يعد التعليم أساس الانطلاق نحو التقدم والازدهار لأي مجتمع، وأساس تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق رخاء الإنسان ورفاهيته، وقد شهد النصف الثاني من القرن الماضي ارتفاعًا ملحوظًا في المستوى التعليمي لأغلبية شعوب العالم عمومًا، والبلدان النامية بشكل خاص، ما أسهم في انخفاض نسب الفقر في هذه الدول مقارنة بما كانت عليه من قبل الالتفات إلى أهمية التعليم وفاعليته، لذا فإن تطوير التعليم عملية ومطلب مهم لبلوغ سلم الرقي الحضاري للبشرية، حيثُ شَكَّل محوراً أساسيًا لكافة الخطط التنموية في اقتصادات الدول، كما انه ركيزة مهمة من مرتكزات التنمية المستدامة، بالإضافة إلى المهام الرئيسية الأخرى المرتبطة بالجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية، وأن التركيز على النظام التعليمي في كل بلاد العالم يعُد أمرًا أساسيا، وركنًا من أركان أي دولة؛ إذ يمثل الهوية الوطنية، وحقا من حقوق المواطنة، تكفله الدولة وتسخر أجهزتها كافة لتحقيقه، كما هو معمول به في اغلبية الدول، منها مملكة البحرين، كما ورد بدستورها الوطني ما يمثل هذا الحق لمواطنيها، وذلك في قانون رَقَم (27) لسنة 2005م، الذي ينص على «أن التعليم حق تكفله المملكة لجميع المواطنين وتنبثق فلسفة التعليم من ثوابت وقيم الدين الإسلامي الحنيف والتفاعل الإنساني والحضاري والانتماء العربي لمملكة البحرين والإطار الثقافي والاجتماعي لشعب البحرين كامتداد لتراثه العريق وأحكام الدستور، وذلك سعياً لتحقيق سعادة المواطن وتقوية شخصيته واعتزازه بدينه وقيمه ووطنه وعروبته دعمًا لتنمية المجتمع، وتحقيق رخائه وتقدمه».
عدّ التعليم كذلك قاعدة أساسية للعديد من جوانب المجتمع المدني المتمثلة في المجالات الصحية، الاقتصادية والبيئية والسياسية، التجارية، والصناعية، وجميع أنظمة المجتمع وأركان الدولة الأخرى، حيثُ إن النظام التعليمي في أي دولة يعمل في مسارات متصلة مع أنظمة المجتمع الأخرى، ووفق منظومة شاملة ومتكاملة، عدّ النظام التعليمي أحد أركان هذه المنظومة، بل إنه عدّ الركيزة الأساسية لبناء المجتمعات، وبناء الأوطان، وهو الطريق الذي يرسم خطوط التنمية الشاملة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وبحسب ما أشارت أيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونيسكو: «يجب أن تتغير نظرتنا إلى الدور الذي يؤديه التعليم في التنمية العالمية تغيرًا جذريًا، فهو عامل يُحفز على تحقيق رفاه الأفراد، وبناء مستقبل كوكبنا الأرض. وتمكن مسؤولية التعليم اليوم أكثر من أيّ وقت مضى في مواكبة تحديات القرن الحادي والعشرين وتطلعاته وفي تعزيز القيم والمهارات الكفيلة بتحقيق النمو المستدام الشامل للجميع والتعايش السلمي». ومن هنا كانت مخرجات التعليم قادرة على التعامل مع تحديات العصر ومتطلباته المتجددة وعلى المنافسة على المستويين المحلي والدولي، ومواكبة المبتكرات العلمية والتكنولوجيا المتطورة، لتحقيق التقدم النوعي والجذري الهادف لأحداث التنمية الوطنية المستدامة.
إن مملكة البحرين تتميز بأن نظامها التعليمي يمتلك خريطة طريق تستند إلى الدراسات العملية والأدبيات التربوية الحديثة، وتقديم خطَّةً تكفل جودة التعليم لجميع فئات الطلبة. والأهمّ من ذلك هو أنَّ قيادتنا الرشيدة أعطت الأولوية بشكل دقيق ومدروس لقيادة النظام التعليمي في جميع مراحله بداية من التعليم الأساس وصولًا الى التعليم الجامعي، وتأكيد أنّه «حقّ من حقوق الإنسان، وصالح عام، ومسؤوليّة عامة. وذلك بالعمل وفق استراتيجية وطنيَّة متكاملة للنهوض بالعقل والتَّعليم وبناء المواطن البحريني. وضمن هذا الإطار، فقد أكّدَ سعادة الدكتور محمد مبارك جمعة وزير التربية والتعليم، أنَّ مملكة البحرين بتوجيهات القيادة الرشيدة تولي اهتمامًا كبيرًا للتعليم باعتباره المكون الرئيس لتنمية العنصر البشري، والرافد الأساسي للتنمية المستدامة، وجزءًا أساسيًا من رؤية المملكة الوطنية 2030 التي عدّ جودة التعليم إحدى ركائزها الأساسيّة. ولم يَصِل قطاعُ التعليم في المملكة إلى هذا المستوى المتقدم الا بفضل تضافر الجهود الوطنية المخلصة من القيادات التربوية؛ ونتاج عقود من الاستثمار والعمل المتواصل وفق الاستراتيجية العامة للتعليم المنبثقة من أولويات الدولة. واليوم، نرى هذا القطاع الحيوي يرتقي الى مصاف الدول المتقدمة.
كان ومازال التعليم هو الاستثمار الأهم لمملكتنا الحبيبة، الذي سيعود على المملكة نماءً وتطورًا وتحديثًا في مختلف المجالات. والدليل على ذلك تلك النّجاحات والمُبادرات التعليميّة والتربوية الرائدة التي حقّقتها وأطلقتها مملكة البحرين ممثلةً في وزارة التربية والتعليم، ونشير أيضا إلى أنَّ منظومة التعليم في المملكة تتّسم بالمعايير العالمية وتتوافق معها تمامًا، وتؤهل طالب التعليم العام لمواصلة دراساته الجامعية والعُليا أو الالتحاق بسوق العمل وبناء أجيال متمكنة من المعارف والمهارات الحياتية، قادرة ومؤهلة لخدمة مجتمعها ووطنها وتحمّل المسؤوليات التي تناط بها، كذلك فقد تم توجيه الكثير من الجهود نحو الاهتمام بالطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة، وتسريع الخدمات اللازم توافرها وفقًا لاحتياجاتهم، ومنها التقييم والاستشارات والدعم، فضلًا عن الاهتمام بمهاراتهم الإدراكيّة والمعرفية والأكاديمية والاجتماعية ورعايتهم الذاتيّة، وتحديد البيئة والبدائل التعليمية المناسبة لهم. وفي هذا السياق، نشير كذلك إلى اهتمام المملكة ممثلةً في وزارة التربية والتعليم، بتجويد العمليات التعليمية ضمن إطار رؤية البحرين الاقتصادية 2030، التي تقوم على بناء اقتصاد المعرفة وبناء جيل جديد من المبتكرين والمفكرين، ويشار في هذا الصدد إلى أنَّ التعليم بالبحرين تأسس في مطلع القرن العشرين، وقد اقتصر على الكتاتيب، وهي معاهد تعليمية تقليدية هدفها الأساسي تعليم قراءة القرآن للنشء، وبالتحديد منذ عام 1919، فقد تأسست مدرسة الهداية الخليفية للبنين في مدينة المحرق، التي مازالت صرحًا تعليميًا شاهدًا على عراقة التاريخ التعليمي في المملكة وأصالته، وبعدها تسارعت وتيرة تطوّره في المملكة لتشمل جميع السكان من الجنسين وفي جميع المراحل وصولًا إلى التعليم الجامعي. مما يدعم تأكيد مملكة البحرين دومًا أن التعليم حق مكتسب لكل مواطن يكفله الدستور، ومِفتاح لحلّ القضايا الاجتماعية والاقتصادية السائدة، ووسيلة لغرس الثقافة والهُوية وعامل تمكين اجتماعي واقتصادي.
ونختم بالقول، إن مسؤولية التعليم تظل على عاتق الجميع، وفيها أسرة الطالب ومحيطه الذي يعيش فيه، باعتبارهما جزءًا مكملًا ومهمًا في حياته ومسيرته التعليمية، لذا فقد صدرت التوجيهات الراقية عن صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير سلمان بن حمد حفظه الله، بإقامة يوم تعريفي في جميع المدارس الحكومية لأولياء الأمور وإشراكهم مع الطلبة في استقبال العام الدراسي لتعزيز روح المشاركة، والتآلف بين البيت والمدرسة. ومزيدًا من دعم قطاع التعليم وربطه بالتنمية الشاملة والمستدامة، والعمل على ردم الفجوة العلمية والنهوض بالمستوى الوطني نحو مخرجات أفضل تتلاءم مع متطلبات سوق العمل. لذا، فإن العمل على زيادة تعزيز جودة التعليم بات نهجًا وطنيًا اعتمدته المملكة، لضمان تقديم منتج تعليمي بجودة عالية وفق معايير معتمدة، إلى جانب تنمية المؤسسات وبناء المنظومة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة، وللوقوف على أهميتها تمت إعادة تشكيل لجنة البحرين الوطنية للتربية والعلوم والثقافة بمرسوم ملكي رَقْم (69) لسنة 2024، وهذا انما يدل على مدى الاهتمام الذي توليه المملكة بإعطاء الأولوية للتعليم الهادف والمعرفة والثقافة، والوقوف على مدى تحقق النتائج لكافة أفراد المجتمع، وبالتالي إلى تحقيق الأهداف والنجاحات على مختلف المستويات والمجالات في ظل حصول مملكة البحرين على المؤشرات العالمية، بفضل ارتفاع مستوى التعليم، حفظ الله مملكتنا الحبيبة تحت ظل قيادتنا الرشيدة، وبوركت جهود المخلصين من أبناء هذا الوطن المعطاء، وخالص شكرنا وتقديرنا للقيادات التربوية والتعليمية لما تقدمه في وزارة التربية والتعليم من جهود جبارة ودائبة، لمستقبل أفضل لطلابنا الاعزاء، وكل ما يخص شؤون الحركة التعليمية في المملكة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك