قبل أحداث الربيع العربي كان الاحتلال الأمريكي للعراق قد أزاح الرئيس الراحل صدام حسين وكل الطبقة السياسية التي كانت تحيط به من الحكم. غير أن الثمن كان باهظا.
لم يتمكن الشعب العراقي من القيام بذلك بنفسه وكان يائسا من وقوع أيّ نوع من التغيير الجوهري. غير أن التغيير الذي وقع بعد الغزو الأمريكي كان أشبه بالزلزال الذي اقتلع كل شيء.
العراق الذي حلم العراقيون باستعادته مثلما عرفوه لم يعد له وجود. العراق الدولة التي أسسها أجدادهم بات هشيما ولم يربحوا سوى ذلك التلاسن فيما يتعلق بالطبقة السياسية الجديدة.
ولقد توهّم العراقيون نتيجة لعدم خبرتهم أن الديمقراطية يمكن اختزالها بذلك التلاسن أو ما ظنوه حرية تعبير. تلك كذبة لم تعش طويلا حتى صحا منها العراقيون على أصوات الطلقات التي اخترقت أجساد المحتجين.
كان القتل بالمرصاد لكل محاولة نقد ديمقراطي.
الطبقة السياسية الجديدة لا تؤمن بانتقال السلطة أو تداولها سلميا. فهي الأخرى اعتبرت السلطة غنيمة حرب وعليها أن تتمسك بها ما لم يتم إسقاطها بالقوة.
كان صدام حسين يؤمن بالشرعية الثورية التي تتيح لحزب البعث الحكم إلى ما لا نهاية وها هي الأحزاب التي جاءت بمعية المحتل الأمريكي تكرر الحكاية نفسها.
عشرون سنة مرت والصور نفسها. اختفى البعض إما بسبب الموت أو الشعور بالخوف غير أن الدائرة لا تزال مغلقة على رموز الخراب والفساد التي لا ترى أن هناك سببا يدعوها إلى الانسحاب بعد أن أثبتت فشلها وبعد أن قال الشعب رأيه الصريح بها وبالأسماء.
من غير استثناء أدرك الجميع أن وجودهم مكروه. الشعب يكرههم ويحمّلهم مسؤولية ضياع الثروات والزمن وفرص البناء. فالبلد الذي مرت به حروب من مختلف الأنواع لا يزال عبارة عن أطلال، بل إن المستوى الإنساني للمواطن العراقي صار أسوأ مما كان عليه أيام الحصار الدولي الذي فُرض على العراق في تسعينيات القرن الماضي.
نجح الفاسدون في تطبيع الفساد. طبقة فاسدة قليلة العدد نشرت الفساد وطبعته بحيث صار المستقبل لا يبشر بخير. لقد عملوا على ترجمة فسادهم إلى سلوك يومي يعيشه العراقي في كل مفصل من مفاصل الدولة الرثة التي قرروا أن يحكموها إلى ما لا نهاية.
الهلاك الذي تعرض له العراق عبر حروبه لا يزال ممكنا في كل لحظة بل هو يتربص بالأجيال القادمة التي تنظر بكآبة إلى اللعبة التي يتداول فيها الكرة المالكي والعامري والصدر والحكيم والخزعلي وبارزاني وسواهم من رموز الضياع، ضياع العراق وشعبه.
تلك طبقة صنعها المحتل ولم تكن خيارا سياسيا عراقيا.
أفراد تلك الطبقة أشبه بالمعلبات التي تم تصنيعها في معامل المخابرات الغربية وكان على العراقيين قراءة التاريخ الذي تنتهي فيه الصلاحية.
اليوم يتداول العراقيون الشائعات التي تتحدث عن ذلك التاريخ من غير أن يجرؤوا على النظر خشية أن تصيبهم رصاصة في اليوم الأخير للنظام الذي يُقال إنه بات يلفظ أنفاسه.
هناك حرب ستقع. ذلك آخر ما تفتقت عنه قريحة زعماء تلك الطبقة. وهي الحرب التي ستلقي بهم جميعا خارج الوطن العراقي إما هربا إلى أوطانهم البديلة أو إلى إيران. غير أنهم لا يخفون أن مليشياتهم وهي تتقاتل ستفني أكثر عدد من العراقيين الذين صمتوا على فسادهم.
بديل تلك الحرب أن يستمر العراقيون في صمتهم بعد أن فشلت العملية السياسية وصار النظام عبارة عن هيكل منخور وعجزت الأحزاب عن التفاهم فيما بينها، وليس هناك من أمل في أن يُدار البلد من قبل حكومة يمكن أن تتعرض للمساءلة.
على العراقيين أن يقبلوا بعدم وجود سلطة شرعية.
ذلك هو شرط الطبقة السياسية التي انتهت صلاحيتها من أجل ألاّ تودع الحكم بحرب ستفني العراقيين من غير أن يكونوا متأكدين أن فناءهم سيكون ثمنا لقيام وطنهم من جديد. فالعراقيون لا يثقون بأحد. إن كان البعض منهم يراهن على الولايات المتحدة فهو يعرف أنه يراهن على محتل لم يكن وفيا لالتزاماته القانونية.
الطبقة السياسية التي تحكم في العراق وإن كانت تتألف من جهلة وأميين غير أنها تدرك أنّ لا أحد يقف مع الشعب العراقي في نكبته. ذلك ما يجعلها تشعر بالحماية حتى في أقصى لحظات ضعفها وهو ما تعيشه اليوم.
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك