قريحة‭ ‬زعماء‭ ‬تلك‭ ‬الطبقة‭. ‬وهي‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ستلقي‭ ‬بهم‭ ‬جميعا‭ ‬خارج‭ ‬الوطن‭ ‬العراقي‭ ‬إما‭ ‬هربا‭ ‬إلى‭ ‬أوطانهم‭ ‬البديلة‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭. ‬غير‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يخفون‭ ‬أن‭ ‬مليشياتهم‭ ‬وهي‭ ‬تتقاتل‭ ‬ستفني‭ ‬أكثر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العراقيين‭ ‬الذين‭ ‬صمتوا‭ ‬على‭ ‬فسادهم‭.‬

بديل‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬العراقيون‭ ‬في‭ ‬صمتهم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فشلت‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬وصار‭ ‬النظام‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬هيكل‭ ‬منخور‭ ‬وعجزت‭ ‬الأحزاب‭ ‬عن‭ ‬التفاهم‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يُدار‭ ‬البلد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حكومة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتعرض‭ ‬للمساءلة‭.‬

على‭ ‬العراقيين‭ ‬أن‭ ‬يقبلوا‭ ‬بعدم‭ ‬وجود‭ ‬سلطة‭ ‬شرعية‭.‬

ذلك‭ ‬هو‭ ‬شرط‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬صلاحيتها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ألاّ‭ ‬تودع‭ ‬الحكم‭ ‬بحرب‭ ‬ستفني‭ ‬العراقيين‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬متأكدين‭ ‬أن‭ ‬فناءهم‭ ‬سيكون‭ ‬ثمنا‭ ‬لقيام‭ ‬وطنهم‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬فالعراقيون‭ ‬لا‭ ‬يثقون‭ ‬بأحد‭. ‬إن‭ ‬كان‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فهو‭ ‬يعرف‭ ‬أنه‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬محتل‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬وفيا‭ ‬لالتزاماته‭ ‬القانونية‭.‬

الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تتألف‭ ‬من‭ ‬جهلة‭ ‬وأميين‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬تدرك‭ ‬أنّ‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يقف‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬نكبته‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬تشعر‭ ‬بالحماية‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬لحظات‭ ‬ضعفها‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تعيشه‭ ‬اليوم‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا