يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
نحو حكومات مرنة.. واتصال مبتكر– 1
كـيـف تـكـون الـحـكـومـات مـرنـة؟
المنتدى الدولي للاتصال الحكومي الذي ينظمه المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة أصبح حدثا سنويا مهما ينتظره الكثيرون في العالم. المنتدى يعتبر الأكبر والأهم في هذا المجال في المنطقة. وعبر سنوات من الريادة في هذا المجال كرس المنتدى مكانته عبر حسن التنظيم، وعبر إتاحة المجال للمشاركة في أعماله لأعداد كبيرة من الخبراء والمسؤولين والمختصين من مختلف أنحاء العالم، وعبر ثراء وتنوع القضايا التي يناقشها والتفاعل الذي يشهده بين المشاركين في كل دورة.
منتدى هذا العام عقد تحت شعار «حكومات مرنة.. اتصال مبتكر».
شارك في أعمال المنتدى أكثر من 250 متحدثا يمثلون نخبة من صنّاع القرار وقادة الفكر في القطاعين الحكومي والخاص وذوي الاختصاص وخبراء الاتصال والإعلام من جميع أنحاء العالم وتضمنت أجندة المنتدى 160 فعالية ما بين جلسات رئيسية وجانبية، وخطابات ملهمة، وفعاليات استباقية، وورش عمل متخصصة، وبرامج متنوعة تقام على منصة رئيسية و17 منصة جانبية.
وعلى امتداد يومي 4 و5 سبتمبر الحالي ناقش المنتدى في جلساته المختلفة عشرات القضايا المتعلقة بشعاره الرئيسي، أي بمرونة الحكومات والاتصال المبتكر.
من عمر بن الخطاب إلى اليوم
ابتداء، ما معنى الحكومات المرنة التي رفع المنتدى شعارها؟.. بعبارة ادق، كيف تكون الحكومات مرنة؟ وما هو المطلوب وماذا عليها ان تفعل بالضبط كي تتحقق هذه المرونة؟
في كلمته الافتتاحية للمنتدى، طرح الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي نائب حاكم الشارقة، رئيس مجلس الشارقة للإعلام عدة أسئلة تلخص جوهر الموضوع هي: هل الحكومات بحاجة إلى المرونة؟ وما مدى المرونة التي تحتاج إليها الحكومات؟ وهل المرونة مصطلح جديد في العمل الحكومي؟ أم أن التطور التكنولوجي أجبر الحكومات على أن تكون مرنة؟
وروى الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي حكاية تاريخية معبرة تعتبر مثالا للمرونة في إدارة الشؤون العامة المنشودة. قال إن عمر بن الخطاب كان مشهورا بشدته ولُقب بالفاروق لأنه فرق بين الحق والباطل، إلا أنه في حقيقة الأمر كان كذلك رمزاً للمرونة في إدارته، ففي يوم من الأيام وبينما هو يتجول في المدينة متخفياً سمع بكاء طفل رضيع فطلب من أمه أن ترضعَه حتى يسكت، فأفهمته أنها تحاول أن تفطمَه قبل موعد الفطام لأن أمير المؤمنين يعطي نفقة الأطفال بعد فطامهم، وحرك هذا الموقف شيئاً في عمر، جعله يغير في لحظتها قانون النفقة بالكامل، فأمر أن تبدأ نفقة الأطفال منذ ولادتهم وتزداد بازدياد أعمارهم وحاجاتهم.
ما فعله عمر بن الخطاب نموذج للمرونة المنشودة في إدارة الشؤون العامة.
في مقابل هذه المرونة تحدث الشيخ سلطان القاسمي عن ظواهر موجودة اليوم في بعض الحكومات تتناقض مع هذه المرونة مثل «البيروقراطية في العمل، والدورة المستندية للمعاملة، وراجعنا غداً، والنظام لا يعمل».. وهكذا.
وقال إنه على ضوء هذا فإننا إذا «أردنا أن نحقق تواصلا حكوميا مرنا وفعالا فعلينا أن نبدأ بمرونة العقول التي تستطيع أن تستلهم من جذورها المتأصلة ما يقودها لاستخدام التكنولوجيا المتطورة، فلا هي متحجرة في الماضي ولا هي لاهثة وراء كل جديد».
من جانبه أوضح طارق سعيد علاي مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة أن اختيار المنتدى لهذا العام شعار (حكومات مرنة.. اتصال مبتكر) جاء استجابة لجملة من المتغيرات التي شهدها العالم خلال السنوات الماضية. وقال توضيحا لهذا إن «المشاريع الحضارية الناجحة تحتاج إلى مناخ عام وبيئة متكاملة لتجني ثمارها، وترتقي بواقع مجتمعاتها، وهذا لا يتحقق إلا بتبادل التجارب والخبرات، وفتح آفاق التعاون مع المشاريع الرائدة، فإننا نفتح فصلاً جديداً من مشروع متكامل يتطلع إلى رفع مساهمة الاتصال في خطط التنمية في المنطقة والعالم».
وقال علاي إن ما كان يمثل نموذجاً مثالياً للاتصال قبل أعوام قليلة لم يعد سوى درس وتجربة لشكل جديد من الاتصال، يضع في الاعتبار الكم الهائل من المعلومات التي تتشاركها مجتمعات العالم، كما يتوقف ملياً عند سلوك الفرد في حياته اليومية، والوقت الذي يمضيه في التواصل وفي متابعة مجريات العالم.
وعن جوهر المطلوب لتحقيق المرونة قال علاي: «إن مهمتنا المركزية اليوم كعاملين في الاتصال الحكومي ليست صناعة رسالة مرئية أو مسموعة أو مكتوبة، بقدر ما تتمثل في التخلي عن القوالب التي لم تعد مجدية في الاتصال، وابتكار قوالب جديدة تتناسب مع مجتمعات اليوم، ليس ذلك فحسب، وإنما مهمتنا أيضاً أن نكون قادرين على التنبؤ بأثر كل عملية اتصال، كما علينا أن نكون مساهمين في توجيه دفة التغيير في منظومة الاتصال؛ فما يحدث من ثورة في التكنولوجيا أو في علم الاجتماع أو في أسواق المال أو غيرها من القطاعات، له انعكاسات مباشرة على الاتصال واستراتيجي».
التخلي عن القوالب الجامدة.. القدرة على التنبؤ.. توجيه التغيير المنشود. هذه إذن أهم شروط المرونة المنشودة.
المواطن الحليف
في إحدى جلسات المنتدى، تحدث الدكتور معز مقدم، الرئيس السابق لديوان رئيس الوزراء في تونس عن مفاهيم الاتصال وتطورها وكيف يجب ان تستجيب للمتغيرات وتتحلى بالمرونة.
قال إن الاتصال مرتبط ارتباطا وثيقا بالمواطن، وأن الهدف الأساسي للاتصال المرن وللمرونة التي يجب أن تتحلى بها الحكومات عموما هو أن «يتحول هذا المواطن من طالب خدمة إلى حليف للحكومات وشريك معها».
واعتبر أنه كي يتحقق هذا، يجب أن تعرف الحكومات كيف تقدم خدماتها وكيف تسوق إنجازاتها، والإلمام بكل جديد في هذا المجال والاستفادة منه.
الدكتور جلال حاتم مدير جامعة أم القيوين وضع عدة شروط كي يكون الاتصال الحكومي مرنا وناجحا هي:
1- أن ينجح في ترسيخ القيم ومبادئ الشفافية والتعاون.
2- سرعة الاستجابة، ضاربا المثل بالنموذج الإماراتي وفي الشارقة على وجه التحديد في فعالية الاتصال الحكومي.
3- أن يكون الاتصال تبادليا وتشاركيا وليس من طرف واحد.
4- أهمية النشر الاستراتيجي للمعلومات والقيام بحملات التوعية وعرض الإنجازات وقوة كل ذلك في التأثير والتطوير.
وقدمت منى بوسمرة مدير أكاديمية دبي للإعلام مجموعة من الأمثلة على أهمية الاتصال الحكومي، كمقياس لنجاح الحكومات وفعاليتها في تقديم خدماتها المجتمعية، مشيرة إلى أن جائحة كورونا كانت خير مثال على أهمية الاتصال الحكومي، فكان هناك تواصل مع الناس حتى لا يتأثروا بالشائعات، ولنشر رسائل الاطمئنان.
المرونة الاقتصادية
من أهم القضايا التي ناقشها المنتدى في إطار الحديث عن الحكومات المرنة مسألة المرونة الاقتصادية.
ناقشت القضية جلسة حملت عنوان «من قلب الاقتصاد المرن إلى فنون التواصل» بالشراكة مع غرفة تجارة وصناعة الشارقة.
في الجلسة اعتبر محمد جمعة المشرخ المدير التنفيذي لمكتب الشارقة للاستثمار الأجنبي المباشر أن من أهم شروط المرونة الاقتصادية تذليل العقبات أمام الاستثمار. ونوه هنا بدور مكتب الشارقة للاستثمار الأجنبي المباشر (استثمر في الشارقة) في تذليل عقبات الاستثمار والبحث عن الفرص الاستثمارية في إمارة الشارقة وتسهيل ممارسة الأعمال وتذليل كافة التحديات التي يواجهها أي مستثمر يرغب في تأسيس أو توسيع أعماله في الشارقة والإمارات.
وقال المشرخ إن التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي أسهما في تعزيز فرص التواصل مع أكبر عدد من المستثمرين في مختلف دول العالم، وسهلا المجال لتبادل المعلومات وبناء الشراكات معهم. وقال إن دولة الإمارات اتخذت قرارات مرنة للاستثمار منذ فترة جائحة كورونا، لجذب رؤوس الأموال والشركات، مشيراً إلى المميزات التي طرحتها الدولة لزيادة ثقة المستثمرين من السماح للشركات الأجنبية بامتلاك 100% من أعمالها داخل المناطق الحرة، وإقامات ذهبية، وخضراء، لافتاً إلى أن هذه التسهيلات جعلت الكثير من المستثمرين يفكرون في الانتقال والعيش بالدولة والتوسع في استثماراتهم.
ديفيد لامانت الأستاذ المساعد في جامعة نانيانغ التكنولوجية ورئيس مختبر تحليلات الكوارث للمجتمع أشار في حديثه في الجلسة إلى التغيرات الجوهرية التي فرضتها جائحة كورونا على استراتيجيات وتقنيات ممارسة الاتصال، وقال إنها كشفت عن حاجة ملحة إلى توفير المعلومات وخلق مشاريع للتعامل مع المخاطر وإدارة الأزمات.
أما عن أهم العوامل التي تسهم في بناء اقتصاد مرن، فتتلخص في رأيه في العمل على الحد من الصدمات والأزمات من خلال تسليط الضوء على مواطن الضعف أثناء فترة التعافي، والعمل على التخطيط لتخطي الوضع الحالي أو قبل الأزمة.
وبشكل عام، أجمع المشاركون في الجلسة على أهمية بناء شراكات بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص والأفراد لتشجيع ريادة الأعمال والابتكار مع أهمية نشر رسائل إيجابية حول مستقبل الاقتصاد المرن، والترويج للقيم الاجتماعية الإيجابية.
مراقبة الأداء الحكومي
من أهم القضايا التي أثيرت في المنتدى في سياق الحديث عن شروط المرونة الحكومية أهمية وجود رقابة عامة على الأداء الحكومي، تتابع الإيجابيات والسلبيات وتنبه إليها.
في هذا السياق عرض مختار أحمد مفوض لجنة التخطيط والميزانية في حكومة نيجيريا تجربة فريدة معبرة. قال إن ولاية كادونا في شمالي البلاد أطلقت تطبيق «سيتيفيد» كجزء من نظام النفقات العامة، يشكل «العيون والآذان» التي يرى ويسمع بها الجمهور جميع ما يتعلق بمراقبة الأداء الحكومي. وقال إن هذا التطبيق نجح في تعزيز استجابة الحكومة لملاحظات المواطنين، ولا سيما في قطاع الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية، وبشكل خاص المستشفيات والمدارس.
وأضاف مختار أحمد: «نجح التطبيق في إحداث تأثير إيجابي ملموس على أرض الواقع، حيث تم إكمال بناء 500 مدرسة، و200 مستشفى، ومئات مشاريع البنية التحتية كالطرق والجسور والمباني الحكومية، بالإضافة إلى تخفيض نسبة ولادة الأمهات في المنازل من 78% إلى 48% خلال عامين فقط، كما نجح بتحديد أسوأ 20 مقاولا، وتم وضعهم على القائمة السوداء»، مشيراُ إلى أن منصة «عيون وآذان» تستخدم حالياً الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتتبع مشاعر المواطنين.
هذه الجوانب التي عرضنا لها تمثل بعضا من اهم المفاهيم المرتبطة بالحكومات المرنة، والشروط التي من المفروض توافرها كي تتحقق هذه المرونة.
وليست هذه هي الجوانب الوحيدة. كل النقاشات التي دارت في المنتدى عبر كل الجلسات والورش والأنشطة تتعلق بالقضية، وسوف نتابع هذه الجوانب الأخرى في المقالات الآتية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك