تعهد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن جفير في تصريح له بتاريخ 26 أغسطس 2024، ببناء كنيس يهودي داخل الحرم الشريف في مدينة القدس الشرقية المحتلة.
وكان بن جفير، باعتباره ممثلاً للطبقة الصهيونية الدينية القوية في إسرائيل في الحكومة والمجتمع ككل، صريحًا فيما يتعلق بمخططاته في القدس الشرقية المحتلة وبقية فلسطين.
لقد دعا هذا الوزير المتطرف إلى حرب دينية، ودعا إلى التطهير العرقي للفلسطينيين، وتجويع أو قتل السجناء وضم الضفة الغربية.
وبصفته وزيرًا في حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة بنفس القدر، عمل بن جفير بجد لترجمة أقواله إلى أفعال.
فهذا الوزير هو الذي داهم المسجد الأقصى الفلسطيني مرارا وتكرارا، وهو الذي نفذ سياسات التجويع ضد المعتقلين الفلسطينيين، وهو الذي ذهب إلى حد الدفاع عن الاغتصاب داخل معسكرات الاعتقال العسكرية الإسرائيلية ووصف الجنود المتهمين بتلك الأفعال الشنيعة بأنهم «أفضل أبطالنا».
وبالإضافة إلى ذلك، فقد نفذ أنصار بن جفير مئات الاعتداءات وعشرات المذابح التي استهدفت المجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية.
ووفقا لوزارة الصحة الفلسطينية، فقد قُتل ما لا يقل عن 670 فلسطينيا في الضفة الغربية المحتلة منذ بدء الحرب على غزة. وكان عدد كبير من القتلى والجرحى ضحايا للمستوطنين اليهود غير الشرعيين.
لكن ليس كل الإسرائيليين في المؤسسات السياسية أو الأمنية يتفقون مع سلوك بن جفير أو تكتيكاته. على سبيل المثال، في 22 أغسطس الماضي، حذر رئيس الشاباك الإسرائيلي، رونين بار، من «الأضرار التي لا توصف» التي لحقت بإسرائيل بسبب تصرفات بن جفير في القدس الشرقية المحتلة.
وكتب رونين بار في رسالة وجهها إلى عدد من الوزراء الإسرائيليين: «إن الضرر الذي لحق بدولة إسرائيل، خاصة الآن… لا يوصف: نزع الشرعية العالمية، حتى بين أعظم حلفائنا».
قد تبدو رسالة رونين بار غريبة. لقد لعب جهاز الشاباك دوراً فعليا في قتل العديد من الفلسطينيين، باسم الأمن الإسرائيلي، كما أن رونين بار نفسه مؤيد قوي للمستوطنات، وهو متشدد بقدر ما هو مطلوب من الشخص الذي يقود مثل هذه المنظمة سيئة السمعة.
لكن صراع رونين بار مع بن جفير ليس صراعا حول الجوهر، بل هو صراع حول الأسلوب، كما أن هذا الصراع ليس سوى تعبير عن حرب أيديولوجية وسياسية أكبر بكثير بين المؤسسات العليا في إسرائيل. لكن هذه الحرب بدأت قبل هجوم 7 أكتوبر والحرب الإسرائيلية المستمرة والإبادة الجماعية في قطاع غزة.
قبل سبعة أشهر من بدء الحرب في شهر أكتوبر الماضي، قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ في خطاب متلفز إن «أولئك الذين يعتقدون أن الحرب الأهلية الحقيقية... هي حدود لن نعبرها، ليس لديهم أدنى فكرة».
وكان سياق تصريحات الرئيس الإسرائيلي هو «الكراهية الحقيقية والعميقة» بين الإسرائيليين الناجمة عن محاولات بنيامين نتنياهو وشركائه المتطرفين في الائتلاف الحكومي تقويض سلطة القضاء.
لكن الصراع حول المحكمة العليا في إسرائيل لم يكن سوى قمة جبل الجليد. إن حقيقة أن إسرائيل استغرقت خمسة انتخابات في أربع سنوات للتوصل إلى حكومة مستقرة في شهر ديسمبر 2022 كانت في حد ذاتها مؤشراً على الصراع السياسي غير المسبوق في إسرائيل.
ربما كانت الحكومة الجديدة «مستقرة» من حيث التوازنات البرلمانية، لكنها زعزعت استقرار البلاد على جميع الجبهات، ما أدى إلى احتجاجات حاشدة، شاركت فيها الطبقة العسكرية القوية، ولكن المهمشة بشكل متزايد.
وقع هجوم 7 أكتوبر 2023 الذي أطلقته حركة حماس في وقت يتسم بالضعف الاجتماعي والسياسي، وهو أمر غير مسبوق منذ تأسيس إسرائيل على أنقاض فلسطين التاريخية في شهر مايو من سنة 1948.
لقد أدى العدوان العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، وخاصة الفشل في تحقيق أي من أهدافه، إلى تعميق الصراع القائم في داخل دولة إسرائيل وسط تعالي تحذيرات السياسيين والعسكريين من أن البلاد تنهار.
لقد صدر أوضح هذه التحذيرات من اسحق بريك، وهو قائد عسكري إسرائيلي كبير سابق. لقد كتب يقول في صحيفة «هآرتس» بتاريخ 22 أغسطس: «إن البلاد... تتجه نحو حافة الهاوية»، وأنها «سوف تنهار في غضون ما لا يزيد على عام».
وعلى الرغم من أن اسحاق بريك كان، من بين عوامل مختلفة، يلقي اللوم على حرب نتنياهو الخاسرة في غزة، فإن الطبقة السياسية المناهضة لنتنياهو تعتقد أن الأزمة تكمن بشكل أساسي في الحكومة نفسها.
ووفقا للتعليقات الأخيرة التي أدلى بها هرتسوغ نفسه فإن الحل هو أنه «يجب إزالة الكاهانية من الحكومة».
والكاهانية هنا هي إشارة إلى حزب كاخ الذي يتزعمه الحاخام مئير كاهانا. وعلى الرغم من حظرها الآن، إلا أن حركة كاخ قد عادت إلى الظهور بأشكال عديدة، بما في ذلك حزب بن جفير «عوتسما يهوديت».
وبصفته تلميذا للحاخام المتطرف مئير كاهانا، يسعى بن جفير إلى تحقيق رؤية الحاخام المتطرف، ألا وهي رؤية التطهير العرقي الكامل للشعب الفلسطيني.
ويدرك بن جفير وأمثاله تماما الفرصة التاريخية المتاحة لهم الآن وهم يأملون في إشعال الحرب الدينية المرغوبة.
وهم يعلمون أيضاً أنه إذا انتهت الحرب في غزة دون المضي قدماً في خطتهم الرئيسية المتمثلة في استعمار بقية الأراضي المحتلة، فإن الفرصة قد لا تتاح مرة أخرى أبداً.
النهج الإسرائيلي، هو المبني على «الإبادة الجماعية المتزايدة» للفلسطينيين والتطهير العرقي البطيء للمجتمعات الفلسطينية في كل القدس الشرقية والضفة الغربية.
وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي يعتقد أن المستوطنات غير القانونية ضرورية، إلا أنه ينظر إلى هذه المستوطنات بلغة استراتيجية باعتبارها منطقة عازلة «أمنية» لإسرائيل.
ومن المرجح أن يظهر الفائزون والخاسرون في حرب إسرائيل الأيديولوجية والسياسية بعد انتهاء حرب غزة، والتي ستحدد نتائجها عوامل أخرى، بما في ذلك مستقبل دولة إسرائيل، وفقًا لتقدير الجنرال اسحق بريك نفسه.
{ أكاديمي وكاتب فلسطيني
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك